الأحد 2013/12/15

آخر تحديث: 03:28 (بيروت)

كان يا مكان.. حكاية ما انحكت

الأحد 2013/12/15
كان يا مكان.. حكاية ما انحكت
لوغو الموقع
increase حجم الخط decrease
لا تبدأ قصصه ومواده بـ"كان يا ما كان" ولا تنتهي بـ"عاشا في سعادة إلى الأبد" على شاكلة القصص الخيالية، بل يقدم موقع "حكاية ما انحكت" قصصاً من الواقع السوري من دون مواربة لحقيقة العالم القبيح من حولنا، محاولاً جمع النشاطات الإبداعية الفردية المتناثرة، للسوريين بعد الثورة، في مكان واحد.

انطلق العمل في الموقع بشكل تجريبي في آذار 2013، وأخذ صيغة رسمية بعد ثلاثة أشهر، بجهود عشرة ناشطين منخرطين في الحراك السلمي للثورة السورية، ويعمل به اليوم تسعة أشخاص ككادر عمل احترافي تموله جهة متخصصة في رعاية الإعلام البديل، ولا يحبذ أصحاب الموقع الكشف عن هويتهم خوفاً من ملاحقات أمنية، كونهم ينشطون من قلب العاصمة دمشق، مثلما يوضح للمدن مدير الموقع ورئيس تحريره المتواري خلف اسم مستعار "وسيم".

يهدف الموقع إلى التركيز على ما تهمله ماكينات الإعلام الكبرى المنشغلة بالأمور العسكرية والسياسية، وتسليط الضوء على "مقاومة المجتمع المدني للنظام" عبر البحث عن قصص وأحداث واقعية في منحى توثيقي لها، إضافة إلى التركيز على "الإبداع السوري" الذي بدأ يشكل "ثقافة حرية جديدة تهتك ثقافة الاستبداد السابقة"، ويرى أصحاب الموقع في ذلك طريقة لإيصال صوت الحراك المدني الذي لم يخبُ بعد رغم شيوع العسكرة وظهور التيارات التكفيرية المتشددة بقوة على خريطة الصراع السوري مثل داعش والنصرة.

وفي هذا الإطار ينشر الموقع قصصه عن أبرز الفعاليات والنشاطات والتظاهرات وغرافيتي الشوارع وبقية الفنون، كما يرصد نقاشات السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويقدم أبرز الأفلام التي تنشر على "يوتيوب" وأحدث أعمال فرق الأندرغراوند أيضاً، مع بروفايلات إعلامية جانبية تعرف بمنظمات وأفراد ووسائل إعلام يجمعها النشوء والتكون تحت جناح الثورة السورية المدنية.

لا يكتفي الموقع بالجانب الإخباري التوثيقي فقط، فكل حكاية من حكايته، تخبر الجمهور بالقصة وتتواصل مع أبطالها وتقدم رؤية نقدية لها، مع أبعاد تكاملية يقدمها الموقع بكمية الصور والرسوم والفيديوهات المتعلقة بكل قصة على حدة، إضافة لتقديمه ذات المواد باللغة الانجليزية بنفس الجودة مع وجود متخصصين في الترجمة ضمن فريق العمل، ويتم تحديث الموقع أسبوعياً بمعدل عشر حكايات موزعة بانتظام على التبويبات الأساسية (الحكايات، مبدعون سوريون، جهات العمل،أفلام من سوريا، ..) إضافة لمجموعة اقتباسات لأهم ما قالته الأسماء الكبيرة عن الثورة والحراك السلمي خلال أسبوع.

لا يتبع الموقع لأي جهة رسمية أو حزبية أو دينية، خوفاً من التأثير في سياسته ودفعه نحو الانحياز، مع تشديد أصحاب الموقع على "مهنية الصحافة في قول الحقيقة" على حد تعبيرهم، وتبدو تلك المهنية واضحة في انتقاء المواضيع وطريقة عرضها بلغة بعيدة عن الطائفية ومحاكاة الغرائز وتمجيد العسكرة، ويرى "وسيم" ذلك تجسيداً لموقف سياسي عام يعارض النظام جذرياً بطريقة "هادئة عقلانية ذات أسس واضحة" مع تأكيده على دور الإعلام في بناء هذا النوع من المعارضة لدى الجمهور على المدى البعيد.

يبدو "حكاية ما  انحكت" بشكل عام أقرب لمدونة شخصية، كما يشابه في عمله مواقع كثيرة أخرى باتت تنتشر كموضة عامة في سوريا مؤخراً، وربما يؤشر هذا إلى زوال الحراك السلمي ككل نحو العالم الافتراضي في ظل ما تشهده الأرض السورية من حرب مدمرة، ولا تبدو الجدوى من كل تلك المواقع واضحة على المدى القصير في ظل الملل الذي بات مرافقاً للحديث عن الأزمة السورية "طويلة العمر" عموماً.

يرفض "وسيم" ذلك بشكل قاطع، معتبراً "حكاية ما انحكت" موقعاً صحافياً محترفاً على اعتبار كل العاملين فيه من "الإعلاميين الشباب المعروفين"، مع أمله بأن يصبح الموقع "مصدراً مهماً للمعلومات" يوماً ما، ورغبته بتقديم مضمون أكثر عمقاً عبر أبحاث ودراسات نقدية للحراك السوري ككل، لكن ذلك كله يصطدم بنقص المعلومات عموماً، كما يرفض أيضاً فكرة تشابه موقعه مع السائد حالياً في الإعلام، بتركيزه على مفهوم القصة الإخبارية وليس الخبر السريع على غرار ما يقدمه الآخرون.

تتجلى نقطة قوة الموقع في تنوعه الكبير ضمن نطاق تخصصه، وهو سر تقديمه قصصاً إخبارية بمصادر حقيقية وخلفيات معلوماتية مثيرة للإعجاب، حيث يلتقط "حكاية ما انحكت" بذور مواده من الإعلام السريع، ويطور قصصه بالبحث عن مزيد من التفاصيل الخفية من جوانب وزوايا مختلفة إنسانية وفكرية (من بوسطن إلى قامشلو خطوة نحو السلام، تمام عزام: الثورة تعطي الجميع، مناشير ملحدة في انتفاضة تتهم بأنها إسلامية، ...).

إضافة لذلك، لا تفرض إدارة الموقع شروطاً مسبقاً على أي من قصصها، الحقيقة والمهنية في التقديم هما الشرطان الوحيدان للنشر، ورغم موقفه الواضح في معارضة النظام، لا يرفض الموقع فكرة نشر قصص قد تكون أقل معارضة للنظام وأكثر موالاة له، ما يعكس أفقاً أوسع لدى أصحاب الموقع عموماً بتركيزهم على "الإنسان السوري بعيداً عن الاصطفافات السياسية" وتأكيدهم على "محدودية" مصطلحات جامدة كالمعارضة والموالاة.

ينشط الموقع بشكل كثيف على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، كجزء روتيني من آلية عمل كافة وسائل الإعلام المعاصرة في الترويج لنفسها وتواصلها مع الجمهور، لكنه لم ينجح بعد في جمع أكثر من 2568 متابعاً على "فايسبوك" (حتى لحظة كتابة المقال) بشكل يعكس ربما شيئاً من نخبويته في ما يطرحه من أفكار ومواد.


increase حجم الخط decrease