السبت 2021/09/18

آخر تحديث: 17:12 (بيروت)

البيان الوزاري والاقتصاد: باسيل والمصارف يربحان معاً!

السبت 2021/09/18
البيان الوزاري والاقتصاد: باسيل والمصارف يربحان معاً!
التناقضات ستظهر قريباً عند الشروع في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

كان من المفترض بميقاتي، بوصفه رئيس الحكومة الجديدة، أن يأتي مع لمساته أو رؤيته التي يضيفها إلى خطة حكومته، بعد الأخذ بالاعتبار أولويات الأطراف المتناحرة التي أنتجت هذه الحكومة. وكان من المفترض أن تكون هذه اللمسات هي القيمة المضافة التي يعطيها ميقاتي للمرحلة، من ناحية المعالجات الماليّة والاقتصاديّة التي سيتم السير بها، خصوصاً بعد أن تم ربط عودته بالدعم الدولي الذي يمكن أن تحظى به هذه الحكومة، في أي برنامج تصحيح مالي أو نقدي يمكن أن تعتمده.

لكنّ رماديّة الرجل في المواقف السياسيّة والتوجهات الاقتصاديّة، تركت أثرها على البيان الوزاري. إذ يصعب تلمّس أي من بصماته كرئيس حكومة داخل هذا البيان. في الحصيلة، جاء البيان كتسوية باهتة سجّل فيها كل من باسيل والمصارف أهدافهما وأولوياتهما، على حساب تجاهل جميع البنود الاصلاحيّة التي كان يفترض التركيز عليها في مرحلة حسّاسة كهذه.

وإذا كان البيان الوزاري هو أولى المؤشّرات التي يمكن على أساسها قياس جديّة ميقاتي وقدرته على إدارة المرحلة بكل تناقضاتها، فلا يبدو أن هذا المؤشّر يبشّر بالكثير من الخير. لا بل يبدو من الناحية العمليّة أن ميقاتي سيمضي الأشهر المقبلة في التعامل مع أولويات باسيل واللوبي المصرفي، والبحث عن سبل إدارة هذه الأولويات والتوفيق بينها، رغم تناقضها مع الإصلاحات المطلوبة، عوضاً عن فرض أي خطة جديّة واضحة المعالم.

أولويّات المصارف
البحث بين سطور البيان الوزاري، يقودنا إلى الزخم الذي استعاده اللوبي المصرفي بمجرّد تشكيل هذه الحكومة، وتحديداً من خلال العبارات التي حرصت على مصالح المصارف، بدل الحرص على المعالجات التي يمكن أن تخرج البلاد من مرحلة الانهيار. بل ويمكن القول أيضاً، أن ثمّة ألغام زُرعت بعناية داخل البيان نفسه، لتنسف هذه المعالجات عن بكرة أبيها.

"تحديث وتطوير خطّة التعافي الماليّة"، مجرّد عنوان أراد منه اللوبي المصرفي فتح باب تعديل هذه الخطة، وتغيير المقاربات التي ذهبت إليها. وهذه الخطّة هي تحديداً ما أثار ذعر المصارف طوال السنة الماضية، وتحديداً من جهة بعض المعالجات المقترحة، التي كان من شأنها أن تمس بملكيّة المصارف وأسهم أصحابها، كأحد أبواب التعامل مع الخسائر المتراكمة في الميزانيّات. وبعد أن شنّت المصارف هجومها المضاد في وجه الخطة انطلاقاً من المجلس النيابي، وصولاً إلى تعطيل الخطّة نفسها، جرى إقحام عبارتي "تحديث وتطوير" الخطة في البيان الوزاري كتمهيد لتغيير مندرجاتها، بعد أن جرى التخلّص من الوزراء المتحمّسين لهذه الخطة في حكومة حسان دياب. مع الإشارة إلى أن وزير الماليّة، المسؤول عن تعديل الخطة، ليس سوى أحد أقرب المقرّبين لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي عارض هذه الخطة بشراسة، في حين أن اللوبي المصرفي تخلّص برحيل دياب من فريقه الاستشاري المتحمّس لخطة التعافي المالي بصيغتها القديمة.

مبدأ إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والذي كان يعني في السابق تصحيح وضع القطاع بشكل جذري، عبر التعامل مع خسائره بعد تحديدها بشكل صريح، تم استبداله في البيان الوزاري بمبدأ "إصلاح القطاع المصرفي"، مع إضافة "إعادة هيكلته حيث يلزم" لعدم إخفاء العبارة نهائيّاً. وبذلك، تمكنت المصارف من التخلّص من أي تعهّد نهائي من قبل الحكومة بمعالجة الخسائر المصرفيّة، عبر إعادة الهيكلة الكاملة تمهيداً لإعادة الانتظام للقطاع المالي. وهو استحقاق سعت المصارف لتجنّبه طوال الفترة الماضية. مع ضرورة الإشارة إلى أن اقتران الحديث عن إعادة الهيكلة بعبارة "حيث يلزم" يُفقد مبدأ إعادة الهيكلة معناه الأساسي، كون لا قيمة لأي عمليّة إعادة هيكلة إذا لم تكن شاملة ومتكاملة، أو إذا لم تنطلق المعالجات من هذا المبدأ كضرورة منذ البداية.

في البيان الوزاري، لا يمكن العثور على جملة واحدة تتعلّق بطريقة التعامل مع أسعار الصرف المتعددة، أو مع رؤية الحكومة لموضوع توحيد أسعار الصرف. وهنا، يسجّل معسكر المصارف نقطة إضافيّة لصالحه في البيان الوزاري. إذ بات من الواضح أن المستفيد من تعدد أسعار الصرف لم يعد اليوم، بعد الخروج من مرحلة دعم معظم السلع الأساسيّة، إلا المصارف نفسها. فتعدد أسعار الصرف هو ما يسمح اليوم بإخفاء الخسائر المتراكمة، عبر التصريح عن الالتزامات للمودعين في الميزانيات وفقاً لسعر الصرف الرسمي القديم، وهو ما يسمح أيضاً بالتعامل مع هذه الخسائر عبر أسعار الصرف المعتمدة للسحوبات بالليرة من الودائع المدولرة.

باسيل المستفيد الأكبر
في المقلب الآخر، وبخلاف ما يعتقد كثيرون، لم تأتِ النقاط التي سجلتها المصارف على حساب أولويات جبران باسيل، بل ويمكن القول أن باسيل نفسه كان المستفيد الأكبر في هذا البيان الوزاري.

في خطة الكهرباء، لم يحدد البيان الوزاري المعامل التي يُفترض أن تبدأ الحكومة بالعمل عليها، وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام إقحام معمل سلعاتا في المرحلة الأولى من الخطّة. وإقحام معمل سلعاتا في هذه المرحلة، مسألة أصرّ عليها جبران باسيل طوال السنة الماضية، في حين أن البعض كان يشير إلى اتصال هذا الإصرار بصفقات عقاريّة معيّنة، خصوصاً في ظل عدم وجود أي مبرر لهذا المعمل أولى مراحل الخطّة من الناحية التقنيّة. على أي حال، وبينما حاول وزراء كل من أمل والاشتراكي تحديد المعامل في البيان الوزاري، لاستثناء معمل سلعاتا، تمكّن باسيل من فرض التغاضي عن ذكر المعامل، فسجّل هدفاً كهربائيّاً في البيان الوزاري.

في أدراج قصر بعبدا، ثمّة مرسوم للتشكيلات القضائيّة، مُنجز من قبل مجلس القضاء الأعلى، وموقّع من قبل وزراء العدل والماليّة السابقين، والرئيس حسّان دياب. لم يمرّر العهد هذه التشكيلات، لأسباب تتعلّق بمصالح التيار الوطني الحر في النظام القضائي، فتمّت عرقلة المرسوم عبر عدم توقيعه من قبل رئيس الجمهوريّة. أما اليوم، فيبدو أن باسيل تمكّن من دس عبارة "إنجاز التشكيلات والمناقلات القضائيّة" في البيان الوزاري، ما يعني من الناحية العمليّة توريط الحكومة في مسار جديد لإقرار مرسوم تعيينات آخر، يراعي مصالح وأولويات العونيين. مع الإشارة إلى أن إقرار المرسوم السابق لا يتطلّب أي قرار من ناحية الحكومة، بل يحتاج فقط إلى توقيع رئيس الجمهوريّة.

في ما يخص أموال حقوق السحب الخاصّة، الواردة من صندوق النقد، لم تلزم الحكومة نفسها بأي آليّات لطريقة إنفاقه، كما لم تلزم نفسها حتّى بالتعاون مع المجلس النيابي لإقرار قانون خاص ومنفصل، ينظّم هذا الإنفاق بالعملة الصعبة، بمعزل عن مندرجات الميزانيّة العامّة أو قاعدة الإثني عشريّة. وبذلك، بات الباب مشرّعاً أمام باسيل للتفاوض على هذه الأموال، لضمها إلى ما يمكن إنفاقه في "مشاريع الكهرباء الاستراتيجيّة"، وهو ما بدأ باسيل بالتمهيد له في مداولاته منذ فترة.

حكومة التناقضات
على هذا النحو، وجد باسيل طريقة للزج بأولوياته في جميع الملفات، تماماً كما فعل في أمكنة أخرى معسكر المصارف. وفي الحالتين، كان من الواضح أن ميقاتي يسير بين تناقضات تملأ حكومته: هو يحتاج إلى استرضاء المصارف ومن يقف في صفها من قوى سياسيّة ووزراء، وهو بحاجة إلى استرضاء باسيل على أعتاب طرح الثقة بحكومته، بينما يُشاع أن ميقاتي أولى الكثير من الاهتمام للحصول على أصوات تكتّل باسيل لإحاطة الحكومة بأوسع إجماع ممكن.

أما التناقضات الأكبر، فستظهر قريباً عند الشروع في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حين يصبح ميقاتي بين سندان إصرار الصندوق على رزمة من الإصلاحات الملموسة، ورفض معظم مكونات حكومته لهذه الإصلاحات. فكما جرى مع حكومة دياب، سترفض المكونات الأكثر التصاقاً بمعسكر المصارف الشروط التي تمس بمصالح المنظومة الماليّة، فيما سيسخّر باسيل صلاحيات العهد في مواجهة الشروط التي تمس بصفقاته ومصالحه. وهنا بالتحديد، سيكون ميقاتي بين مطرقة الحفاظ على الإجماع السياسي حول حكومته، وسندات تطيير المفاوضات مجدداً مع صندوق النقد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها