الإثنين 2020/07/13

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

"دعم leaks" بالدولار الأخير

الإثنين 2020/07/13
"دعم leaks" بالدولار الأخير
كل خزين السلع القديم بسعر 1515 ليرة للدولار طُرح للاستهلاك على أسعار دولار جديدة (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

السلّة الأساسية المدعومة، هي الفصل الأخير من فضيحة التاريخ غير المسبوقة قبل خروج الوضع عن السيطرة. الفصل الأهم فيها وليس الأول في الضرورة، هو السطو على أموال المودعين في دولة يُصادر فيها القضاء بالقرار السياسي. ويقصى فيها المسروق عن الادّعاء على السارق. كل هذه القنابل الدخانية الآن لحجب الرؤية عن هذه الحقيقة.

الدعم، التعبير المقنّع عن عجز الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفرص العمل والعدالة. مثل هذا الدعم، يعمّق الاختلالات تلك، عبر استنفاد الموارد المالية المخصصة للتنمية. ولغايات نبيلة في الشكل، وقاصرة في الجوهر عن بلوغ أهدافها الاجتماعية. فكيف لو توجه الدعم عجزًا ودينًا إلى من لا يستحقّ؟ يشرع الدعم الباب للاستهلاك المفرط والمؤذي، بما يتجاوز إشباع الحاجات الضرورية، طالما أن تلك الحاجات من السلع مدعومة بسخاء. وفي أحسن الأحوال يتطلّب الدعم منظومة سياسية وإدارية لبلوغه أهدافه بأقل تكلفة واختلالات ممكنة في الاقتصاد الكلّي، بعيدًا من التسرب إلى الميسورين وإلى السوق السوداء وإلى خارج الحدود في أي دولة.

نكتب عن دعم في دولة سويّة تسيطر على مقدراتها وحدودها. نحن في الهاوية. توقفنا عن سداد التزاماتنا الخارجية والداخلية. لا تهزّنا أرقام عجز ودين إلى الناتج. الناتج حجر الأساس سالب في ذاته فوق 12 في المئة. والليرة اللبنانية وحدها تهطل مدرارة لتوسّع الكتلة النقدية إلى نحو 75 تريليونّا أقلّ أو أكثر. وتغذي بذاتها عوامل ضعفها وتراجعها على الدولار الأميركي والعملات. سلّة السلع الواسعة المدعومة بدولار من مصرف لبنان تبعث على الأسى في صرف النظر عن الجدوى واستدامة الدعم. ولا يمكن تفسير ذلك سوى بتفادي السقوط في الفوضى العارمة.

دولار مصرف لبنان وعملاته آخر ما تبقّى من ودائع الناس. يقول حاكم المصرف رياض سلامة إنها موجودات من نحو 20 مليارًا و300 مليون. دعم سعر صرف تمويل استيراد السلّة من الحوالات الواردة إلى شركات المال والتحويلات. تسددها الشركات بالليرة اللبنانية على نحو 3800 ليرة، ويحصل عليها مصرف لبنان بعملة التحويل. ويحرم المواطنين والأسر وأصحاب الحقوق منها بلا قانون. ويضع حواجز في وجه التدفقات النقدية التي يحتاجها لبنان وسعر الصرف خصوصًا. وبذلك تعطي الحكومة ومصرف لبنان أولوية واضحة للسلّة الاستهلاكية المدعومة على حساب سعر صرف الليرة.

تعميم مصرف لبنان الوسيط رقم 13245 يجيز للمصارف العاملة في لبنان الطلب إليه تأمين العملات الأجنبية تلبيةً لحاجات مستوردي السلع الأساسية، ومصنّعي المواد الأساسية والمواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية، والمنتجات المخصصة للبيع للمزارعين. "شرط أن تكون السلع التي يتم استيرادها مخصصة حصرّا للاستهلاك المحلي".

آلية الضبط والشفافية؟
من يشرف على تنفيذ القرار؟ ما هي آلية تنفيذه؟ على مستوى المواد الغذائية والأساسية للاستهلاك. هل هناك جردة لخزين التجار من السلع المستوردة على دولار السوق قبل وصول السلع المدعومة؟ ولائحة للمستهلك بأسماء مخازن البيع وأماكن السلع المدعومة، والمسعّرة فقط من وزارة الاقتصاد والتجارة؟ ومراقبة موفور السلعة وأسعارها؟ هل هناك حدود لكمّ السلع للمستهلك الواحد؟ أسئلة تتصل بشفافية آلية التنفيذ واحتمال تخزين السلع من تجار تجزئة وميسورين بقصد الاحتكار أو إعادة بيعها بسعر أعلى، أو تهريبها عبر الحدود مع سوريا. تمويل مصرف لبنان مشروط حصرًا بالاستهلاك المحلي.

المستوردون الكبار لديهم طاقة تخزين هائلة وتنتشر مستودعاتهم (معظمها ملاجئ بنايات كبيرة) في العاصمة وجبل لبنان والمحافظات الأخرى بأحدث التجهيزات ووسائل تكييف الهواء.

كل خزين السلع القديم بسعر 1515 ليرة لبنانية للدولار الأميركي طُرح للاستهلاك على أسعار دولار أميركي جديدة فوق 3 آلاف و6 و7 آلاف ليرة. الأسبوع الأول من تموز الجاري سُعّر الخزين على 10 آلاف ليرة لبنانية. من يعلم حجم خزين السلع على السعر السابق؟ خلال فترة تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية كان يعاد تأسيس الخزين السلعي على أسعار مستقبلية للعملات الأجنبية لم تتحقق بعد. لاسيمّا اليورو عملة الاستيراد الرئيسة. وحين كان سعر الصرف في اتجاه واحد كان تغيير الأسعار يتم في المخازن الكبرى على مدار النهار ودورة عمل مسائية. وكثيراً ما صدف أن يتغير السعر على الصندوق مع رمز السلع والعلامة التجارية قبل تغييره على الرفوف ليتفاجأ المستهلك حين الدفع. بعض الزبائن كان يبلّغ أن السعر الذي اشترى على أساسه تم تعديله قبل وصوله إلى الصندوق. أعداد كبيرة كانت تترك السلع وتعرض عن الشراء.. عدد كبير من المخازن الكبرى لجأ إلى إلاقفال في وجه الزبائن عصرًا وفترة بعد الظهر. كي يتسنّى لإداراتها تغيير الأسعار على سعر صرف اليوم الثاني.

لقد استُهلك خطاب "الاقتصاد المنتج" بما فيه الكفاية. دعم المواد الأولية للصناعات لاسيما الغذائية، يجب أن يكون مشروطًا أولًا بتشغيل الأيدي العاملة اللبنانية، وتنسيبهم إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتصريح عنهم بالأجور الحقيقية. وثانيًا بمراعاة المصانع شروط البيئة والصحة. وثالثًا تسعير حكومي للمنتج الصناعي المدعوم. هذا حقّ للمواطن. وإلّا فمخرجات الدعم الصناعي ستكون محدودة جدًا، وحتى سلبية في ظل الحاجة إلى العملات الأجنبية المستنزفة في سوق العمل، وتكلفة الأضرار البيئية والصحية. هذه مهمة الحكومة ووزير الصناعة ووزيرة العمل. وليست مهمة مصرف لبنان.

الدعم الحقيقي
كنّا نشتري وقتًا لاستئخار انفجار الفقاعة. وقد انفجرت. الآن نشتري وقتًا جديدًا لاستئخار الفوضى العارمة. نشتري السلع بالدولار الأخير الباقي. هذا "دعم leaks". الدعم الحقيقي الذي يؤدي أهدافه يكون في سياق إصلاح مالي واقتصادي شامل، لا يستثني القانون الضريبي، وشبكة التأمينات الاجتماعية والصحية، وبرامج التعليم، وتصحيح الأجور كل سنة في مقابل التضخم. كل العالم يتحسّر علينا ويتفجّع ويحضّنا على الإصلاح. بعد المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، جاء دور المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان ميشيل باشليه لتقول إن الوضع في لبنان يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه. ويخرج بسرعة عن السيطرة. "اللبنانيون الأكثر ضعفًا يواجهون خطر الموت بسبب هذه الأزمة. علينا التحرك فورًا قبل فوات الأوان". إلّا تماسيح المنظومة السلطوية.. في مكان آخر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها