السبت 2020/05/30

آخر تحديث: 20:43 (بيروت)

معمل سلعاتا: تكريس الفيدرالية الاقتصادية

السبت 2020/05/30
معمل سلعاتا: تكريس الفيدرالية الاقتصادية
باسيل يراهن عن مكاسب خصومه لتدعيم "حقه" في التحاصص (getty)
increase حجم الخط decrease
سريالي الى أقصى حدود ما يحصل حالياً في المشهد السياسي والاقتصادي. كلّ الصفقات تنفَّذ في وضح النهار وعلى بساطٍ مفتوح وطاولة عريضة، وليس تحت الطاولة. هل يشي ذلك  بوقاحة اللاعبين، غيبوبة الجمهور؟

جزء من كل
تأجّل انفجار قنبلة معمل سلعاتا نحو سنة، وهو الإسم المتداوَل لمشروع إنشاء معمل لإنتاج الطاقة الكهربائية في منطقة حامات العقارية. كانت تختمر طوال السنة مكوّنات الصفقة. وجاءت المتغيّرات السياسية والاقتصادية التي زادت تصدّع بنيان الدولة، لتشكّل البيئة الحاضنة لانضاج الصفقة بالنسبة للتيار العوني، المستفيد من المعمل، عبر سلسلة المخالفات القانونية التي تؤمّن للتيار مكاسب سياسية ومادية.

لكن المعمل، ليس مجرّد مشروع مربح بالنسبة للعونيين. بل هو إسفين إضافي يكرّس الفيدرالية الاقتصادية القائمة، كرمزٍ للفيدرالية الكاملة التي تجد القوى السياسية حرجاً من إعلانها رسمياً. والمعمل الذي يجهد العونيون لخلقه، هو برج اضافي يدافعون عبره عن انفسهم على غرار المعامل الأخرى التي تشكّل أبراجاً للمسيطرين عليها في الجية والزهراني.

ومعامل الكهرباء هي صورة عن الفيدرالية التي طُبِّقَت عبر تحاصص المشاريع بين الزعامات السياسية الرئيسية. وبفعل غياب طرف سياسي مسيحي "قوي" وموحّد، صار من السهل على العونيين التحدّث باسم حصة المسيحيين من تلك الفيدرالية. ونبض العونيين اكتسب قوّة من حزب الله الذي وقّع "على بياض"، لصالح المشاريع العونية في قطاع الطاقة. ولم يجد حرجاً في ذلك، فليس هو من اخترع الفيدرالية، وإن كان مستفيداً منها، ومن مصلحته استمرارها. فدعم فيدرالية العونيين التي يحمل لواءها جبران باسيل، يفيد الحزب في أمرين. الأول تعزيز الغطاء المسيحي الذي يقدّمه باسيل للحزب، والثاني تدعيم "حق" الشيعة في فيدرالية مقابلة. وإن كان حزب الله غير مستفيد اقتصادياً من الفيدرالية الشيعية، حالياً، إلا أن تغيير المعادلة مرهون بالوقت. وحزب الله يُتقِن فن الصبر والرهان على الوقت. فهو ليس بحاجة ملحّة للمشاريع الاقتصادية ولا لتوظيف جمهوره ومحازبيه، لكنه سيحتاج ذلك مستقبلاً، وتحديداً حين يتغيّر المشهد السياسي داخل البيئة الشيعية.
عموماً، فيدرالية باسيل تتحصّن بمعمل سلعاتا، على غرار ما يقدّمه معمل الزهراني والجيّة للزعامات السياسية المسيطرة في المنطقتين. وباسيل يُدرك الأمر تماماً، فهو شريك بتغذية فيدرالية خصومه ليكتسب ذريعة تعزيز فيدراليته. وما توزيع النفوذ في شركات مقدمي الخدمات وباخرة الطاقة المجانية، سوى محاولات لاكتساب شرعية المطالبة بفيدرالية باسيلية.

التوقيت السيّئ
المُقلق في الفيدرالية العونية - الباسيلية، هو توقيتها. فالظروف التي تمر بها البلاد لا تحتمل تصدّعات إضافية في بنية النظام المهترىء الآيل للسقوط النهائي في أي لحظة. كما أن الإصرار على معمل سلعاتا بالمعطيات المطروحة، يتناقض مع سعي الحكومة لتبييض صفحتها أمام المجتمع الدولي، وكسب المساعدة من صندوق النقد. وهو ما أوقع رئيس الحكومة حسان دياب في مأزق ليس سهلاً الخروج منه، خاصة وأن رئيس الجمهورية ميشال عون بات طرفاً في المعادلة لصالح باسيل، بعد أن طلب إعادة تفعيل خطة الكهرباء، ومن ضمنها مشروع سلعاتا.

وهنا، أوقع عون نفسه في مأزق. فإن كان لا يُدرك خفايا مشروع سلعاتا، فتلك مصيبة، وإن كان يدرك، فالمصيبة أكبر. والإدراك ليس صعباً، فكل التفاصيل باتت علنية و"المدن" نشرت منذ العام الماضي تفاصيل الصفقة ومخالفاتها، وأصبحت الأمور تُرى من الغربال، ومن لا يرى من الغربال، فهو أعمى أو مستفيد.
مأزق عون، لا يجب أن يبرر إيقاع دياب نفسه في المأزق عينه. فهو ترأّس الحكومة بوصفه رئيساً مختلفاً عن نظرائه السابقين. وهو يقول إنه صوت انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، والمُكافِح ضد الفساد عبر حكومة تكنوقراط... فيما الحقيقة عكس ذلك تماماً، فهو مذ أتى، لم يملك قراراً مستقلاً، ووزراؤه سياسيون بامتياز، أما الفساد، فازداد في عزّ حاجتنا لخفض معدلاته، إن تعذّر وقفه كلياً.

يبدو أن مشروع سلعاتا يتّجه نحو خواتيمه السعيدة باسيلياً، وسط عدم فاعلية الاعتراض الذي لا يتعدّى محاولة الخصوم منع استفادة باسيل، لا منع الفساد. فالخصوم لا يريدون توسيع نفوذ باسيل ويستعملون الثغرات القانونية التي يحملها مشروع المعمل، لاستهداف باسيل. وهذا ليس خافياً على الأخير الذي يشق طريقه بقوة نحو فيدرالية اقتصادية محمية بقوة سياسية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها