الإثنين 2015/11/16

آخر تحديث: 19:29 (بيروت)

أسئلة سورية في باريس:هل ما زلنا قادرين على التعاطف؟

الإثنين 2015/11/16
أسئلة سورية في باريس:هل ما زلنا قادرين على التعاطف؟
ذهبوا الى تبادل الاتهامات.. وانقسموا حول رفع العلم الفرنسي
increase حجم الخط decrease
تشنّج السوريون، منذ لحظة وقوع التفجيرات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس، إذ تحول الحدث بشكل دراماتيكي إلى منصة للتساؤلات الوجودية الجدية التي تحيط بهم، وفرصة سانحة بالنسبة للبعض لتبادل الاتهامات وفق الموقف السياسي الخاص بهم. 


الحدث الفرنسي الأليم - دون شك - كشف حجم الاستقطاب الذي ما زال يحكم علاقة السوريين ببعضهم منذ خمسة سنوات، فالأسئلة التي طرحت عبر السوشيال ميديا بدت أقرب للجدال البيزنطي العقيم: هل يجب علينا كسوريين التعاطف أصلاً مع الآخرين؟ هل ما زال بإمكاننا التعاطف، هل المتعاطفون خونة، هل تجوز الشماتة بمصائب الآخرين؟ وكلها أسئلة اتهامية تكررت بصيغة أو بأخرى في النقاشات الفردية وفي الصفحات العامة.

التوازن كان مفقوداً في التعاطي السوري مع تدفق الأنباء من عاصمة الأنوار، ففي مقابل تبلد المشاعر الذي أبداه البعض إلى حد الشماتة، أظهر كثيرون كمية هستيرية من الميلودراما وكأن نهاية العالم حانت، مع وجود نقيضين مختلفين في طريقة التفاعل (سوريو الداخل ضد سوريي الخارج، الموالون ضد المعارضين، العلمانيون ضد المتشددين دينياً).

وعليه غلبت الاصطفافات المسبقة، فغابت فرنسا والموت المجاني في باريس وقبلها بيروت وفي كافة أنحاء سوريا إلى الخلفية البعيدة مقابل استذكار المآسي الشخصية، وربما لا يمكن لوم السوريين على ذلك بسبب الوضع النفسي السيئ للجميع دون استثناء بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية في البلاد والعنف غير المسبوق ضد شعب بكامله.

في السياق، أعاد السوريون عبر "تويتر" نشر تسجيل مصور لمفتي النظام أحمد بدر الدين حسون في تشرين الأول/أكتوبر 2011، الذي هدد فيه بتفجيرات قد تطال الدول الأوروبية إن تدخلت في سوريا، فيما اعتبره المعارضون دليلاً على الأخوية الوثيقة التي تربط النظام السوري بتنظيم "داعش". وتكررت عبارة "الأسد أو نحرق باريس"، وهي ذات العبارة التي تداولتها وسائل إعلام معارضة مثل "المركز الصحفي السوري".

وكرر المؤيدون للنظام نشر مقاطع متفرقة لخطابات الرئيس السوري بشار الأسد وحديثه عن الإرهاب الذي سيضرب العالم، مؤكدين أن رؤية النظام السياسية تتحقق على أرض الواقع كمؤشر للانتصار، وهي نوعية الخطاب التي اعتمدها إعلام النظام الرسمي عبر قنواته المختلفة (الإخبارية السوري، الصحف الرسمية، ..).

فتح ذلك الباب في وقت لاحق للتحليلات السياسية "الشعبية" حول أسباب التفجيرات وعلاقتها بالأزمة السورية، مع الاتفاق بين الجميع على أن عدم الاستقرار في سوريا سبب مباشر للاضطرابات العالمية الحالية، إضافة للتذكير بالوضع السوري اليومي على غرار العبارة التي تكررت في "تويتر": "عزيزتي فرنسا أود ان ألفت عنايتكم: ليلة باريس المرعبة يعيش السوريون أحداثها كل ليلة منذ سنوات والعالم المنافق لا يعنيه إلا جرحكم".

الأحاديث السورية لم تتمحور حول الإرهاب الإسلامي ومحاربة تنظيم "داعش" على غرار بقية العالم، بل تمحورت حول الإرهاب السوري، خصوصاً بعد التصريحات الفرنسية حول وجود جواز سفر سوري بالقرب من أحد منفذي التفجيرات، وهي النقطة التي سخر منها السوريون مطولاً بعدة أساليب، إذ شكلت السخرية نوعاً من الدفاع النفسي عن الذات في وجه اتهامات قد تتوجه بحق شعب "ملائكي" بكامله، خاصة مع أعداد اللاجئين السوريين في أوروبا الذين يشكلون نوعاً من القلق الداخلي بالنسبة للسوريين.

لم يعتمد السوريون على هاشتاغات خاصة بهم.  فالوسوم العالمية المنتشرة في "تويتر" و"فايسبوك" هي المسيطرة لم يكن هناك وقت كاف لإنتاج عبارات مميزة في ظل السرعة التي تميزت بها الأحداث، وضرورة تبرئة الذات والهجوم على الآخرين قبل تلقي اتهامات. المشهد، ككل، مثير للشفقة.

السوريون غيروا صورهم الشخصية في "فايسبوك" لإظهار التضامن، فلفوا أنفسهم بالعلم الفرنسي، أو تحولت صورهم إلى برج إيفل المنكوب، وهو نوع من التماهي الإضافي مع الأزمة. "نحن لسنا إرهابيين". الكل يصرخ ويدافع عن نفسه في وجه نظرات الاتهام التي يتوقعها كل فرد بحقه في المستقبل القريب، وكان ذلك واضحاً من السوريين الموجودين حالياً في أوروبا، أو الحالمين بالتوجه لأوروبا قريباً.

في المقابل، بدأت الصفحات المؤيدة الاثنين، بنشر هاشتاغ "#لاترفع_غيرو_علمك_بيرفعك" (شام إف إم، ..) ، ويتضمن دعوة لرفع العلم السوري عبر الصفحات الشخصية. فلا يجوز، بحسب منطق الصفحات المؤيدة، "التعاطف مع فرنسا المستعمرة": "‏لك‬ والله مايطلع يوسف العظمة من قبرو ويشوف صور العلم الفرنسي عالبروفايلات ، ‫‏ليبزق‬ عليكن واحد واحد". ورد المعارضون على تلك الحملة بنشر صور علم الثورة السورية، والسخرية من الرايات الإيرانية والروسية وأعلام حزب الله التي ينشرها المؤيديون باستمرار.

أجمل الصور التي تم تداولها تظهر بشكل رمزي برج إيفل وسط الدمار السوري. "جميعنا نعاني من ذات الإرهاب المخيف مهما اختلف المسؤول عنه في إيديولوجيته وطريقة قتله لنا كبشر". وأنشأ ناشطون حملة تضامن بعنوان "باريس مُصابكم مُصابنا #YourPainOurPainParis"، التي تدعوا بالرحمة لأرواح الضحايا دون انفعالات عاطفية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها