الثلاثاء 2018/12/18

آخر تحديث: 19:58 (بيروت)

اليوم العالمي للعربية.. لغتنا الثانية؟

الثلاثاء 2018/12/18
اليوم العالمي للعربية.. لغتنا الثانية؟
increase حجم الخط decrease
ربما يكون الاحتفال المتواضع في مواقع التواصل الاجتماعي بـ"اليوم العالمي للغة العربية"، الدليل الأكبر على أن هذه اللغة تعاني الكثير، وكأن يوم الاحتفال الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم "يونيسكو" منذ سنوات، ليس إلا تذكيراً بأن هذه اللغة مهددة ومأزومة. 


نظرة عامة على التغريدات في هاشتاغ #اليوم_العالمي_للغة_العربية الذي تصدر قائمة المواضيع الأكثر رواجاً في "تويتر" في عدد من الدول، تفضي إلى تكرار مروع، ليس فقط لأسباب الاحتفاء بالعربية، عبر أبيات شعر وكليشيهات "لغة الضاد" و"ملكة جمال اللغات"، بل أيضاً في طريقة التعبير عن ذلك، عبر القص والنسخ واللصق، فيما تدور الأفكار في مجملها حول استذكار الماضي السحيق، عندما كانت العربية في القرون الوسطى، لغة عالمية حاضنة للأدب والعلم على حد سواء.

وفيما تكرر المنشورات بعضها البعض، بلا ابتكار، وبلا تجديد، مع مئات التغريدات التي تحيي العربية، بلغات أخرى، كالانجليزية، من قبل مغردين عرب لا أجانب، يجادل كثيرون أن العربية ستبقى لغة حية باعتبارها حاملة "الذِّكر الحكيم" أي القرآن ككتاب مقدس. لكن هذا المثال يذكّر بوضع اللغة اللاتينية قبل حركة الإصلاح الديني في أوروبا وترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات القومية.

والحال أن اللاتينية ما زالت اللغة الرسمية للفاتيكان، لكن ذلك لا يجعل منها لغة "موجودة" بالمعنى الكافي، مع انخفاض عدد المتحدثين بها. أما العربية، فهي تشكل اللغة الرسمية للعديد من الدول العربية، كما أنها لغة رسمية في الأمم المتحدة، لكن ذلك قد لا يكون كافياً للقول أنها معاصرة وجذابة وتضج بالحياة. في حين أن الانكليزية، تضاف إليها كلمات جديدة سنوياً، بما في ذلك "الإيموجي" الذي بات جزءاً من اللغة المعاصرة، لدرجة أن قاموس "أوكسفورد" اختار إيموجي الضحك كلمة للعام 2015.


وما زالت نسبة المحتوى المكتوب بالعربية في الإنترنت لا تتجاوز 4.8%، أما اللغة الانجليزية فتشكل 25.3% على الأقل، وتصبح النسبة أكبر في "يوتيوب" حيث تهيمن الانجليزية بنسبة تصل إلى 93.5% بحسب تقديرات غير رسمية. وقد تكون عالمية هذه اللغة وبديهيتها وعدالتها الجندرية والتطورية -مقارنة بلغات أخرى- ما جعل ملكة جمال الولايات المتحدة تشعر بالصدمة عندما وجدت مشاركات في مسابقة ملكة جمال الكون، الأسبوع الماضي، لا يتقن الانكليزية.


من هنا، ربما يكون التخلي عن اللغات المحلية، لصالح لغة يفهمها جميع البشر، مرحلة من التطور، وإن كانت مسلسلات الخيال العلمي، مثل "ألترد كربون"، تتوقع أن الوعي البشري الجمعي سيصبح قابلاً لاستيعاب وترجمة اللغات المحلية فوراً من دون الحاجة للتعلم، بمساعدة تكنولوجيا مستقبلية تعزز تيار الوعي. فيما تناقلت مواقع عربية، طوال الأسبوع، أنباء عن "حبة دواء سحرية" ستمكن البشر في المستقبل من تعلّم لغات جديدة، وهي في الواقع أنباء قديمة تحدثت عنها صحف بريطانية منذ العام 2014، وتدور حول تعزيز مواد كيميائية في الدماغ، تساعد على عملية التعلم.

والحال أن هناك أكثر من 300 مليون إنسان تشكل العربية لغتهم الأصلية، إضافة إلى أكثر من 250 مليون آخرين تشكل العربية لغة ثانية لهم. لكن المشكلة في هذه التقديرات أنها تنظر للعربية الفصحى كلغة أم للسكان في دول الوطن العربي، وهو أمر لا يمكن اعتباره صحيحاً تماماً، مع وجود العديد من اللغات المحلية، التي باتت أكثر من مجرد لهجات في الواقع، بينما لا يبدأ الإنسان تعلم الفصحى إلا بعد دخول المدرسة، في سن السادسة، ما يجعل العربية الفصحى أشبه بلغة ثانية.

الجدل بين طبيعة اللهجات المحلية وإن كانت ترتقي لمستوى اللغة، عاد إلى الواجهة مؤخراً في لقاء بثته قناة "أم تي في" اللبنانية، وتحدثت فيه عن اختلاف اللغة/اللهجة اللبنانية عن اللغة العربية. وفيما تم وصف المشهد بالعنصرية، إلا أن تلك الكلمة تحمل الكثير من المبالغة. فرغم أن اللقاء كان مضحكاً نظراً لسذاجة الأفكار والأمثلة، لكنه في الواقع ينقل جوهر المشكلة التي تعاني منها العربية في القرن الحادي والعشرين.

انفصال المحكي عن المكتوب في العربية، قد يكون أكبر مشاكل اللغة، لكن المشكلة الأكبر قد تكون القدرة على الابتكار. الكتابة الأدبية وحتى الصحافية، عند الرغبة في التميز على صعيد البناء اللغوي، ترجع إلى كلمات ومصطلحات وتراكيب بائدة. حتى أن التناص، بات نمطاً لاستجرار الماضي اللغوي على أنه "إبداع"، حتى لو كان ما يُكتب مملاً وغير مفهوم في كثير من الأحيان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها