الإثنين 2022/12/12

آخر تحديث: 10:58 (بيروت)

لبنان خارج أجندة صندوق النقد.. وخطة التعافي إلى التقاعد

الإثنين 2022/12/12
لبنان خارج أجندة صندوق النقد.. وخطة التعافي إلى التقاعد
مسارات المعالجة الماليّة ستمر بفترة طويلة من الموت السريري (Getty)
increase حجم الخط decrease

ابتداءً من اليوم الاثنين 12 كانون الأول، ولغاية يوم الأربعاء من الأسبوع المقبل، من المفترض أن يعقد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي سلسلة من الاجتماعات المتتالية، التي ستبت بمصير تفاهمات مبدئيّة واتفاقات على مستوى الموظفين، مرتبطة ببرامج قروض لدول مختلفة حول أنحاء العالم. من بين بنود الأجندة مثلًا، البت بطلب برنامج التمويل الخاص بمصر وإعطاء الموافقة النهائيّة عليه، بعد أن تم توقيع الاتفاق المبدئي على مستوى الموظفين مع مصر في 27 تشرين الأوّل الماضي. كما سيتم البت بطلب مماثل لتونس، التي وقعت اتفاقها المبدئي على مستوى الموظفين مع صندوق النقد منذ منتصف تشرين الأوّل.

وإذا نالت الدولتان الموافقة النهائيّة من الصندوق، كما هو متوقّع، فستكون مصر قد تجاوزت مرحلة الاتفاق المبدئي مع الصندوق خلال فترة لم تتجاوز شهراً ونصف الشهر، فيما ستكون تونس قد عبرت المرحلة خلال أقل من شهرين. وفي حالة مصر مثلًا، من المتوقّع أن تبدأ بالاستفادة –على مراحل- من تسهيلات ائتمانيّة من الصندوق تصل إلى حدود ثلاثة مليارات دولار، مع تمويل إضافي بقيمة مليار دولار من خلال "صندوق المرونة والاستدامة" التابع للصندوق. أمّا الأهم، فهو أن الاتفاق مع صندوق النقد سيمكّن مصر من الإفراج عن خمسة مليارات دولار إضافيّة من رزم التمويل الخارجيّة الأخرى، من خلال عدد من المؤسسات الدوليّة والإقليميّة.

لبنان خارج أجندة المجلس التنفيذي لصندوق النقد
من بين الملفّات الماليّة الحامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تم استثناء الملف اللبناني كليًّا من جدول الأعمال هذا، ما سيعني عدم طرح برنامج التمويل الخاص به للبحث وإصدار الموافقة النهائيّة. فرغم توقيعه الاتفاق المبدئي على مستوى الموظفين منذ 7 نيسان الماضي، أي منذ أكثر من ثمانية أشهر، لم تتمكن البلاد حتّى اللحظة من القيام بأكثر من خطوتين، من أصل الخطوات الإصلاحيّة الثمانية التي طلبها الصندوق كشروط مسبقة، للانتقال من مرحلة الاتفاق المبدئي على مستوى الموظفين إلى مرحلة الاتفاق النهائي على برنامج القرض. ولهذا السبب بالتحديد، لن يتم عرض ملف لبنان على المجلس التنفيذي خلال جولة الاجتماعات هذه، كما من غير المرتقب أن يُعرض ملفّه على أي من جولات الاجتماعات المقبلة على المدى المنظور. باختصار، لبنان سيكون خارج أجندة المجلس التنفيذي، حتّى إشعارٍ آخر.

الملفت للنظر في كل هذه التطوّرات، هو استطالة المدّة التي تلت توقيع لبنان على الاتفاق المبدئي (8 أشهر)، من دون أن يتمكن من استكمال هذا الاتفاق، مقارنة بحالات أخرى كمصر وتونس، حيث تم الانتقال خلال أسابيع معدودة إلى مرحلة طلب الموافقة النهائيّة. مع الإشارة إلى أنّ تعقيدات الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة، وحجم التداعيات التي نتجت عنها، كان من المفترض أن تدفع المسؤولين إلى الإسراع في إنجاز الشروط المسبقة، لا العكس، خصوصًا أن الشروط التي تم طرحها تمثّل الخطوات البديهيّة التي لا يمكن تفاديها في سياق أي مسار للتصحيح المالي.

وهذا الواقع، إنّ دلّ على شيء، فهو درجة الخفّة في تعاطي المسؤولين اللبنانيين مع تداعيات هذا الانهيار. ففيما تسارع الدول –كما هو واضح في حالتي مصر وتونس- إلى استكمال اتفاقاتها المبدئيّة مع الصندوق، خصوصًا في ظل ضغط الطلب على برامج قروض الصندوق، لم يبدِ لبنان حتّى النيّة الجديّة في استكمال ملفّه. ومع استمرار الضغوط الاقتصاديّة في جميع أنحاء العالم، من المتوقّع أن يتزايد استزاف الدول النامية لبرامج تمويل صندوق النقد، ما سيزيد تدريجيًّا من تشدد صندوق النقد في التعامل مع طلبات التمويل الواردة إليه من دول كلبنان. كما من المتوقّع أن يزداد تشدد الصندوق، نتيجة ارتفاع مخاطر الأسواق النامية في ظل الأزمات التي تضرب الاقتصاد العالمي.

خطّة التعافي المالي إلى التقاعد
بمعزل عن مصير التفاهم على المستوى الموظفين، تشير عدة مصادر ماليّة إلى أنّ خطّة التعافي التي تم على أساسها هذا التفاهم قد دخلت عمليًّا مرحلة التقاعد، حتّى إشعارٍ آخر. فمعظم الأرقام التي تم اعتمادها في أواخر السنة الماضية، لتحديد فرضيّات الخطة قبل صياغتها، عفا عليها الزمن، وباتت بحاجة إلى تحديث لإعادة احتساب الخسائر من جديد، والودائع التي يمكن ضمانها اليوم.

فعلى سبيل المثال، ولغاية أواخر الشهر الماضي، ارتفع بند الموجودات الأخرى في ميزانيّة مصرف لبنان بحدود 49.91% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، علمًا أن هذا البند يعبّر عن كتلة من الخسائر المتراكمة في الميزانيّة. كما فقدت احتياطات مصرف لبنان نحو 2.64 مليار دولار من قيمتها منذ بداية السنة الحاليّة، فيما شهدت قيمة احتياطات الذهب تقلّبات عديدة نتيجة تغيّر أسعار الذهب في السوق الدوليّة. باختصار، كل هذه التحوّلات في الأرقام باتت تفرض العودة إلى الخطّة من جديد، لمواءمتها مع التغيّرات المستجدة في ميزانيّات القطاع المالي التي يفترض أن يتم معالجتها.

في جميع الحالات، وفي ظل الفراغ الرئاسي، وعدم إمكانيّة تمرير مراسيم مشاريع قوانين تتصل بأمور مصيريّة، وفي ظل فرملة جميع المسارات التشريعيّة في الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، بات من الأكيد أن جميع مسارات المعالجة الماليّة ستمر بفترة طويلة من الموت السريري، بانتظار إعادة الحياة والانتظام إلى المؤسسات الدستوريّة. ولهذا السبب، وبمعزل عن إشكاليّة أرقام الخطّة الماليّة، وعدم تنفيذ شروط التفاهم على مستوى الموظفين مع صندوق النقد، سيفرض الجمود نفسه كأمر واقع على هذين المسارين. أما الأزمة الاقتصاديّة نفسها، فستظل تسير باتجاه السقوط الحر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها