الثلاثاء 2022/09/06

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

وليد صادق 2020-2022: لو أنّك.. لو أنّي...

الثلاثاء 2022/09/06
وليد صادق 2020-2022: لو أنّك.. لو أنّي...
مربّعات.. من معرض وليد صادق في غاليري صالح بركات - بيروت
increase حجم الخط decrease
أقف حائرة أمام لوحات وليد صادق الأربع والعشرين. حيرتي تلازمني وأنا أتفرج وأدقق من قرب في كل تفصيل من كل عمل من هذه الأعمال الصغيرة، محاولةً أن أعرف كيف أنظر إليها.

أنا مذنبة، لأني لم أقرأ ولم أرَ أي عمل سابق له. لكن ذنوبي كثيرة في ما يخص الشأن الثقافي والفني. ومما عرفته من خلال قراءتي عن صادق، أنه عاد إلى اللوحة بعد 10 سنوات من الابتعاد عنها، ويبدو أن هذا التفصيل أساسي لفهم هذه الأعمال.

عنوان المعرض المقتصِر على اسم الفنان، مع ذكر سنوات إنتاج هذه الأعمال 2020-2022، أعطاني فكرة ثانية بعد الفكرة الأولى، بأنه لا عنوان للمعرض: أنتجت هذه الأعمال بعيد اندلاع "ثورة 17 تشرين"، وانفجار "4 آب" وأثناء "جائحة كورونا".

الأعمال صغيرة الحجم لا عناوين لها. كما أن صادق لم يوقّع هذه الأعمال. وأتساءل ما دلالة هذا الأمر؟ لكني لا أعرف. إنما، لا بد أن تكون له دلالة، وإلا لما تعمَّد عدم التوقيع. هل هي أعمال غير محسوبة وسيسقطها من أرشيفه؟ لماذا يعرضها إذاً؟ أم لعله لا يريد بيعها ولا يريدها معلّقة على جدران أحد، وبالتالي لا داعي لتوقيعها؟

أنظر إلى الأعمال المانيمالية صغيرة الحجم، 16 منها مربعة الشكل. وهو شكل محبب إلى قلبي ونظري. استخدم صادق فيها، بالإضافة إلى الألوان الصافية، مسامير صغيرة جداً، رُسمت بسببها ابتسامة صغيرة على وجهي. مسمار رقيق قربه مسمار رقيق آخر قربهما مسمار رقيق ثالث، ومقابلها مسمار أكبر بقليل. وفوق المسامير وتحتها، شاش ناعم، وأجزاء من ألواح خشب رقيقة، وصفائح طرية من النحاس، ودباسات لا تقل رقّة عن المسامير، وأجزاء صغيرة من الخيش. كل مواد هذه اللوحات، رقيقة وهشة وطرية، حتى الخيش! كيف يمكن أن يكون الخيش بهذه الحساسية؟

أسطح صغيرة، تثير ببدائية موادها دهشة كبيرة.

كأن صادق لم يضطر للخروج من المنزل لإنتاج هذه الأعمال. كل موادها كانت متوافرة لديه، مفرّقة في صناديق عدّته وغرفة التخزين. بحث عنها وجمعها، لكن ليس بهدف إعادة التدوير. بل وكأنه لا يلزمه أكثر مما لديه. وما لديه بإمكانه أن يقول ما يود قوله أو إفراغه على الأسطح الصغيرة بألوان واضحة وقوية وصريحة وناضجة من دون خشية أن تكون صارخة.

أسطح صغيرة، وشوشات رقيقة، خشبات مسارح لعروض كثيفة يظهر فيها شوق صادق للألوان. كأنه بهذه المربعات يشاركنا بلا تردد خلاصاته، ولنفعل بها ما نريد.

وكأنه يقول لي: تريدين لوحات؟ هذه لوحات!

ثمانية، من ضمن الأعمال الأربعة والعشرين، تتشكل كدوائر أو شبه دوائر، لم تصلني ولم تصبني، رغم حبي للدوائر، حتى غير المكتمل منها. دوائر صادق تكتمل بفعل الظلال التي يرسمها الضوء المسلط عليها من تحتها. لا يمكنني أن أعرف إن كان هذا مقصد الفنان. لأنه إن كان فعلًا مقصده، فلا بد أن تكون الظلال الموجودة تحت الأعمال المربعة، مقصودة أيضاً، لكن المربعات مكتملة على عكس الدوائر.

لم أفهم ولم أشعر وأنا أنظر إلى هذه الدوائر، وأخرجتني من عالم المربعات الصغيرة.

بعد عودتي من المعرض قرأت بعض ما كتب عن المعرض، وكل ما قرأته تضمن كلاماً عن الفنان وأعماله السابقة. وتساءلت عما فاتتني رؤيته في الأعمال المعروضة بسبب ما فاتني من أعماله السابقة. هل معرفتنا بأعمال الفنان –أي فنان- السابقة وتاريخه، تصبح جزءاً من عيوننا ونحن نعاين إنتاجه الحالي، فتمكّننا من "الوصول" إليه؟ ألا يفترض أن نتمكن من إيجاد أو عدم إيجاد صِلة مع الأعمال، بمعزل عما قدمه سابقاً؟

الأعمال السابقة للفنان تخبرنا عن رحلته، لكن هل يجب دائمًا أن نكون على دراية بهذه الرحلة كي نفهم أو نشعر أو نصل للأعمال التي ننظر إليها الآن.. حيث أوصلته رحلته؟

هل كل ما رأيته كان ركام ما حصل بين 2020-2022؟ الركام الذي أصبح "من حواضر" منازلنا وحيواتنا، وحضوره طغى على قراراتنا السابقة، واستحضاره لا يمكن إلا أن يكون كثيفاً ومفلوشاً كلون أخضر، ورقيقاً كدباسة تشبك شاشاً بخشبة؟

لو أنك اكتفيت بالمربعات، ولو أني اكتفيتُ بما رأيت وأعفيتُ نفسي من هذه الحيرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها