الجمعة 2023/07/14

آخر تحديث: 11:35 (بيروت)

أحجيات ما قبل رحيل سلامة: لماذا نوابه يهوِّلون؟

الجمعة 2023/07/14
أحجيات ما قبل رحيل سلامة: لماذا نوابه يهوِّلون؟
تكثر علامات الاستفهام التي تحيط بالمواقف الأخيرة لنوّاب الحاكم (Getty)
increase حجم الخط decrease

ثمانية عشر يومًا تفصل لبنان عن لحظة انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، والتي يفترض أن تضع حدًا للوضع الراهن غير المألوف، لجهة وضع مهام الحاكميّة بيد شخصيّة مطلوبة بموجب مذكرات دوليّة صادرة عن الإنتربول. لكن حتّى اللحظة، تستمر الأحجيات المرتبطة بمصير الحاكميّة بالظهور، والتي توحي بأنّ مغادرة سلامة لمكتبه قد لا تكون مسألة محسومة، في ظل إصرار نوّابه على التلويح بإمكانيّة تقاعسهم عن تحمّل مسؤوليّاتهم في حال شغور منصب الحاكم، أي في حال عدم تعيين بديل لسلامة قبل مغادرته.

آخر هذه التلميحات، جاءت في المقابلة التي أجراها النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان سليم شاهين، مع صحيفة "الفاينانشال تايمز"، والتي جرى نشرها صبيحة يوم الخميس.

شاهين يتذكّر "الإصلاحات"
في مقابلته، تذكّر شاهين الإصلاحات التي فشلت الحكومة بالقيام بها حتّى الآن، متسائلًا "كيف يمكننا، كنوّاب للحاكم، إدارة السياسة النقديّة ابتداءً من 1 آب، وتحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة، بغياب الإصلاحات؟". ثم أضاف شاهين "لا يوجد سياسة نقديّة قادرة على النجاح من دون سياسات حكوميّة داعمة". ولهذا السبب، وفي تحذير من الشغور في منصب الحاكميّة، أعاد شاهين التشديد "على ضرورة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بالسرعة القصوى"، معتبرًا أنّه "يدين للرأي العام بضرورة مشاركة هذه الهواجس".

وفي أجزاء أخرى من المقابلة، عاد شاهين ليتذكّر الإصلاحات التي فشلت الحكومة في القيام بها، من إقرار موازنة العام 2023 إلى تمرير قانون الكابيتال كونترول، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. مع الإشارة إلى أنّه -وبخلاف ما يعتقد شاهين- باتت مهمّة إقرار الكابيتال كونترول الآن على عاتق مجلس النوّاب، بعدما مرّرت الحكومة مرسوم مشروع القانون الخاص بذلك، وبمسودّة متفق على خطوطها العريضة مع صندوق النقد.

كل هذه التحذيرات، جاءت معطوفة على تحذيرات سابقة أطلقها شاهين، لجهة رفض بقاء منصّة صيرفة بآليّاتها الحاليّة، موحيًا بأن نوّاب الحاكم لن يقبلوا التمديد لآليات السياسة النقديّة. وهذا المشهد، يقودنا مجددًا إلى تصريح شاهين لوكالة "رويترز" قبل أسبوع، والذي أعلن فيه أنّ نوّاب الحاكم "قد يستقيلون جميعًا" في حال عدم تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، بعد انقضاء ولاية الحاكم الحالي في نهاية الشهر.

وبما أنّ شاهين -وسائر نوّاب الحاكم- يعرفون نوعيّة الصعوبات التي تحول دون تعيين حاكم جديد للمصرف، فهم يعلمون أيضًا أن كل تلك التحذيرات تقود بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سيناريو واحد: إمكانيّة التمديد لحاكم مصرف لبنان، إلا إذا تمكّنت الحكومة من التوصّل إلى حل آخر من قبيل تعيين مدير مؤقّت للمصرف.

علامات استفهام حول مواقف نوّاب الحاكم
في واقع الأمر، تكثر علامات الاستفهام التي تحيط بالمواقف الأخيرة لنوّاب الحاكم، التي بدأت في بيانهم الأخير الذي حذّر من الشغور في منصب الحاكميّة. فقانون النقد والتسليف يحصر المسؤوليّة، في حال شغور منصب الحاكم، بالنائب الأوّل للحاكم، الذي يفترض أن يتولّى مهام الحاكم بانتظار تعيين حاكم أصيل. وبهذا المعنى، لا يوجد ما يبرّر التهويل الذي يمارسه نوّاب الحاكم الآخرون، إزاء مدى استعدادهم لتحمّل المسؤوليّة بعد نهاية الشهر الحالي، في حال عدم تعيين حاكم جديد.

بصورة أوضح، من الأكيد أن الحكومة -وتمامًا كما صرّح شاهين- تأخّرت في تنفيذ الإصلاحات الماليّة المطلوبة منها. إلا أنّ دور شاهين، كعضو في المجلس المركزي لمصرف لبنان، لن يتغيّر بعد رحيل سلامة، كما لن يختلف في حال تعيين أو عدم تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي. ففي حال عدم تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، سيبقى شاهين عضوًا في المجلس المركزي تمامًا كما هو الحال اليوم، لكن بعد أن يرأس المجلس النائب الأوّل الذي سيستلم صلاحيّات الحاكم.

وعلى النحو نفسه، وتمامًا كما يتحمّل اليوم شاهين مسؤوليّة الاعتراض على عمل منصّة صيرفة، داخل المجلس المركزي المكلّف بإدارة السياسة النقديّة، من المفترض أن يتحمّل المسؤوليّة نفسها بعد نهاية الشهر الحالي، سواء تم تعيين حاكم جديد للمصرف أو تمت إحالة صلاحيّات الحاكم لنائبه الأوّل. أمّا الإيحاء بأنّ ثمّة مسؤوليّة لن يقبل نوّاب الحاكم تحمّلها بعد رحيل سلامة، فينطوي على تحايل على القانون، الذي لا يغيّر شيئًا في مسؤوليّات النوّاب الثاني والثالث والرابع بعد انتهاء ولاية الحاكم.

ببساطة، ما يجري اليوم من جانب نوّاب الحاكم ليس سوى ابتزاز غير مفهوم، وخصوصًا من جهة التلويح بالتوقّف الجماعي عن ممارسة مهامهم كأعضاء في المجلس المركزي لمصرف لبنان. أمّا الأغرب، فهو تحجج نوّاب الحاكم اليوم بالتشوّه الكبير الذي أصاب السياسة النقديّة خلال الفترة الماضية، على أعتاب رحيل سلامة، في حين أنّ رحيل الحاكم يمثّل الفرصة المناسبة لتصويب كل هذه التشوّهات.

مع الإشارة إلى أنّ نوّاب الحاكم أنفسهم لم يشيروا إلى هذه الاعتراضات وبهذا الوضوح خلال المراحل السابقة، ما يدفع إلى التساؤل عن توقيت هذه "الانتفاضة" المستجدة وغير المفهومة رفضًا لتحمّل المسؤوليّة، في اللحظة التي تسمح فيها الظروف بالتراجع عن أخطاء المرحلة السابقة.

الخيارات محدودة
إزاء استمرار التصعيد في تصريحات نوّاب الحاكم، تبدو خيارات الحكومة محدودة أكثر من أي وقت مضى. احتمال تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بات مستبعدًا حاليًا، في ظل موقف حزب الله المتضامن مع موقف التيار الوطني الحر، والمعترض على تعيين حاكم جديد من قبل حكومة تصريف الأعمال، وبغياب رئيس للجمهوريّة. أمّا خيار تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان، كما يطلب النائب جبران باسيل، فما زال يواجه رفضًا من جانب الغالبيّة الساحقة من القوى السياسيّة الأخرى.

وعلى هذا الأساس، يبقى الخيار الأوّل المتمثّل بتكليف النائب الأوّل الحاكم تسيير أعمال المصرف، كما ينص قانون النقد والتسليف، مع رفض استقالته من جانب الحكومة في حال تقدّمه بطلب الاستقالة. أمّا الخيار الثاني، فهو تكليف مدير مؤقّت بتسيير أعمال المصرف، من جانب مجلس الشورى الدولة، في حال أصرّ النائب الأوّل على الاعتكاف وعدم ممارسة صلاحيّاته. وفي الحالتين، سيكون قرار النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان خاضعًا لتفاهم رئيس مجلس النوّاب مع رئيس الحكومة، فيما سيخضع الإخراج في مجلس الوزراء إلى تفاهم الرئيسين مع حزب الله والتيّار الوطني الحر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها