الثلاثاء 2017/08/29

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

بروباغندا الراب المحرّم في إيران

الثلاثاء 2017/08/29
increase حجم الخط decrease
لسنوات كانت صورة القوات المسلحة في إيران ترسم في وسائل الإعلام الرسمية بصورة متشددة لا يمكن معها المزاح مع رجال الجيش مثلاً لأن صفاتهم يجب أن تتميز بالرجولة والشدة لكونهم يضطلعون بمهمة الدفاع عن بلد دائم تحد التهديد، لكن الصورة المعاكسة التي قدمها مغني الراب الإيراني الشهير أمير تاتالو في شريط الفيديو لإحدى أغنياته الجديدة، كانت صادمة لكثير من الشباب في البلاد، لتقديمها المغني وهو يرقص ويغني بين رجال البحرية الإيرانية في واحدة من أشهر سفن البلاد الحربية في بحر قزوين.


ورغم أن رجال الدين في إيران يصفون موسيقا الراب بأنها "من عمل الشيطان" كما يحرمون الرقص نفسه أيضاً، إلا أنه التوجه الجديد في البلاد يبدو متسامحاً مع تلك "الأمور الثانوية" إن كان الراب نفسه يقدم خدمة دعائية للمؤسسة العسكرية الإيرانية كما هو الحال في الفيديو الجديد لتاتالو، الذي يظهر بأزياء معاصرة وهو يردد "الخليج الفارسي المسلح هو حق مطلق لإيران"، ممجداً القوة العسكرية الإيرانية فوق سفينة "داموفاند" العسكرية، مع تلويح كثيف بأعلام البلاد فيما يضبط الجنود بخبطات أقدامهم على الأرض إيقاع الأغنية نفسها!


والحال أن ترديد شعارات مثل "الموت لأميركا" وحرق الأعلام الأميركية ورسم شعار الجمجمة فوق صور تمثال الحرية مثلاً، كلها أمور عتيقة الطراز فقدت قدرتها على التأثير على الأجيال الشابة في إيران منذ فترة طويلة، وهو ما يدفع ماكينة البروباغندا الإيرانية إلى تبني أحدث الاتجاهات والتقنيات في محاولة لتكييف نفسها من أجل الغاية الأسمى وهي إيصال رسائلها الدعائية بطرق غير مباشرة للأجيال الشابة الأكثر وعياً وتعقيداً.

ورغم ذلك لا تتخلى الدعاية الإيرانية في الشريط الجديد عن ديماغوجيتها بشكل مطلق، بل تبدأ برسم صورة الضحية للشعب الإيراني، بالقول "الشعب الإيراني شعب مسالم" ثم تمزج النظام السياسي المستهدف عموماً بالعقوبات الدولية والذي يزعزع استقرار الشرق الأوسط والعالم، بسبب تطرفه، بالشعب، ويتجلى ذلك في اللحظة التي يتخلى فيها مغني الراب عن "شيطانيته" وثيابه التي تشبه ملابس رجال العصابات، وينضم إلى الجنود في صف واحد بشيء من الخشوع والتقديس، فيما تتالى العبارات المكتوبة على لافتات يحملها المدنيون للهجوم على الأعداء: "لا تصدقوا الإعلام".


ولا تمثل أغنية تاتالو الجديدة خرقاً على هذا المستوى، رغم كونها أول استخدام رسمي من طرف النظام الإيراني للراب في إنتاج البروباغندا، حيث ظهرت خلال السنوات الماضية عدة مقاطع دعائية مختلفة عن الطريقة الرسمية الجافة، ونشرت في موقع "أبارات" (Apparat) وهو النسخة المحلية من "يوتيوب" إضافة لتداولها عبر موقع "تيليغرام" واسع الانتشار في البلاد، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.


وقال محمد رضا شفا، وهو مدير "نادي سوريه السينمائي" الممول من الحكومة من أجل ضخ الحياة في الدعاية الرسمية المتحجرة، إن إشراك مغني راب في الدعاية الإيرانية هو أفضل طريقة للقيام بتلك المهمة، مضيفاً: "إذا لم نتغير فسنكون قد فقدنا جمهورنا" موضحاً أن بغض النظر عن تحريم الراب في إيران، تعتبر كل الموسيقا من المحرمات كما أن الرقص "غير قانوني" وجريمة من الناحية التقنية.


وتقول "نيويورك تايمز" أن الفيديو انتشر بشكل واسع بين الشباب الإيراني، لكن أصداءه لم تكن إيجابية بالمطلق، ونقلت عن شاب إيراني يدعي آريان مظفري وهو عاطل عن العمل ويبلغ من العمر 27 عاماً، قوله أن هذا الفيديو محاولة لتغذية الهراء في عقول الناس، لكنه يقر بأن الناس باتوا يتأثرون بشكل متزايد بهذا التيار الجديد من الأغاني الوطنية وأشرطة الفيديو الدعائية الجديدة عبر الإنترنت، ويعزو تحول النظام الإيراني لهذه الطريقة، إلى فشل الطريقة السابقة القائمة على ترويج فكرة ديماغوجية مطلقة بأنه "يجب أن نكون أقوياء وإلا فسوف نهزم"، في جذب الجمهور والتأثير فيهم كما ينبغي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها