الجمعة 2015/06/26

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

دمشق كـ"ماخور" كبير في "عناية مشددة"

الجمعة 2015/06/26
increase حجم الخط decrease

أفرجت الرقابة السورية عن مسلسل "عناية مشددة" وسمحت بعرضه على الشاشات المحلية. لكن المسلسل "القنبلة" الذي يعرض حالياً على عدة شاشات عربية، أظهر غرقه في الإسفاف،  على ضوء جرعة الابتذال والسطحية والتسويق التجاري التي تعتريه، مقدماً الدراما الرديئة على أنها "واقعية".

مشكلة العمل الأساس، تكمل في النص والحوارات التي يقدمها، حيث تبدو الشخصيات مبتورة من سياقاتها النفسية والاجتماعية. ضحالة الأفكار، دفعت كاتب السيناريو للاتجاه للتعميم وافتعال الإثارة. ولا يبدو الأمر مستغرباً، عندما نعرف أن السيناريو ليس من تأليف كاتب متخصص، بل يعود لشراكة هشة بين الصحافي علي وجيه والممثل يامن الحجلي في أولى تجاربهما الكتابية.

يطرح العمل قصصاً متفرقة لمجموعة من الشخصيات، يجمعها الشر والجريمة والانتقام بعد الانفلات الأمني في الداخل السوري. نشاهد في عمل واحد عمليات إجرامية متنوعة بين الخطف والقتل والتعذيب والإتجار بالبشر والأعضاء البشرية والدعارة والنهب والفساد وغيرها، لكن دون تقديم حكاية ممتعة تتمحور حولها الأحداث الدرامية.

يحاول العمل، كما يظهر من اسمه، توصيف الوضع المتأزم الذي يسود الداخل السوري بعد خمس سنوات من الأزمة المستمرة في البلاد، مع كثير من الرسائل السياسية المبطنة. فالحياة قبل الثورة، براي العمل، كانت نعيماً، وكل ما أتانا بعد 2011 كان الخراب والدمار. ويتعزز ذلك بالتركيز على تصوير المجتمع السوري كتجمع للمجرمين والسفاحين والجهاديين، وتحييد النظام "البريء" عن الواجهة. وهنا يقع العمل في الانحياز.

يتمادى المسلسل في إطلاق الأحكام على كافة مظاهر الحرية الفردية. فالاهتمام الاجتماعي المحافظ يطغى على ما سواه: الكل في العمل يشرب الكحول ليلاً ونهاراً، ودمشق تبدو كماخور كبير للعلاقات الجنسية "الغريزية". أما الفقر والموت، فهما مجرد رتوش ضمن تلك الصورة القاتمة. ويراد من ذلك كله إثارة الحفيظة المجتمعية - الدينية لدى المشاهد ثم توجيه ذلك الغضب من شيوع الانحلال الأخلاقي نحو فكرة الثورة من الأساس.

دمشق هي المكان الذي يجمع الشخصيات. أبو معتصم (عباس النوري) كاتب التقارير البعثي يبدو أطيب الشخصيات. فهو ينفذ مهامه وفق "الواجب الوطني"، وليس وفق المصلحة الشخصية. فيفتعل شجاراً دفاعاً عن المعتقلين، كما يساند ابنته بكل حنان ليجسد الأمان الذي كان السوريون ينعمون به قبل "الثورة الشريرة". لكن أداءه العام مفتعل ونمطي، وشكل الشخصية يشابه شخصية أبو حسام التي أداها سلوم حداد في مسلسل "سوق الورق" لنفس المخرج أحمد ابراهيم أحمد.

السوقية التي يطرحها العمل على لسان شخصياته مبالغ فيها، حتى لو كان  القائمون على العمل يريدون من تلك اللغة تصوير مدى السوء المجتمعي. الكل يتلفظ بأسوأ الكلمات بتلقائية وطبيعية، وبينما يعد ذلك نوعاً من الهبوط بالذوق العام غير المفهوم، لا يقدم "الأصل الوضيع" ولا "الشر الداخلي" مبررات كافية لتقديم لغة "شوارعية" مؤذية للأذن البشرية إلى هذه الدرجة.

مشاكل السيناريو أيضاً تنسحب على اجترار لأفكار سابقة، مثل مشاهد الحديث مع الحمار المأخوذ من مسلسل دريد لحام الشهير "عودة غوار"، وحياة النازحين في الحديقة العامة المأخوذ من "بانتظار الياسمين".

عصابة الخطف الأساسية في العمل تبدو شديدة الشر، لكن العمل يفشل في تقديم بيئة نفسية لجميع أعضائها، فتقتصر الخصائص النفسية على العلاقات الجنسية التي تتغير بين سادية زكوان (مهيار خضور) ومازوشية نهلة (حلا رجب)، وهو طرح جديد في الدراما السورية الذي يبلغ ذروته في مشهد جلد هموم (أمانة والي) لنهلة في حمام السوق. ورغم ذلك يبقى الطرح الجنسي رخيصاً من ناحية التقديم وكأنه الحل الأسهل أمام الكاتبين وأمام الشركة المنتجة بغرض توزيع العمل لاحقاً على أنه ذو محتوى جريء.

أداء الممثلة القديرة أمانة والي في شخصية السفاحة هموم، هو الجانب المشرق الوحيد في العمل، وتكسر به كثيراً من قيود الدراما التقليدية. وذلك ليس جديداً على والي المعروفة بتقديم شخصيات خارجة عن السياق الاجتماعي دون حرج (الأم الخائنة في ليس سراباً)، فنراها هنا تشتري الرهائن من أجل تقطيعهم وبيعهم لتاجر أعضاء بشرية، وتقدم شخصية متكاملة متصالحة مع شرها، مع كثير من الرتوش على الشخصية عبر طريقة المشي ونوعية الثياب والقوة في الأداء وحركات الجسد.

مشاهد تقطيع الجثث والدماء المتناثرة والتعذيب والأشلاء تبدو غريبة وشديدة العنف بالنسبة لمسلسل اجتماعي، وكأنها مأخوذة من مسلسلات الجريمة والأكشن الأميركية ليتم إقحامها في العمل على أنها "جرأة" و"تجديد". الفارق الجوهري أن الأعمال الأميركية تكون مبنية على أسس نفسية وترفيهية عالية ومحددة ضمن حدود "القصة - الحكاية الدرامية"، وعليه، يبدو أن الأنماط الدرامية لم تترسخ بصورة دقيقة في الفن السوري والعربي إلى حد الآن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها