السبت 2022/05/07

آخر تحديث: 17:29 (بيروت)

المصارف تترقب كتلتها النيابية: امطري حيث شئتِ فخراجكِ لي

السبت 2022/05/07
المصارف تترقب كتلتها النيابية: امطري حيث شئتِ فخراجكِ لي
دخل الصحناوي على خط تمويل حملات انتخابيّة لمرشحين مقرّبين منه (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
يُروى عن الخليفة العباسي هارون الرشيد جملة مأثورة قيل أنه نادى بها غيمة في السماء، قائلًا "امطري حيث شئت، فإن خراجك لي"، تعبيرًا عن سطوته واتساع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها، ما يجعل مطر السحاب يعود إلى أرضٍ يحكمها مهما كانت وجهة الريح الذي يسيّر الغيمة. وهذه العبارة بالتحديد، يمكن أن تلخّص اليوم حال جمعيّة المصارف وما يدور في فلكها من مصالح متشابكة مع مصالح المنظومة السياسيّة، على أعتاب فتح صناديق الاقتراع في لبنان في نهاية الأسبوع المقبل، وما سينتج عن هذه الانتخابات من توزّع للحواصل على اللوائح الانتخابيّة المختلفة.

دور كتلة حزب المصرف
في خلاصة الأمر، يبدو أن كتلة "حزب المصرف" في المجلس النيابي، وما يحرّكها من لوبيات ماليّة ومصالح مستترة، ستكون قادرة على حصد المقاعد من مختلف اللوائح الانتخابيّة في جميع المناطق، بمعزل عن تنوّع انتماءاتها لأحزاب السلطة أو أقطاب النظام السياسي، أو الحالات الاعتراضيّة بمختلف تلاوينها وتوجهاتها. وكيفما دارت الأمور وتقلّبت، وكيفما توزّعت الأصوات، وفق الاستقطابات السياسيّة القائمة اليوم، سيكون لهذه الكتلة بالتحديد حصّة الأسد داخل البرلمان المقبل، والذي يفترض أن يبت بمسائل مصيريّة تتصل بمصالح القطاع المصرفي وكبار النافذين في النظام المالي اللبناني.

أما من يشكك بوجود هذا اللوبي منذ الأساس، فبإمكنه ببساطة العودة إلى اصطفافات المجلس النيابي سنة 2020، يوم عزفت أوركسترا نيابيّة كبيرة متعددة الانتماءات الطائفية والحزبيّة على إيقاع موحّد ومتناسق، وبفريق منسجم عابر للكتل النيابيّة، لإسقاط خطّة لازارد وما انطوت عليه من بنود هددت مصالح كبيرة داخل القطاع المصرفي. وفي تلك المرحلة، كان من الواضح أن ثمّة استقطاب مبني على مصالح ماليّة، لمختلف الطيف السياسي المألوف في لبنان. وهذا المشهد بالتحديد تجدد مؤخرًا بعد تسرّب خطّة التعافي الماليّة التي نتجت عن مباحثات الحكومة الحاليّة مع صندوق النقد، والتي انطوت على بنود أخافت– مرّة جديدة- جمعية المصارف، من قبيل شطب رساميل المصارف ورفع السريّة المصرفيّة وغيرها.

في كل الحالات، البرلمان المقبل بالتحديد، هو الجهة الدستوريّة التي يفترض أن تبت بمروحة واسعة من الإصلاحات التي نصّت عليها هذه الخطّة، والتي ترتبط بشكل وثيق بمصالح المصرفيّين ورساميلهم. من هذه الإصلاحات مثلًا، قانون الطوارئ الذي يفترض أن يحدد أسس إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والتعديلات على قانون السريّة المصرفيّة، التي أرسلتها الحكومة إلى المجلس النيابي مؤخّرًا. بالإضافة إلى شكل قانون الكابيتال كونترول الذي تستميت جميعة المصارف لإقراره على النحو الذي يحمي مصالحها. وجمعيّة المصارف أيضًا، تأخذ بالاعتبار أنها ستكون بحاجة إلى موافقة المجلس النيابي لإقرار بعض الخطوات التي تطالب بها، من قبيل تشكيل "صندوق سيادي" مخصص لحصر أصول الدولة القابلة للاستثمار أولًا، والخصخصة ثانيًا، لمعالجة فجوة خسائرها.

كل ما سبق، لم يكن سوى أمثلة قليلة من لائحة لا تُحصى من الحسابات التي تملكها جمعيّة المصارف، والتي ترتبط بصلاحيات المجلس النيابي التشريعيّة، وهو ما يزيد من أهميّة الدور الذي يلعبه اللوبي المصرفي النيابي، لمصلحة كبار النافذين في القطاع.

توزّع كتلة حزب المصرف
لا يحتاج المرء إلى الكثير من العناء لتلمّس معالم توزّع صقور "كتلة حزب المصرف" داخل المجلس النيابي، الممولين لجميع الكتل السياسيّة التي نعرفها، والقادرين على حشد الغالبيّة الساحقة داخل المجلس لمصلحة أولويّات المصارف. في قلب الجنوب، يبرز سريعًا إسم صاحب بنك الموارد، مروان خير الدين، المعروف بتنطّحه إعلاميًّا منذ حصول الانهيار للتنظير لمصلحة المعالجات التي تفضلها جمعيّة المصارف، وبتقرّبه الدائم من "الأجواء الإعلاميّة" القادرة على مساندة الجمعيّة في تسويق طروحاتها.

لن يجد مروان خير الدين نفسه بعيدًا في أولوياته عن الكثير من نواب منطقته، وخصوصًا نوّاب كتلة التنمية والتحرير، الذين يتبعون حتمًا أولويّات رئيس المجلس النيابي نبيه برّي. برّي، مثّل منذ نهاية العام 2019 صمّام أمان اللوبي المصرفي داخل المجلس النيابي، من خلال أدواره الشهيرة في المساهمة بإسقاط خطّة لازارد وإضعاف مبادرات حكومة دياب الماليّة والنقديّة، وعرقلة إقرار قانون الكابيتال كونترول مستخدمًا صلاحيّات وزير الماليّة غازي وزني. وبرّي نفسه لعب الدور الأبرز داخل النظام السياسي في حماية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حتّى اللحظة من أي محاولة لاستبداله، كما مثّل أبرز الصقور المناوئين لتسريع إنجاز بعض الخطوات التشريعيّة التي تمس بمصالح الفئة النافذة داخل النظام المالي، من قبيل تحريك مسار تعديل قانون السريّة المصرفيّة (قبل أن تقوم حكومة ميقاتي بطرح التعديل مؤخرًا).

كنعان
في تكتّل لبنان القوي يطل مجددًا النائب ابراهيم كنعان على لوائح التيار الوطني الحر في المتن، ومن موقع قوي مدعوم بالخدمات التي اعتاد كنعان على تقديمها في القضاء. كنعان مثّل طوال السنتين الماضيتين صقر من صقور اللوبي المصرفي داخل المجلس، مستخدمًا صلاحيّاته كرئيس للجنة المال والموازنة لإطلاق عمل لجنة تقصّي الحقائق الفرعيّة، والتي نتج عن عملها تقديرات خاصّة للخسائر أدت إلى الإطاحة بخطّة لازارد. ومن الناحية العمليّة، كان من الواضح من خطابات نواب تكتّل لبنان القوي الأكثر تأثيرًا في الملفات الماليّة، مثل آلان عون وفريد البستاني، أن اتجاه التكتّل كان أقرب إلى أداء وأولويّات كنعان المعروفة، لا إلى الخطابات الإصلاحيّة التي اعتاد على تقديمها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والتي كانت تذهب بالاتجاه المعاكس شكليًّا.

نواب الصحناوي
من خلف الستار، يتوسّع النشاط الانتخابي للمصرفي أنطون الصحناوي، صاحب بنك سوسيتيه جنرال. في دائرة بيروت الأولى، ينفق الصحناوي بسخاء على اللائحة التي تجمع مرشحه جان طالوزيان بمرشح حزب الكتائب نديم الجميّل، فيما اختار الصحناوي أيضًا دعم لائحة حزب الكتائب في دائرة الشمال الثالثة التي تجمع الكتائب بالنائب ميشال معوّض ومجد حرب، نجل النائب السابق بطرس حرب. مع الإشارة إلى أن ميشال معوّض بالتحديد تبنّى منذ العام 2020 خطاب جمعيّة المصارف داخل المجلس النيابي وأصبح أحد صقور هذا الخطاب، ثم ترجم ذلك في عمله داخل لجنة تقصّي الحقائق لاحقًا، فيما كان من الواضح أن حزب الكتائب المتحالف مع معوّض تأثّر بدعم الصحناوي له في الدائرتين من خلال تبنّي بعض مطالب جمعيّة المصارف في برنامجه الانتخابي (مثل إنشاء الصندوق السيادي المخصص لخصخصة أصول الدولة وردم فجوة الخسائر المصرفيّة).

في دوائر أخرى، يدخل الصحناوي على خط تمويل حملات انتخابيّة لمرشحين مقرّبين منه، في محاولة لخلق نواة مجموعة نيابيّة قادرة على حمل أولويّاته، ولو توزّعت هذه المجموعة على كتل مختلفة. من هؤلاء مثلًا المرشح راجي السعد في قضاء عاليه، والمرشح منصور البون في قضاء كسروان، بالإضافة إلى النائب وائل أبو فاعور في البقاع الغربي.

في جميع الحالات، لن تقتصر مروحة النوّاب المقبلين على دخول المجلس، والمتأثرين بأولويات وخطاب جمعيّة المصارف، على هذه القائمة. لكن ما سبق ذكره يمثّل نموذج عن توزّع هؤلاء النواب على اتجاهات سياسيّة مختلفة ومتباينة، فيما من المتوقّع أن يصطف كل هؤلاء خلف أولويات الجمعيّة في اللحظة التي يحصل فيها استقطاب حول القضايا التي ترتبط بمصالح كبار النافذين في القطاع المالي. مع الإشارة إلى أن طبيعة التفاهم المبدئي الذي حصل بين لبنان وصندوق النقد، يشير إلى أن هذا النوع من القضايا سيكون محور أعمال المجلس النيابي المقبل. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها