الأربعاء 2021/09/29

آخر تحديث: 15:45 (بيروت)

معارضون يستعجلون انتخابات يجريها مجرمون

الأربعاء 2021/09/29
معارضون يستعجلون انتخابات يجريها مجرمون
غرافيتي في بيروت 2018 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
مضحكة هي بعض الوجوه البارزة في قوى الاعتراض، في حديثها عن الانتخابات. بوَلدَنة سياسية، تعود لتظهر من جديد في الشاشات وفي برامج سياسية، لتحكي لنا عن مشاركتها في الانتخابات النيابية المقبلة ومعاييرها في نسج التحالفات... وكأنهم لم يتعلموا شيئاً! بعد انهيار وانتفاضة وقمع وتفجير وقتل وانقضاض على العدالة وإحباط الشارع المنتفض، وإعادة النظام انتاج نفسه بصفقات مع دول أخرى، يخرج علينا نجوم الاعتراض ليحدثونا عن الانتخابات بشكل سطحي مضحك، بمقاربات لا تنم عن أي حنكة سياسية أو وعي بكل ما يحصل.

يتحدث بعض من يستعجل الترشح، عن الانتخابات، كمن يذهب بإرادته إلى ملعب السلطة التي قمعته ليمنحها الشرعية ويسلّم لها بالحكم، ليعود، ربما، ويحاضر بها عن وجوب الالتزام بالدستور والإصلاح وغيرها من العظات الأخلاقية. وكأن السلطة تنتظر من يرشدها لتتوب، أو كأن نواياها صافية ولا ينقصها سوى الوعي.

وأمام مدّ الشارع وقمعه، والفشل في تجاوز فخ الاقتتال والفتنة الذي تنصبه قوى الأمر الواقع أمام المعترضين، يسلّم البعض بقدرة الانتخابات على التغيير. مشكلة هؤلاء أنهم يهرعون إليها من دون استباقها بأي معركة حقيقية قد تخفف من سطوة المنظومة على أبسط تفاصيل إجرائها.

أليست الأحزاب الحاكمة التي حاكت قوانين الانتخاب، فوسّعت وضيّقت دوائر الاقتراع على مقاس تضاريسها؟ ألم يكن قانون الانتخابات مجرد توزيع مسبق لعدد النواب بين الكتل؟ وهو الذي جاء بعد تفاوض أدى إلى تأجيل الانتخابات سابقاً، لسنوات. أليس ما نقوله من البديهيات!


معركة التمثيل الحقيقية تسبق الانتخابات
فليخض الانتخابات من يشاء، وليستعجلها من يشاء. لكن أن ننجر إلى انتخابات من صنيعة السلطة، من دون فرض أي معركة حقيقية تتصل بها، يعني منح السلطة شرعية بإسم مَن سندعي تمثيلهم. وقبل أي معركة انتخابية، أليس على قوى الاعتراض خوض معركة القانون الانتخابي لتحرير المقاعد من التوزيع المسبق، ومن الإطباق على قرارات المعترضين في كثير من المناطق، إضافة إلى طرح معركة إدارة الانتخابات والإشراف على نزاهتها؟ فالتسليم للسلطة بإدارة الانتخابات من دون أدنى مقاومة، يعني التسليم بكل تجاوزاتها وبتدخل أجهزتها في العملية الانتخابية وتزوير النتائج بطرق وأساليب مختلفة، ومن ثم الاعتراف بهذه النتائج، وإلقاء كامل اللوم على الناخب وتحميله مسؤولية البلاء والابتلاء.

يفوت الأفراد الذين باتوا يطرحون أنفسهم كـ"مرشحين طبيعيين"، الواقع والسطوة على الأرض، أو ربما هي أمور لا تعنيهم أمام حب الظهور وتوهّم البطولة. لا يأخذون العِبَر من دروس 17 تشرين و4 آب. يتجاوز هؤلاء في خيالهم، سيطرة الأحزاب التقليدية على حياة الناس اليومية، وأنها رغم تراجع شعبيتها، تظل الأقدر على التلاعب بهم وقمعهم. يفوتهم أن أدوات قمعها ما زالت تعمل. وأنهم عجزوا، حتى الآن، عن التحول من قوى اعتراض إلى معارضة حقيقية وفاعلة، رغم تعرية النظام.

يذهب البعض إلى الانتخابات وكأنها مبارزة بالمنطق والخطط الإصلاحية، وينسى أنها معركة ربما ازدادت صعوبة بالنسبة إلى الأحزاب التقليدية الحاكمة، لكنها شبه مستحيلة لمن لا يمتلك الفطنة السياسية أو نفوذاً على الأرض، بل قد تكون فخاً له لانتزاع شرعية جديدة.

ويفوت أصحاب المحاججة أن الناس، وإن اقتنعت بالمنطق، وإن أدركت الواقع، فهي تبحث أيضاً عن الثقة. والناس تحتاج أيضاً مَن يخاطب عواطفها، لا عقلها فقط. تحتاج مَن يدرك كيف يخرجها من الشعور بالإحباط والعجز والاستسلام.


دعاية سلطة الترهيب: التغيير بالانتخابات
للأسف، ينتظر البعض الانتخابات في موعدها، ولو على حساب جودتها. يستعجل لحظات إعلان ترشحه وظهوراته الإعلامية، ليحدّث شعباً محبطاً، عن خططه وأفكاره وكأنها مجرد معركة إقناع بالحجج... أو ليحمّل الناس ذنب عدم اختياره!

ليس هذا الكلام محاولة لإحباط أي من المرشحين المعارضين حقاً لهذا النظام. وإنما دعوة إلى التنبه، فالتسليم بأن التغيير يأتي عبر انتخابات تجريها سلطة تقتل الناس، ثم تدفن العدالة، فيه الكثير من السذاجة. والمشاركة في انتخابات تجريها حكومة إنقاذ المنظومة، وترسيخ سياسة الإفلات من العقاب، هو تسليم تام بشرعيتها، خصوصاً إن لم يُنتزع شيء من سلطتها على هذه الانتخابات. تسليم سارع إليه كثيرون ممن يريدون أن يحجزوا لأنفسهم مقاعد في لوائح "المعارضة"، من دون حتى طرح آلية لاختيار المرشحين الذين سيدّعون تمثيل كل من مشى في تظاهرة ذات تشرين.

خطير التسليم بأن أي انتخابات هي عملية ديموقراطية. فالانتخابات التي يجريها مجرمون، ويخضع فيها الناخب للترهيب والترغيب، بعد سلبه كل شيء، ليست سوى استبداد بإسم الديموقراطية. خطير التسليم بتعريف منظومة الإفلات من العقاب، للديموقراطية. ومرعب التسليم بأي انتخابات، كيفما أرادتها السلطة، لسلب حياة الشعب. يمكن للحظات النجومية أن تنتظر، لكن المستحيل هو إعادة الأرواح التي سيحصدها النظام كلما ارتاح لـ"شرعيته".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها