الأحد 2017/10/08

آخر تحديث: 16:16 (بيروت)

"بشيل": الصعود من الهاوية

الأحد 2017/10/08
"بشيل": الصعود من الهاوية
increase حجم الخط decrease
بمقدور الأذن اليوم أن تنتبه إلى أن إحدى العبارات التي دخلت إلى اللسان العام، وصارت تعبر من موقف إلى آخر، ومن جملة إلى أخرى، وتأخذ مكان أفعال كثيرة: "بشيل" (أشيل). ففي حال تكلمت مع أحدهم عن فيلمٍ تفرجت عليه، أو مكان زرته، أو وجبة أكلتها، أو موسيقى سمعتها، سرعان ما يرد عليك بـ"بشيل"، تعبيراً عن كون ذلك الموضوع، الذي تتكلم عنه أو تقترحه، لا سيما بوصفه طريقاً إلى الترويح عن النفس، قد أثار إهتمامه. 

فقد صار الـ"شيل" معادلاً للإقدام على أي فعل، أكان مشاهدة، أو زيارة، أو أكل، أو شرب أو غيره، بالتالي، غدا كل فعل بمثابة رفع، وإعلاء لموضوعه، الذي، وبدوره، يتحول إلى شيء، من الممكن نقله من تحت إلى فوق، تعبيراً عن تلاؤمه، والإكتراث به.

يساوي "الشيل" هنا الحمل، "أشاهد\أشيل هذا الفيلم" يعني "أحمله"، ولحمله لا بد من كونه متحملاً،  فـ"أشاهد\أشيل هذا الفيلم"، يعني أحمله، وأتحمله. وهذا ما يناقض المعنى القديم للـ"الشيل"، حين غنى غسان الرحباني "إذا زعجك شيلو" في العام 1995 على سبيل المثال، داعياً إلى "شيل" المسؤولين السياسيين عن حالة البلاد، أي إلى الإنتفاض عليهم. ففي تلك الأغنية، ما كان "شيلهم" يرادف حملهم وتحملهم، بل الإنتهاء والتخلص منهم، كرد على "إزعاجهم". 

غير أن نصيحة "إذا زعجك شيلو"، وبحسب المعنى الراهن للـ"الشيل"، تصبح "إذا زعجك أحمله وتحمله". وعندها، من الممكن الإستنتاج أنها نصيحة إستسلامية بامتياز، ذلك، لولا تبدل معنى "المزعج" أيضاً، بحيث أنه، وفي سياق المرادفة بين القيام بفعل حيال موضوع ما و"الشيل"، يضحى شيئاً يثير الاهتمام والإعجاب به. ولكن، حول هذا التبدل، حديث آخر.

وإذا كان الموضوع المقترح أو المطروح يستلزم "شيله"، فهذا يعني أنه، من ناحية، يقع في الأسفل، ومن ناحية ثانية، يتسم بوزن ما، تماماً، كما عندما يُستعمل "الشيل" في الجملة الرياضية "بشيل حديد". 

فـ"الشيل" يقتضي جهداً يبذله المُشيل لكي ينجز مهمته، إلا أن، ولما يكون المُشال فيلماً أو زيارة أو وجبة أو أي موضوع تسلية، فهو غالباً ما يتسم بوزن خفيف، كما أن المبالاة به، والإنجذاب نحوه، غالباً ما يكون حسب صيغة الوجه لوجه. وهكذا، قد يصح القول أن فعل "الشيل" يعبّر عن كون فاعله يجد في الموضوع، الذي يرغبه، شيئاً ثقيلاً، يقع تحت، وحين سيقدم عليه، فذلك، كأنه يرفعه، ينتشله. أما، وهذا الموضوع، في الأساس، خفيف وأمامي، فعندها، لا بد أن المُشيل، ولما يراه على عكس ذلك، فلأنه يرغب في شيل نفسه، في إعلائها.

فلكي ننجذب إلى ذلك الموضوع، ونرغب  فيه عموماً، من الضروري أنه يخاطبنا، وأننا نتوقع ترويحه عنا، أي سيجعلنا نفرح، وسيحملنا من تحت إلى فوق، وبمعنى آخر: نشيله ليشيلنا. ولما كان لا يستلزم "الشيل"، لأنه خفيف الوزن ويقع في مواجهتنا، فنحن، وعندما نراه على خلاف ذلك، رغبةً في موضوع يشيلنا، يرفعنا، أو يوقف نزولنا على الأقل. 

فـ"بشيل" تعني "أريد شيئاً ما أن يعليني، يسمو بي"، وبما أن هذا الشيء مفقود، فكل الأشياء تتغير إليه، حتى تلك التي ليست مُعدةً للشيل، أي تلك التي نكتفي بها، ظناً منا أننا نشيلها وتشيلنا، ولكن، في الواقع، لا نحن نشيلها، ولا هي تشيلنا، بحيث لا نتمرن في أثنائها على تقوية أي قدرة من قدراتنا، وليس لأنها مؤذية، بل لأنها مواضع إستراحة خلال الشيل الفعلي. 

حين تضحى المواضيع الخفيفة والمقابلة لنا أشياء ثقيلة وتحتية، وحين يضحى تناولها شيلاً لها، ففي هذا نبدو بلا حيل، وفي هذا نبدو أننا نحاول الوقوع على ما ينتشلنا: نريد أن نصعد من الهاوية! وعندها، إما نحدث ونصنع ما يشيلنا، أو نواصل أخذ أي شيء على إعتقاد أنه ثقيل وأننا "نشيله". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها