الخميس 2021/11/11

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

"صفقة" سلامة: الرضوخ للإصلاحات مقابل خروجه الآمن بنهاية السنة

الخميس 2021/11/11
"صفقة" سلامة: الرضوخ للإصلاحات مقابل خروجه الآمن بنهاية السنة
كل ما يتمناه سلامة أن لا يغادر منصبه مع أحكام قضائيّة مبرمة بحقه (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

على حين غرّة، عاد سلامة ليقدّم تنازلات كبيرة في ملفّات مختلفة، يرتبط أغلبها بالشروط الإصلاحيّة المفروضة من الخارج: من ملف نسب الخسائر التي يفترض أن تتحضّر لها المصارف، إلى التدقيق الجنائي، وصولاً إلى التعاون مع لازارد، وتقديم معطيات لطالما رفض الإفصاح عنها. في كل هذه الملفّات، تحوّل أداء سلامة من التعنّت والرفض ورفع السقف في وجه الجميع، إلى إبداء التعاون النسبي. ولو أن هذا التعاون لم يرقَ إلى رتبة الامتثال التام للشروط الإصلاحيّة الخارجيّة.

كل هذه التحوّلات، لا يمكن فصلها عن ما بدأ يتسرّب مؤخّراً من أروقة السراي الحكومي، بخصوص تحضير حاكم مصرف لبنان لانسحاب آمن من منصبه، في مطلع السنة الجديدة. إذ يبدو أن هذا الانسحاب الآمن بات يفرض على الحاكم تقديم تنازلات وازنة للعواصم الغربيّة، في محاولة للتخفيف من ضغط الملاحقات القضائيّة التي تقلقه قبل خروجه من حاكميّة المصرف المركزي. لسان حال سلامة يقول: الإصلاحات مقابل خروجي الآمن.

في المقابل، كل ما يجري بات يوحي بأن ثمّة تبايناً بدأ بالظهور مؤخّراً، بين أولويات القطاع المصرفي وكبار المساهمين فيه من جهة، وسلامة نفسه من جهة أخرى. وهذا التباين، وإن لم يرقَ إلى حد الخلاف العلني بعد، بدأ خلال الأسابيع الماضية يأخذ شكل شد الحبال والتفاوض البعيد عن الأضواء، وتحديداً في ملف المقاربات المعتمدة لتحديد خسائر المصارف.

خسائر المصارف: تعنّت سلامة السابق
تتراوح قيمة التزامات مصرف لبنان لمصلحة المصارف بالعملات الأجنبيّة ما بين 70 و80 مليار دولار. ويصعب تقدير هذا الرقم بدقّة لكون مصرف لبنان يخلط في ميزانيّاته وميزانيات المصارف ما بين التزاماته المقوّمة بالليرة اللبنانيّة، وتلك المقوّمة بالعملات الأجنبيّة. لكن في كل الحالات، وفي مقابل كتلة الالتزامات هذه المتوجبة على مصرف لبنان بالعملة الصعبة، لم تعد تتعدّى الاحتياطات السائلة الموجودة لدى المصرف بالعملات الأجنبيّة حدود 13.6 مليار دولار، بما فيها تلك المتأتية من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي. والفارق بين القيمتين، من دون احتساب احتياطات الذهب، الذي لا يمكن استخدامه من دون تشريع خاص، يمثّل فجوة خسائر مصرف لبنان.

من الناحية العملية، كان من المفترض أن تقوم المصارف منذ بداية الأزمة بالاعتراف بهذه الخسائر الناتجة عن توظيفاتها لدى مصرف لبنان، خصوصاً أن المصرف المركزي بدّد –كما تظهر هذه الأرقام- أكثر من 80% من أموال المودعين بالعملات الأجنبيّة التي وظفتها المصارف لديه. لكنّ حاكم مصرف لبنان خاض طوال العام الماضي معركة عدم الاعتراف بهذه الخسائر بشكل مباشر. بل وتمكّن من تسويق هذه المقاربات داخل لجنة المال والموازنة. وهو ما ساهم بالإطاحة بخطة لازارد التي تبنّتها حكومة دياب.

وفي النهاية، قرر مصرف لبنان في تعاميم إعادة الرسملة أن يطلب من المصارف توقّع خسائر لا تتجاوز نسبتها 1.89% من توظيفاتها لدى المصرف المركزي، وتكوين المؤونات على هذا الأساس، وهو ما يمثّل نسبة هزيلة لا تتوافق حكماً مع حجم الخسائر الفعليّة المحققة. وهذه الخطوة بالتحديد أثارت حفيظة صندوق النقد الدولي، والجهات الدوليّة التي تتبنّى شروطه بالنسبة للملف اللبناني، نظراً لإصرار الصندوق على تحديد هذه الخسائر بشكل صريح وشفّاف، بالإضافة إلى الخسائر الأخرى المرتبطة بسندات الدين السيادي المملوكة من المصارف. وهذه الخطوة يعتبرها الصندوق شرطاً إصلاحياً لا يمكن تجاوزه في أي خطة ماليّة يمكن أن يتفاهم عليها مع لبنان.

انقلاب موقف الحاكم المفاجئ!
اليوم، ثمّة ما بدأ يتغيّر في أداء حاكم مصرف لبنان بخصوص هذا الملف. فبعد مرور أكثر من عامين على حصول الانهيار المصرفي، قرّر سلامة منذ أيام مصارحة جمعيّة المصارف بضرورة رفع نسبة الخسائر المتوقّعة من توظيفاتها لدى مصرف لبنان، مطالباً برفع هذه النسبة إلى حدود الثلث تقريباً. بالتأكيد، لا ترقى النسبة الجديدة إلى الاعتراف بالخسائر الفعليّة المحققة، والتي يفترض أن تتعامل معها المصارف، كي يستعيد القطاع المصرفي انتظامه. لكنّ مجرّد دخول الحاكم في هذا النوع من المناقشات مع المصارف يمثّل تحوّلاً كبيراً في موقفه من هذه القضيّة.

الحجج التي يستعملها سلامة للضغط على جمعيّة المصارف اليوم، من أجل القبول برفع هذه النسبة، تبدأ من عدم واقعيّة التعنّت في مواجهة المجتمع الدولي وصندوق النقد. خصوصاً أن أي مسار للتصحيح المالي لا يمكن أن ينجح إذا لم تملك خطة الحكومة الغطاء الدولي المطلوب. وطالما أن جميع الدول المعنيّة بالملف اللبناني تصرّ على مرجعية صندوق النقد، من ناحية وضع الشروط الإصلاحيّة ومتابعة تنفيذها، وطالما أن الصندوق يصر على شرط التعامل مع هذا الجانب من خسائر الانهيار، فمن غير الممكن الإصرار على النسبة الضئيلة السابقة. وفي كل الحالات، ذكّر سلامة جمعيّة المصارف أن فجوة الخسائر الموجودة في الميزانيات باتت أكبر من أن يتم تجاهلها، بعد أن استمرّ مصرف لبنان بالإنفاق من احتياطاته طوال الفترة السابقة لتمويل دعم استيراد السلع الأساسيّة.

جمعيّة المصارف لم تبدِ الكثير من الحماسة لطرح سلامة، كون تكوين مؤونات للتعامل مع خسائر بهذا الحجم يمكن أن يلتهم رساميل معظم المصارف العاملة حاليّاً. ولهذا السبب، دخلت الجمعيّة في عمليّة تفاوض تقنيّة مع المصرف المركزي، لجدولة عمليّة تكوين المؤونات والتعامل مع الخسائر على مدى سنوات عدّة، وهو ما سيسمح لها بتكوين الرساميل المطلوبة لهذه الغاية تدريجيّاً. مع الإشارة إلى أن عمليّة تكوين هذه الرساميل تتم في الوقت الراهن من خلال تحويل ودائع مصرفيّة عالقة داخل القطاع إلى أسهم، أو تقديم عقارات يمكن تسييلها لاحقاً. 

التعاون مع آلفاريز آند مرسال ولازارد
في ملف التدقيق الجنائي، من الأكيد أن السلطة السياسيّة حشرت مهمّة آلفاريز آند مرسال في الأسابيع الأخيرة من المهلة التي ينص عليها قانون رفع السريّة المصرفيّة لغايات التدقيق الجنائي، وهو ما سيسمح بإجراء تقرير التدقيق الأولي من دون تطويره إلى تدقيق مفصّل. لكن بمعزل عن هذه المناورة التي جرى على أساسها إعادة إطلاق التدقيق، تنقل أوساط وزارة الماليّة اليوم تحوّلاً مفاجئاً في تعامل حاكم مصرف لبنان مع آلفاريز آند مارسال، من ناحية سرعة التجاوب مع طلباتها، وتقديم المستندات المطلوبة، من دون افتعال العراقيل التي تفنن في اختلاقها سابقاً. كما تشير هذه الأوساط إلى أن الكثير من التسهيلات التي يقدّمها اليوم الحاكم للشركة، والتي تمنّع عن تقديمها سابقاً، لا علاقة لها بمسألة تعليق السريّة المصرفيّة. ولذلك، ثمّة ما يشير إلى تحوّل في موقف الحاكم من الملف نفسه، بمعزل عن ذريعة السريّة المصرفيّة التي تحجج بها سابقاً لعرقلة التدقيق.

أما بالنسبة إلى شركة لازارد، التي تتعاون مع الحكومة اليوم لإعادة صياغة خطّة التعافي المالي، فيبدو أن الحاكم انتقل من السلبيّة التامّة التي أبداها إزاء عمل الشركة خلال العام الماضي، إلى التعاون بشكل مثالي معها في هذه المرحلة. بل ويبدو أن الشركة ستتمكّن هذه المرّة من وضع تقديراتها وحساباتها بالاستناد إلى أرقام المصرف المركزي نفسه، بدل الاعتماد على أرقام تقريبيّة تستند إلى استشاريي وزارة الماليّة كما حصل خلال العام الماضي.

النهاية..
كل هذه التطوّرات تدل على تحضير حاكم مصرف لبنان لانسحابه الآمن في مطلع العام المقبل، كما تشير إلى ذلك مصادر رئاسة الحكومة. والحاكم الملاحق بالدعاوى القضائيّة في الخارج، يدرك أنّه بحاجة إلى تقديم مجموعة من التنازلات للمجتمع الدولي في الملفات الماليّة المرتبطة بمصرف لبنان، للتمكّن من الخروج من حاكميّة المصرف المركزي بأقل أضرار ممكنة. أما المسألة الأكيدة، فهي أن سلامة لن يملك متسع من الوقت ليشرف على مسار التعافي المالي على المدى المتوسّط، لاستعادة صورته المضيئة كحاكم مصرف مركزي ناجح قبل الاستقالة من منصبه.

أفضل ما يمكن أن يتمنّاه سلامة اليوم هو أن لا يغادر منصبه مع أحكام قضائيّة مبرمة بحقه في المحاكم الأجنبيّة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها