الثلاثاء 2015/09/22

آخر تحديث: 16:15 (بيروت)

الأسد أحرق البلد.. وقتل أكرم رسلان

الثلاثاء 2015/09/22
الأسد أحرق البلد.. وقتل أكرم رسلان
increase حجم الخط decrease
مقتل رسام الكاريكاتير السوري أكرم رسلان، تحت التعذيب الوحشي في معتقلات النظام، يكشف تفنّن نظام الأسد في الانتقام من معارضيه. عداء "البعث" مع رسامي الكاريكاتير، يتجلى اليوم أكثر من أي وقت مضى. يعيد الى الاذهان اصابع رسام الكاريكاتير علي فرزات العام 2011، واقتلاع حنجرة مغني الثورة ابراهيم القاشوش ورمي جثته في نهر العاصي في العام الأول من الثورة السورية.

يمكننا تخيل العذابات التي عاناها رسلان قبل وفاته المريرة في المعتقل. الضرب المبرح وتكسير الأصابع واستخدام الأساليب العنيفة من تقييد وكهرباء، والحرق بسبب لوحته التي كانت سبب اعتقاله والتي سخر فيها من مقولة "الأسد أو نحرق البلد". لا بدّ أن السجان الأسدي تلذذ بتكرار هذه الجملة المقيتة وهو يكوي الأصابع المهمشة بالنار أو يطفئ الأعين التي تلتقط تفاصيل الأشياء بصرياً بأعقاب السجائر، فيما العجز يقتل صاحبه المرهف من الدفاع عن نفسه حتى الموت.

جريمة قتل رسلان، ومن قبله تكسير أصابع فرزات، تعيد الى الاذهان تفاصيل فيلم "الهروب من ألكاتراز" الشهير للممثل كلينت إيستوود. من السخيف والمخيف في آن واحد أن يستقي النظام السوري أساليب تعذيبه الوحشية من فيلم سينمائي، حتى لو كان ذلك الفيلم مستقى من أحداث حقيقية في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي. ففي الفيلم حادثة تعذيب مماثلة بحق رسام كاريكاتير أميركي.




عدائية النظام السوري لرسامي الكاريكاتير واضحة منذ الأيام الأولى للثورة. اعتُقل عدد منهم وهرب العشرات خارج البلاد، وهي عدائية يمكن إرجاعها للهشاشة الداخلية لهذا النظام والتي يخشى تصدعها خاصة وأن رسوم الكاريكاتير الساخرة تبلغ ذروة تأثيرها عندما تلامس القضايا السياسية، إذ تعمل على تكسير الهالة المقدسة التي يحيط بها النظام نفسه ككيان غير قابل للمساس أو التغيير، وهو سبب مشترك مع كافة الأنظمة الديكتاتورية في العالم وعبر التاريخ.



رسلان كان ملهماً لعدد كبير من رسامي الكاريكاتير في سوريا. فهو أحد أشهر الأسماء التي تحلّت بالشجاعة لقول الحقيقة من الداخل السوري وبصوت عال. ويعتبر مقتله خسارة حقيقية للفن والصحافة والثقافة في البلاد، وما كانت هذه الخسارة لتحصل لولا الإقصائية التي يتحلى بها النظام السوري وتفننه في إلغاء الأصوات المعارضة وتكريس الأبواق المهللة له ولرموزه فقط.

"أكرم رسلان، فنان كان في المكان المناسب والوقت المناسب، وقال ورسم بضميره الحي، ولهذا اعتقلوه ولهذا قتلوه. هي الحياة السورية الآن: الحياة التي تصر على التهام كل شيء من ذاكرتنا"، هكذا عبّر رسام الكاريكاتير السوري الزميل في "المدن" هاني عباس.
ويضيف عباس: "عرفت الشهيد أكرم رسلان بداية العام 2000 من خلال رسومه في الصحف، ولأنه لم يكن من ساكني دمشق فلم ألتق به سوى مرتين اثنتين في زياراته لدمشق  وعملنا معاً في فترة لاحقة في إحدى الصحف السورية وبعدها حتى يوم اعتقاله كنا ننشر معاً  رفقة رسامين سوريين آخرين  في موقع الجزيرة نت".



القوة في رسوم رسلان وجرأته في تناول المواضيع، لم تكن تعكس شخصيته الهادئة ودماثة أخلاقه، فهو، بحسب عباس، شخص يمر في أيامك بهدوء، لتكتشف عند اندلاع الثورة في سوريا أنه لم يكن حدثاً عابراً، وأن هذه الثورة ستكشف معادن الكثير ممن عرفناهم.

أكرم كان أول فرسان الكاريكاتير في الثورة السورية، فمنذ البداية، يرسم أفكاره ويعرض وجهة نظره بحرية لافتة وبنبرة مواجهة عالية. معدن هذا السوري الأصيل ابن حماة لم يكن ليتغير على مدى سنتي الثورة التي عاصرها منذ البداية وحتى لحظة اعتقاله بل كان يزداد تمسكاً بحرية الشعب ومواجهة القتلة  يوماً بعد يوم.

يختم عباس: "عندما بدأت دبابات النظام تحيط بمدينة حماة وتحاصرها كانت رسوم أكرم تخترق هذه الدبابات لتصل الى كل العالم، العالم الذي صمت عن كل هذا الموت وصمت على اعتقال أكرم وغيره الآلاف من خيرة أبناء سوريا وقتلهم وتهجير من تبقى منهم".

وكانت أجهزة الأمن السورية اعتقلت رسلان من مقر عمله في صحيفة الفداء الرسمية في مدينة حماة وسط البلاد، في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2012، وتم نقله إلى فرع المعلومات التابع لشعبة المخابرات العامة في العاصمة دمشق، حيث فارق الحياة. علماً أنه اشتهر بعد الثورة السورية بإنجازه أكثر من 300 لوحة ساخرة أعلن فيها بصراحة وشجاعة انحيازه التام للثورة السورية وتطلعات الشعب السوري بالحرية والديموقراطية، ونشرها عبر صحف ومواقع عربية مثل "الجزيرة نت" إضافة لمدونته الشخصية، وكانت اللوحة التي سخر فيها من مقولة الأسد أو نحرق البلد هي السبب الأساسي في اعتقاله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها