الجمعة 2017/07/21

آخر تحديث: 18:40 (بيروت)

نجدة أنزور رئيساً لمجلس الشعب..بداية تقاسم السلطات في سوريا

الجمعة 2017/07/21
نجدة أنزور رئيساً لمجلس الشعب..بداية تقاسم السلطات في سوريا
increase حجم الخط decrease
ربما تكون السخرية المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، إزاء تكليف المخرج نجدة أنزور برئاسة مجلس الشعب السوري، مسلية وضرورية لكون الحدث مسرحياً في بلاد لا يشكل فيها البرلمان سوى ديكور مهمل، لكنها رغم ذلك، ليست كافية على الإطلاق، لأن التكليف بحد ذاته يعطي مؤشرات كثيرة، ليس فقط عن مستقبل سوريا بل أيضاً عن حاضرها الذي بات يشهد، بشكل متصاعد، حرباً جديدة بالوكالة بين روسيا وإيران، رغم حلفهما التكتيكي الداعم للنظام السوري.


ويحمل تكليف أنزور بدلاً من هدية عباس، الرئيسة السابقة للبرلمان التي كانت أول امرأة في تاريخ البلاد تتقلد هذا المنصب، دلالة عميقة. فأنزور مشهور بولائه المطلق لإيران، بينما كان تعيين عباس خطوة دعائية روسية بالتنسيق مع النظام أمام المجتمع الدولي، بالقول أن النظام يدعم حرية المرأة والديموقراطية في البلاد على عكس المعارضة "الإرهابية – الداعشية". وبالتالي يصبح انتزاع إيران لهذا المنصب، بداية لصراع حول السلطة في البلاد، مع اقتراب الحرب من نهايتها تقنياً.

ولا يمكن قراءة التكليف بمعزل عن التسريبات الروسية الأخيرة، التي روجتها وكالة "سبوتنيك" ووسائل إعلام سورية موالية مقربة في موقفها السياسي من روسيا، خلال اليومين الماضيين، عن تغييرات جوهرية في الحكومة السورية تطال حقائب وزارية سيادية، والتي كان لافتاً فيها أن الأسماء المطروحة لوزارات مثل الخارجية والدفاع وغيرها، شخصيات غير معروفة على المستوى العام كثيراً (أحمد الكزبري، مصطفى المقداد،..)، وإن كانت تتشارك في أنها جميعاً شخصيات سنية أو مسيحية تتشارك تعليماً عالياً في جامعات مرموقة عموماً ما يؤهلها لامتلاك رؤى أكثر علمانية، نظرياً، وبالتالي التقارب مع الطرح الروسي لمستقبل البلاد، وفيه تشكل حكومة ذات غالبية سنية – مسيحية، نفياً دعائياً لاستعباد النظام العلوي للسنة الذين لا يشكلون فقط غالبية السكان، بل عصب الاقتصاد أيضاً.

وفق هذه الرؤية يمكن الحديث عن بداية تقسيم السلطات في سوريا بشكل رسمي، بطريقة قد تكون مشابهة لتقاسم السلطات في لبنان بعد الحرب الأهلية بين الطوائف المختلفة، لكن الفارق في سوريا أن القسمة ستكون بناء على الولاءات السياسية الخارجية في كل منصب، لتشكيل توازن بين القوى الإقليمية والدولية التي تمتلك مصالح مختلفة قد تصل إلى حد التناقض، من وجودها في البلاد، وتحديداً روسيا وإيران.

السؤال الأكثر إلحاحاً هنا يتمحور حول ولاء النظام السوري في حالة النزاع بين الحليفين المرحليين طهران وموسكو، فصحيح أن النظام يتمتع بعلاقات وطيدة منذ عقود مع إيران وبالتحديد مع حزب الله اللبناني، إلا أنه بعد ست سنوات من الحرب الأهلية في البلاد، توجد دلائل على أن الإرهاق الناجم عن طول مدة الحرب والاستراتيجيات المتباينة للطرفين قد يفرق بين الحليفين الوثيقين، مثل قضية التعفيش التي أحدثت شرخاً منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر بين النظام وحزب الله بما في ذلك توتر العلاقات مع قناة "الميادين" الممولة من إيران، مع تقارير غربية تؤكد أن الرئيس السوري بشار الأسد يتعرض لضغوط متزايدة من جانب الفصائل الموالية لروسيا في دوائر حكمه الداخلية، من أجل التخلي عن حزب الله، بالتوازي مع إعلان اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا لإقامة منطقة للتخفيف من التصعيد في جنوب سوريا في وقت سابق الشهر الجاري، والذي كان أحد أهدافه تحجيم النفوذ الإيراني قرب الحدود مع إسرائيل.

وعليه، يمكن القول أن هناك حرباً بالوكالة تدور في سوريا اليوم، على مستوى الكواليس السياسية، والتي يشكل تعيين أنزور مجرد حلقة صغيرة فيها، وهي حرب ليست بين السنة والشيعة أو بين الولايات المتحدة وروسيا، بل بين روسيا وإيران، مع امتلاك الدوائر السياسية السورية المقربة من موسكو رؤية لسوريا "علمانية" في المستقبل، ولو شكلياً، وبينهم ضباط تدربوا في روسيا. في مقابل رؤية أكثر محافظة، للأشخاص الذين يميلون لطهران، سواء لأسباب دينية أو بسبب دعمهم وتجنيدهم من طرف النظام الإيراني حتى وصولهم لنفوذ كبير في أجزاء مفصلية من النظام على مر السنوات.

ومع تكرار حالات الصدام بين حزب الله وقوات النظام أو القوات الروسية منذ حزيران/تموز العام 2016، في مناطق مثل حلب، والتي أخذت صورة اتهامات علنية في الإعلام، ورفض حزب الله الالتزام باتفاقات الهدنة الروسية السابقة مثل اتفاق كانون الأول/ديسمبر الماضي في حلب، وعرقلة الحزب لعمليات إجلاء المدنيين في شمال البلاد، فضلاً عن أوامر وزارة الدفاع الروسية بتوجيه عمليات قصة جوي لمواقع ميليشيات شيعية في محيط جبل عزان، في تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، عندما تدخلت القوات المدعومة من إيران في خضم إجلاء المدنيين إلى مناطق آمنة.

ويعتبر كل ذلك رسائل دعائية بأن إيران هي اللاعب الأساسي على الأرض مع انتشار كبير لقواتها البرية وميليشياتها هناك، ترغب روسيا في إنهاء ذلك الوضع، بحيث تكون الكلمة الأخيرة في البلاد عسكرياً لضباط النظام أنفسهم مع إمكانية دمج المليشيات الشيعية التي يتراوح عدد مقاتليها عند 70 ألفاً ضمن جيش النظام، بشكل يضمن حدوث مشاكل للوجود العسكري الروسي أو العمليات الروسية أو الاتفاقات الروسية مع الولايات المتحدة بشأن سوريا.

وعليه قد تكون التسوية بين الطرفين قد حصلت بشكل نوع من تقاسم السلطات بدلاً من الصراع المباشر والخفي الذي لا يفيد الطرفين، خصوصاً في مرحلة إعادة الإعمار، لكن ذلك يبقى مرهوناً بحدوث التغييرات الوزارية، لأن تعديلات في الحكومة بشكل معاكس مثلاً وجعلها تضم أشخاصاً مرتبطين بإيران ما زال أمراً وارداً، خصوصاً أن المواقع والصفحات الاجتماعية الموالية لإيران في سوريا (دمشق الآن،..)، قللت من شأن التسريبات الروسية وسخرت منها أيضاً، وهو أمر تتخوف منه تقارير غربية متعددة ترى أن إيران هي صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا مع إثبات روسيا أنها لا تمتلك النفوذ الكافي على طهران ولا على النظام نفسه عندما يتعلق الأمر بالمصالح الإيرانية المباشرة، ويأتي ذلك من حقيقة أن وكلاء إيران قاموا بالجزء الأكبر من الحرب السورية فعلياً قبل سنوات من التدخل الروسي.


لعبة الخيوط المتشابكة هذه تحيل تلقائياً إلى الإحساس بجو مسرحي ثقيل، في بلاد يدار فيها كل شيء في دوائر السلطة الضيقة، وبالتالي لن يفيد كثيراً أن يصبح مجلس الشعب بإدارة "مخرج محنك" كأنزور، الذي لن يتعدى دوره تمثيل الواجهة السياسية الإيرانية في البلاد وإطلاق التصريحات لأحداث التوازن مع الجانب الآخر، ومن نافل القول أن أعضاء مجلس الشعب هنا يلعبون دور الكومبارس الأكثر تهميشاً، ولن يتعدى دورهم تقديم هتافات "جوارح جوارح" المستمدة من مسلسلات الفانتازيا التاريخية التي كانت أشهر ما قدمه أنزور على الإطلاق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها