الخميس 2022/09/01

آخر تحديث: 16:45 (بيروت)

انقسام العونيّين مجددًا: حزب المصرف مقابل حزب صندوق النقد

الخميس 2022/09/01
انقسام العونيّين مجددًا: حزب المصرف مقابل حزب صندوق النقد
سيكون على المجلس النيابي العودة لمناقشة تعديلات السريّة المصرفيّة (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
كما كان متوقّعًا، وقّع رئيس الجمهوريّة مرسوم إعادة القانون المتعلّق بتعديلات سريّة المصارف، طالبًا إعادة النظر ببعض بنود القانون، وإقرار سلّة القوانين المكمّلة لخطّة التعافي المالي. وحسب أسباب الرد التي نشرها مكتب الإعلام في رئاسة الجمهوريّة، بدا من الواضح أن الرئاسة تبنّت وجهة النظر التي تشير إلى وجود أفخاخ كبيرة في القانون، وذلك بعكس مواقف صقور "حزب المصرف" داخل كتلة لبنان القوي، الذين استماتوا لتمرير هذه الأفخاخ بالذات، التي تشير إليها الرئاسة اليوم في مجلس النوّاب. وبهذا المعنى، عادت صفوف العونيين لتشهد الانقسام السابق نفسه الذي شهدناه أيام مناقشة خطّة لازارد سنة 2020، بين فريق حزب المصرف والفريق المدافع عن خيارات وشروط صندوق النقد الدولي.

انقسام أم توزيع أدوار؟
من الناحية العمليّة، قد يكون كل ما سبق مجرّد توزيع أدوار مضبوط تحت سقف مرجعيّة بعبدا، بما يسمح لجناح حزب المصرف بالمساعدة في هندسة الأفخاخ والألاعيب المطلوبة لحماية الفئة النافذة داخل النظام المالي، مقابل السماح للفريق الآخر التفاوض مع صندوق النقد والمجتمع الدولي. وقد يكون تقسيم الأدوار هذا باب من أبواب تسويق بعض قيادات التيّار، كجبران باسيل، أمام المجتمع الدولي بوصفهم الفريق المنحاز للإصلاحات المطلوبة دوليًّا. وعلى النقيض تمامًا، قد يكون هذا الانقسام باب من أبواب الشرخ الذي يكرّسه اختلاف مراكز النفوذ داخل التيّار، واختلاف مصالح هذه الأطراف، ما أدّى إلى التباين الذي نراه اليوم.

مع الإشارة إلى تعديلات قانون سريّة المصارف كانت مطلوبة كجزء من الشروط التي نص عليها التفاهم  المبدئي مع صندوق النقد، والتي يُفترض تنفيذها للانتقال إلى اتفاق نهائي على برنامج قرض مع الصندوق. أما المطلوب من هذه التعديلات بالتحديد، فكان تقليص هامش السريّة المصرفيّة، ومنح حق رفعها للسلطات الضريبيّة والقضائيّة ولجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان. لكن المجلس النيابي عمد قبيل إقرار التعديلات إلى إدخال أفخاخ كبيرة عليها، بما يفرغها من مفاعيلها الأساسيّة، وهو ما يمكن ربطه بما تمس به التعديلات من مصالح تخص كبار النافذين سياسيًّا وماليًّا. ولهذا السبب، أشار كثيرون إلى أنّ صندوق النقد لن يمرّر صيغة التعديلات هذه، أي أنّه لن يعتبر أن لبنان قد نفّذ هذا الشرط من شروط التفاهم المبدئي.

ملاحظات قصر بعبدا على القانون
بما أنّ المحاكمات الجزائيّة تبدأ بالادعاء العام، الذي تقوم به النيابات العامّة، رأى رئيس الجمهوريّة أنّ تعديلات السريّة المصرفيّة يُفترض أن تعطي النيابات العامّة صلاحيّة التقدّم بطلب المعلومات من المصارف مباشرةً، وقبل الوصول إلى مرحلة المحاكمات. مع الإشارة إلى أنّ الصيغة الحاليّة من تعديلات السريّة المصرفيّة تكتفي بإعطاء هذه الصلاحيّة "للقضاء المختص"، من دون الإشارة إلى صلاحيّة النيابات العامّة بالتحديد، والتي قد تتمنّع المصارف عن الاستجابة لطلباتها بوصفها سلطة ادعاء لا حكماً نهائياً.

ثم يتابع رد رئاسة الجمهوريّة بما حرفيّته،" إنّ كلاً من لجنة الرقابة على المصارف ومؤسسة ضمان الودائع ومصرف لبنان يضطلع بمهام يتطلب القيام بها على أكمل وجه إعطاءهم صلاحية طلب رفع السرية المصرفية عـن الحسابات عند الاقتضاء، لاسيما وأن مسببات الأزمة الاقتصادية والمالية التي تصيب لبنان وشعبه لا تنحصر بالجرائم المالية بل تشمل أيضاً مخالفات متعددة ومتمادية للأحكام القانونية والإدارية والمذكرات والتعاميم".

مع الإشارة إلى أنّ صيغة التعديلات الحاليّة لا تعطي صلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة لمؤسسة ضمان الودائع، فيما تربط هذه الصلاحيّة بمراسيم تطبيقيّة خاصّة بالنسبة إلى لجنة الرقابة على المصارف، ووفقًا لمقترحات وزير الماليّة وموافقة مجلس الوزراء. وبما أن القانون لم يمنح هذه الصلاحيّة بشكل صريح للجنة الرقابة على المصارف، فمن المتوقّع أن يتم ربط عمليّات طلب المعلومات المصرفيّة ببعض الهيئات الأخرى، كلجنة التحقيق الخاصّة، تمامًا كما هو الوضع حاليًّا، وهو ما يفرغ التعديلات من أحد أهدافها.

كما طلب رد رئاسة الجهوريّة تضمين التعديلات بندًا ينص على إعطاء المراجع المختصّة (أي السلطات الضريبيّة والقضائيّة ولجنة الرقابة على المصارف) صلاحيّة طلب المعلومات من المصارف مباشرةً، ومن دون الاضطرار للمرور بأي مرجع قضائي أو آخر. وهذا الطلب الوارد في رد رئاسة الجمهوريّة، بدا كإشارة مبطّنة إلى بعض المواد التي ضمنها القانون، والتي ربطت لائحة الجرائم التي يمكن رفع السريّة المصرفيّة عند النظر بها بقانوني أصول المحاكمات الجزائيّة ومكافحة تبييض الأموال. وهو ما سيفرض على القضاء المرور بالنائب العام المالي أو هيئة التحقيق الخاصّة لرفع السريّة المصرفيّة، حسب مندرجات تلك القوانين.

بعبدا سارت بملاحظات صندوق النقد
هكذا، تكون بعبدا قد سارت بجميع ملاحظات صندوق النقد على التعديلات، بما يوحي بأن الرئيس تبنّى وجهة النظر التي تقول بأن ما تم إقراره مفخّخ ولا يحقق الغاية المأمولة منه. ووجهة النظر هذه، تتعارض بشكل جذري مع مواقف معظم نوّاب كتلة لبنان القوي، وخصوصًا الجناح الذي يقود الملفات الاقتصاديّة داخل الكتلة، والمعروف بقربه من جمعيّة المصارف وأولويّاتها. مع الإشارة إلى أن بعض نوّاب الكتلة، كالنائب إبراهيم كنعان بالتحديد، خاضوا حملة ضغط ومناصرة عبر التواصل المنظّم مع وسائل الإعلام اللبنانيّة، للتشديد على أهميّة التعديلات التي جرى إقرارها، وللرد على الآراء التي تنتقد الأفخاخ الموجودة في التعديلات. وبذلك، يكون التباين قد بلغ أوجّه مع سير رئاسة الجمهويّة في الاتجاه المعاكس تمامًا لآراء معظم نوّاب كتلة لبنان القوي، تمامًا كما حصل أيّام حكومة حسّان دياب سنة 2020. وحسب المصادر المتابعة لنقاشات الكابيتال كونترول في اللجان المشتركة يوم أمس، شهد كتلة لبنان القوي خلال الجلسة الانقسام نفسه، بين النائب جبران باسيل من جهة، والنائبين الياس أبو صعب وإبراهيم كنعان من جهة أخرى.

في خلاصة الأمر، سيكون على المجلس النيابي العودة لمناقشة تعديلات السريّة المصرفيّة، كما سيكون بإمكانه تمرير هذه التعديلات على نحو مطابق للصيغة السابقة، وكأن شيئًا لم يكن. لكن كما هو معلوم، قد تكون كلفة الموضوع إحالة مسار التفاهم مع صندوق النقد إلى التقاعد التام، إذا ما وجد الصندوق أن نوّاب لبنان يحاولون التذاكي عليه بهذه الصيغة. فمن الناحية العمليّة، تمثّل تعديلات السريّة المصرفيّة الشرط الوحيد الذي حاول المجلس النيابي تنفيذه حتّى اللحظة من مجمل شروط التفاهم المبدئي مع الصندوق. وإذا ما تبيّن أن هذه الصيغة لا تلائم ما طلبه صندوق النقد بالفعل، فسيعني ذلك أن لبنان لم ينجز حتّى اللحظة أي شرط من شروط هذا التفاهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها