السبت 2022/08/20

آخر تحديث: 10:58 (بيروت)

سلامة جعل القضاء نكتة: ربط ملفّه بملف انفجار المرفأ

السبت 2022/08/20
سلامة جعل القضاء نكتة: ربط ملفّه بملف انفجار المرفأ
"ملف شركة فوري" يمثّل الشبهة الأكثر خطورة بحق سلامة وشركائه (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

بأسحار عجيبة، وألعاب ماكرة، تمكّن رياض سلامة من عرقلة تحقيقات "ملف شركة فوري" لشهرين وتسعة أيّام، قبل أن يضرب ضربته القاضية خلال الأيّام الماضية، ويفرمل التحقيق في هذا الملف لأجل غير مسمّى. مجموعة من الحيل والمناورات كانت كافية لتحويل القضاء اللبناني إلى نكتة سمجة هذا الأسبوع، فيما بات أغلب القضاة يخجلون حتّى من سماع أخبار هذا الملف. فآخر التطوّرات، أكّدت بما لا يقبل الشك أن عدّة لاعبين كبار من "أهل البيت" في قصر العدل انخرطوا في العمل "لصالح رياض سلامة وشركائه"، ولو على حساب سمعة الجسم القضائي وهيبته.

أمّا المصيبة الكبرى، فهي أنّ ملف سلامة بات مربوطًا بشكل غير مباشر بملف انفجار المرفأ. فبعد تطورات الأيّام الماضية، سيكون الادعاء على سلامة على خلفية "ملف شركة فوري" معلّقًا، طالما أنّ تحقيقات ملف انفجار المرفأ معلّقة!

لعبة العرقلة لمدّة شهرين وتسعة أيام
بدأت لعبة العرقلة منذ شهرين وتسعة أيّام، حين طلب المدعي العام التمييزي غسّان عويدات الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. يومها، أحال عويدات الملف للنائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبي حيدر، طالبًا منه تقديم الادعاء، وإحالة الملف لقاضي التحقيق الأوّل في بيروت بموجب ورقة طلب.

ومنذ ذلك الوقت، لعب أبي حيدر لعبة تمرير الوقت بشتّى السبل، تارةً عبر طلب تنحيته، وتارةً عبر محاولة إحالة الملف إلى المدعي العام المالي. وطوال هذه المدّة الطويلة، كان أبي حيدر يقلّل من شأن الملف، ويستخف بنوعيّة المعطيات التي استند إليها طلب الادعاء. وبعد أن استطالت مدّة العرقلة والمماطلة، فاحت في أروقة قصر العدل رائحة تمرّد أبي حيدر على طلب رئيسه، مدّعي عام التمييز غسان عويدات، خصوصًا أن أبي حيدر يُفترض أن ينفّذ طلبات الادعاء الواردة إليه من مدعي عام التمييز، لا أن يقدّر جديّتها أو أن يبحث اختصاصه للنظر فيها. كان هذا التمرّد بحد ذاته، أولى الضربات التي تمكّن سلامة من توجيهها للقضاء وهيبته، بعد أن نجح في دفع أبي حيدر للمراوغة حيال طلب ادعاء قدّمه رأس النيابات العامّة في لبنان، أي مدعي عام التمييز، ولمدّة أكثرمن شهرين.

أدرك مجلس القضاء الأعلى خطورة الموقف وحساسيّته، فطلب الاجتماع مع أبي حيدر للبحث في هذا الملف، والبت في النزاع الدائر بين النيابة العامّة التمييزيّة والنيابة العامّة الاستئنافيّة في بيروت. كما تابع عويدات مداولاته مع أبي حيدر بعد هذا الاجتماع، للتوصّل إلى حل لهذه القضيّة. وفي النتيجة، لم يكن أمام أبي حيدر خيار إلا الامتثال لطلب عويدات، خصوصًا أن المادّة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة تمنح النائب العام التمييزي صلاحيّة إصدار التنبيهات لقضاة النيابات العامّة، أو حتّى اقتراح إحالتهم إلى المجلس التأديبي.

وهكذا، وعد أبي حيدر الجميع بتقديم الادعاء على رياض سلامة خلال الأسبوع الحالي. ورغم هذا الوعد، كان من الواضح أن ثمّة ضربة آتية ستفرمل التحقيق من جديد، خصوصًا أن الجميع كان يدرك مدى استماتة حلفاء سلامة للحؤول دون تقديم الادعاء ضد حاكم مصرف لبنان في ملف "فوري". وفي الوقت نفسه، لم يتوقّع أحد أن يرضخ أبي حيدر بهذه السهولة، بعد المعارضة الشرسة التي أبداها ضد أي محاولة لإجباره على الادعاء على رياض سلامة.

سلامة يسدد الضربة القاضية
تسرّب الخبر سريعًا إلى رياض سلامة، الذي أدرك أن حاميه ونصيره، النائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبي حيدر، بات في أوج حشرته، وأنّ أبي حيدر قد يضطر –تحت الضغط- إلى تقديم الادعاء خلال هذا الأسبوع. وبسحر ساحر، وخلال هذا الأسبوع أيضًا، قدّم فريق الدفاع عن سلامة دعوى مخاصمة الدولة، طالبين ردّ حليف رياض سلامة نفسه، أي زياد أبي حيدر، عن النظر في الملف! قد تبدو المسألة غريبة هنا، فكيف لفريق الدفاع عن حاكم مصرف لبنان أن يطلب رد أبي حيدر عن النظر في الملف، بعد كل التضحيات التي قدّمها أبي حيدر لمصلحة رياض سلامة، والتي وصلت حد المثول أمام مجلس القضاء الأعلى لتمنّعه عن تنفيذ تعليمات رئيسه غسان عويدات؟ فمن الناحية العمليّة، لا يوجد ما يمكن أن يتمناه سلامة اليوم أكثر من إبقاء الملف في النيابة العامّة الاستئنافيّة بيد قاضٍ مثل زياد أبي حيدر.

المسألة بسيطة. بمجرّد تقديم دعوى مخاصمة الدولة، والتي طلبت رد أبي حيدر، سيتمّ كف يد أبي حيدر عن النظر في الملف، أي تعليق عمله مؤقّتًا إلى حين البت بدعوى مخاصمة الدولة. وهذا ما سيمنع أبي حيدر عن السير بملف حاكم مصرف لبنان، كما طلب وأصرّ النائب العام التمييزي غسّان عويدات. وبذلك، سيكون سلامة وفريق دفاعه قد أعطيا أبي حيدر الحجّة التي أرادها للمماطلة أكثر، لمصلحة سلامة، وسيكون بإمكان أبي حيدر الخروج من حشرته السابقة والامتناع عن تقديم الادعاء الذي وعد به عويدات ومجلس القضاء الأعلى.  

أمّا أهم ما في الموضوع، فهو أن سلامة وفريق الدفاع عنه يدركان أن البت بطلب مخاصمة الدولة من صلاحيّة الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، والتي لا تستطيع النظر في الطلب لفقدانها النصاب، بانتظار التشكيلات القضائيّة المتعثّرة. بمعنى آخر، بات طلب مخاصمة الدولة معلّقًا إلى أجل غير مسمّى، وبات بإمكان القاضي زياد أبي حيدر نسيان الملف في الوقت الراهن والتغاضي عن تقديم الادعاء على سلامة، بانتظار حلحلة موضوع التشكيلات ومن ثم النظر في دعوى مخاصمة الدولة.

كل ما جرى، كان استهزاءً موصوف بعمل القضاء، خصوصًا أن القاصي والداني يعلمان ما قدّمه وضحّى به زياد أبي حيدر لمصلحة سلامة خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يشير إلى أنّ دعوى مخاصمة الدولة –من قبل سلامة ضد أبي حيدر- لم تكن سوى تمثيليّة هزليّة وفارغة تستهدف العرقلة الصريحة للادعاء ضد سلامة. مع الإشارة إلى أنّ أبي حيدر نفسه أعطى تمريرة لسلامة في هذه القضيّة، من خلال إصراره الصريح على عدم اختصاصه بالنظر في الملف، وهو ما استخدمه فريق الدفاع عن سلامة في دعوى مخاصمة الدولة لطلب رد أبي حيدر.

وفي أروقة العدليّة، ثمّة من يتساءل اليوم عن سر توقيت دعوى مخاصمة الدولة التي تقدّم بها فريق الدفاع عن سلامة، والتي تم رفعها في الأسبوع فسه الذي كان من المفترض أن يقوم فيه أبي حيدر –تحت الضغط والإكراه- بتقديم الادعاء ضد سلامة. وبصورة أوضح: ثمّة من يشير إلى وجود تنسيق واضح بين الطرفين، ما أعطى فريق الدفاع عن سلامة كلمة السرّ لتقديم دعوى مخاصمة الدولة في هذا الوقت الحسّاس بالذات، لتعطيل خطوة الادعاء على سلامة.

ربط ملف سلامة بتحقيقات انفجار المرفأ
يمكن القول أن سلامة قام بتوجيه ضربة ماكرة في حركته الأخيرة. فتحقيقات انفجار المرفأ معلّقة في الوقت الراهن للسبب نفسه، بوجود دعاوى مخاصمة الدولة لرد القاضي طارق البيطار. وهذا ما كفّ يدي البيطار وفرمل التحقيق بانتظار التشكيلات القضائيّة العالقة التي تعيد نصاب الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، والتي تملك صلاحيّة النظر بدعاوى مخاصمة الدولة. بمعنى آخر، باتت عرقلة هذه التشكيلات القضائيّة صمّام أمان المنظومة، المصرّة على إبقاء التشكيلات متعثّرة في الوقت الراهن، لعرقلة تحقيقات الانفجار وحماية أزلامها.

وطالما أن المنظومة مستمرّة في عرقلة التشكيلات القضائيّة، لعرقلة تحقيق انفجار المرفأ، فدعوى مخاصمة الدولة التي تقدّم بها فريق الدفاع عن سلامة ستبقى عالقة في أدراج الهيئة العامّة لمحكمة التمييز بانتظار التشكيلات، وهو ما سيمكّن أبي حيدر من تفادي الادعاء على سلامة بذريعة "كف يده عن الملف". وهكذا يكون سلامة قد ربط مصيره بمصير أزلام المنظومة المشتبه بهم في ملف انفجار المرفأ، وبات –هو وشركائه- بمنأى عن الادعاء في "ملف شركة فوري" طالما أن أزلام المنظومة بمنأى عن تحقيقات طارق البيطار.

مع الإشارة إلى أنّ "ملف شركة فوري" يمثّل الشبهة الأكثر خطورة بحق سلامة وشركائه، لاتصالها بمعطيات دسمة جمعها القاضي جان طنوس خلال مرحلة التحقيقات السابقة، بالتنسيق مع النيابات العامّة في أوروبا. ولهذا السبب بالتحديد، أعطى سلامة وحماته المحليين الكثير من الاهتمام لعرقلة هذا الملف الجدي والخطر، بخلاف الملفّات القضائيّة الأخرى التي أشرفت عليها القاضية غادة عون، والتي اكتفى سلامة بتجاهلها.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها