السبت 2013/12/07

آخر تحديث: 03:23 (بيروت)

ردّة روبير مينار

السبت 2013/12/07
ردّة روبير مينار
أسس "مراسلون بلا حدود".. والآن يرى الصحافيين "خطراً"!
increase حجم الخط decrease
لا غرابة في أن يغيّر الناس آراءهم وأهواءهم السياسية مع مرور الوقت. أن يكون أحدهم يسارياً في شبابه ليصبح يمينياً مع تقدّم العمر أو العكس، والعكس أقل حصولاً. الملفت، والضائع بين الطرفة والمأساة، هو أن يُسمع مؤسس أحدى أهم الهيئات الدولية المعنيّة بالحرّيات الإعلامية وهو يؤكد أن "الصحافيين هم الخطر الأكبر على حرّية التعبير". المنظمة هي "مراسلون بلا حدود". والقائل هو روبير مينار.

روبير مينار هو ابن عائلة فرنسية عاشت في وهران الجزائرية، منذ أواسط القرن التاسع عشر حتى عودتها إلى فرنسا، حين أنهت الثورة الجزائرية الوجود اﻻستعماري الفرنسي فيها، وكان عُمر مينار حينها تسع سنوات. في العام 1985 أسس منظمة "مراسلون بلا حدود"، المعنيّة بالمرافعة عن الحريات الإعلامية في العالم، أكان من طريق إصدار تقارير وبيانات عن اﻻنتهاكات بحقّ الصحافيين، أو بتقديم الدعم القانوني والمادي للصحافيين المنتهكة حقوقهم المهنيّة وعائلاتِهم، وشغل منصب الأمين العام للمنظمة منذ تأسيسها وحتى العام 2008.

أتى تأسيس روبير مينار للمنظمة بعد تجربة نضال يساري في صفوف"الرابطة الشيوعيّة الثوريّة"، كما نشط في الأوساط التروتسكيّة والأناركيّة الفرنسيّة. في هذه الأوساط شارك في التيار الإعلامي الملتزم نضالياً، والذي شكّل لاحقاً شبكة محطات "الراديو الحر" في فرنسا، ثم عمل في تأسيس محطة راديو مستقلة ضمن هذا الإطار. في هذا الجو، خرج بفكرة إنشاء منظمة دوليّة تقوم بدور الحَكَم الأخلاقي في ما يخصّ الحريات الإعلاميّة حول العالم.

 لم يبتعد مينار فعلياً عن دائرة الضجيج خلال عمله في "مراسلون بلا حدود"، فالمنظمة تلقّت الكثير من اﻻنتقادات على تقاريرها، لا سيما تصنيفها السنوي للبلدان بحسب أوضاع الحريات الصحافيّة فيها. منها أن منتقديه يرون في التصنيف انحيازات مبنيّة على أهواء سياسيّة، أو على أمزجة الممولين، ما ينقص من علميّة وموضوعيّة التصنيف، بحسب وجهة النظر هذه. على سبيل المثال، اتُهمت "مراسلون بلا حدود" مراراً  بالمبالغة في التركيز على وضع الحرّيات اﻷعلامية في كوبا، ودفعها دائماً نحو أسفل القائمة دوناً عن دول أخرى تُرتكب فيها تجاوزات أكبر. وقد عزا المنتقدون سبب هذا الانحياز إلى تلقي "مراسلون بلا حدود" تمويلاً من تجمّع لمعارضين كوبيين في الولايات المتحدة. لكنّ تصريح مينار التفجيري الأول، على المستوى الشخصي، أتى العام 2007، أي قبل عامٍ من تركه منصب الأمين العام لـمنظمة "مراسلون بلا حدود"، حين اعتبر، خلال حوارٍ مع "راديو فرنسا الوطني"، أن تعذيب المعتقلين مبرر "في بعض الحالات".

منذ خروجه من "مراسلون بلا حدود"، تسارعت هجرة مينار الإيديولوجيّة نحو اليمين، وبنى علاقات طيبة مع حزب "الجبهة الوطنية الفرنسيّة" اليميني المتطرّف، والذي أسسه جان ماري لوبان، وترأسه اليوم ابنته مارين. يكرر مينار، خلال تصريحاته الإعلامية، بأنه "رجعي"، وأنه "قادم من اليسار للعمل على توحيد اليمين الفرنسي".

مؤخراً، قرر دخول معترك السياسة بترشّحه في قوائم "الجبهة الوطنية" لمنصب عمدة بيزييه (نحو 70,000 نسمة) في اﻻنتخابات المحلّية العام المقبل. يتبنّى مينار، رغم تأكيده على أنه "مستقل"، كامل خطاب وسياسات "الجبهة الوطنيّة"، أي التطرّف اليميني، الشعبويّة، الخطاب القومي المغالي في انغلاقه، معاداة الاندماج في اﻻتحاد الأوروبي والمطالبة بالخروج عنه سياسياً، ونبذ اليورو وما ينتج عنه من فقدان لاستقلاليّة اقتصاديّة والعودة إلى الفرنك الفرنسي، وبطبيعة الحال، العنصرية اتجاه المهاجرين، لا سيما العرب والمسلمين منهم.

ربما يبدو انقلاب مينار مدعاة فكاهة بعض الشيء، ﻻ سيما عدائيته إزاء الحريات الصحافيّة، وهي القضية التي أمضى عمره يعمل من أجلها. لكنّ ثمة نظرة أقل ظرافة هنا، تتعلّق بتحوّل روبير مينار نفسه -على استعراضيته وتطرّفه- في سياق تنامي نفوذ اليمين المتطرّف في فرنسا، والذي وصل، خلال أزمة الأعوام الأخيرة الاقتصاديّة، إلى مستويات لم يكن يحلم بها قبل سنواتٍ قليلة. ليست فرنسا استثناء أوروبياً على كلّ حال، فالعديد من الأحزاب اليمينية المتطرّفة والعنصريّة، شريك في حكومات أوروبيّة، أو له كُتل مهمة ووازنة في برلماناتها. من هولندا وحتى اليونان.


increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب