وفي الوقت نفسه، من الواضح أنّ هذا التطوّر يعكس تقشّف مصرف لبنان في استعمال احتياطاته حتّى أقصى الحدود خلال الأسبوعين الماضيين، بعدما باتت قيمة المتبقي منها تلامس مستوى عشرة مليارات دولار. وهذا تحديدًا ما أدّى إلى تباطؤ وتيرة استهلاك هذه الاحتياطات، والسماح بتسجيلها زيادة ضئيلة نتيجة تذبذب سعر صرف اليورو. مع الإشارة إلى أنّ الفترة الممتدة بين منتصف تمّوز وبداية آب كان يفترض أن تشمل 10 أيام عمل بالنسبة إلى المصرف المركزي، بعد استثناء عطل نهاية الأسبوع، لكنّ المصرف لم يفتح أبوابه خلال هذه الفترة إلا لسبعة أيّام فقط، نتيجة إضراب موظفي المصرف. وهذا العامل، ساهم بدوره في تقليص قيمة الاحتياطات التي استنزفها مصرف لبنان خلال النصف الثاني من شهر تمّوز.
ارتفاع قيمة الذهب أيضًا
قيمة الذهب كما ظهرت في الميزانيّات ارتفعت بدورها من 15.72 مليار دولار في منتصف شهر تمّوز، إلى 16.26 مليار دولار في نهاية الشهر، وهو ما عكس زيادة بنحو نصف مليار دولار في هذا البند بين الفترتين. وهذا العامل أتى مدفوعًا بالتحسّن النسبي في أسعار الذهب العالميّة، كون المصرف المركزي يعمد في العادة إلى إعادة تقييم قيمة الذهب المسجّل في ميزانيّته في ميزانيّته نصف الشهريّة، وفقًا لأسعار الذهب الرائجة في الأسواق الماليّة.
في خلاصة الأمر، باتت قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة والذهب معًا، أي الموجودات سائلة في الميزانيّة، توازي نحو 26.4 مليار دولار، وهو ما يمثّل 15.5% فقط من إجمالي قيمة موجودات المصرف.
سائر بنود الميزانيّة
في المقابل، مثّلت ديون المصرف للدولة اللبنانيّة (سندات الدين بالليرة تحديدًا) نحو ربع الموجودات، ومثّلت الموجودات الأخرى (معظمها خسائر متراكمة غير معترف فيها) نحو 42% من الموجودات الإجماليّة. أما ما تبقّى من موجودات في الميزانيّة (15% منها)، فباتت تمثّل تسليفات المصرف المركزي إلى المصارف التجاريّة وبعض القيود المحاسبيّة المرتبطة بإعادة تقييم الموجودات الاستثماريّة. وبشكل عام، وباستثناء الموجودات السائلة (الذهب واحتياطات العملات الأجنبيّة) التي لا تتجاوز نسبتها 15.5% من الموجودات، بات الجزء الأكبر من ميزانيّة مصرف لبنان يرتبط بخسائر محققة أو مخاطر مرتفعة.
على أي حال، وخلال النصف الثاني من شهر تمّوز أيضًا، سجّل بند الموجودات الأخرى زيادة بنحو 1.77 مليار دولار، وهو ما زاد من قيمة هذا البند الإجماليّة إلى نحو 70.48 مليار دولار. ومع كل زيادة في قيمة هذا البند، يرتفع حجم الخسائر المتراكمة في موجودات المركزي، والتي يتم إخفاؤها حتّى اللحظة عبر تسجيل موجودات وهميّة تحت هذا البند. وفي النتيجة، ستساهم هذه التحوّلات في تضخيم حجم الخسائر الإجماليّة التي يفترض أن تتعامل معها خطّة التعافي المالي.
أخيرًا، أهم ما تكشفه الأرقام الأخيرة، هو اتجاه مصرف لبنان إلى الحد من استنزاف احتياطاته قدر الإمكان، بعد تراجع قيمة هذه الاحتياطات إلى حدود مقلقة. وهذا تحديدًا ما ظهر مؤخّرًا في قرار تقليص نسبة الدولارات التي يؤمّنها مصرف لبنان لاستيراد مادّة البنزين، إلى حدود 85% من كلفة استيراد المادّة، ما يفرض على المستوردين تأمين 15% الباقية من الدولارات المطلوبة لاستيراد البنزين من السوق الموازية. وهذا الإجراء، سيمثّل بداية للخروج المتدرّج من دعم مصرف لبنان لاستيراد البنزين، وهو ما سيخفّض ضغط الطلب على دولارات مصرف لبنان. أمّا النتيجة، فستكون تقليص استنزاف الاحتياطات، لكن على حساب زيادة الطلب على دولارات السوق الموازية، وزيادة الضغط على سعر صرف الليرة في السوق.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها