الثلاثاء 2020/11/24

آخر تحديث: 17:56 (بيروت)

وحشة العقوبات: رجال الأعمال المسيحيين ينفضّون من حول باسيل

الثلاثاء 2020/11/24
وحشة العقوبات: رجال الأعمال المسيحيين ينفضّون من حول باسيل
خيّم الصمت المطبق على معظم قيادات التيار العوني (Getty)
increase حجم الخط decrease

كما يبدو، ووفقاً لجميع المصادر، لن تكون العقوبات على جبران باسيل آخر المطاف في مسار الضربات الموجعة التي توجّهها الولايات المتحدة الأميركيّة لبعض أقطاب الحكم في لبنان، خصوصاً بعد أن بات واضحاً أن هذه العقوبات وطبيعة الأطراف التي تستهدفها لم تعد تتصل بعلاقات المستهدفين الماليّة مع حزب الله فقط، كما كان يجري في العادة. بل صارت ترتبط بالأدوار السياسيّة المحليّة التي يؤدّيها هؤلاء. بمعنى آخر، باتت الوظيفة التي تؤدّيها هذه العقوبات على المستوى اللبناني تتجاوز تطويق حزب الله ماليّاً واقتصاديّاً، وأصبحت تستهدف التأثير على أداء الأطراف المختلفة، ومكانها في المعادلة السياسيّة. وبالفعل، يبدو أن أثر هذه العقوبات لن ينحصر في التضييق على الحركة الماليّة للمستهدَفين، بل سيحدث تغييرات كبيرة على الخريطة السياسيّة اللبنانيّة، سواء من ناحية نفوذ الأطراف المستهدفة، أو من ناحية مواقفها السياسيّة والأدوار التي تضطلع بها.

من ناحية القوى السياسيّة، ومن بين كل الذين وردت أسماؤهم على لوائح العقوبات، يبدو جبران باسيل المتضرّر الأكبر، سواء من ناحية علاقته بالمحيطين به، أو من ناحية علاقته مع شارعه. ببساطة، يمكن القول أن ما جرى سيمثّل ضربة كبيرة لمشروعه السياسي، إن لم يتمكّن من لملمة هذه الأزمة التي ألمّت به قريباً.

سم العقوبات في دسم السلطة
في خضم الانتخابات النيابيّة الماضية، قدّم الثنائي الشيعي "لبن العصفور" لجبران باسيل، من أجل الحصول على المقعد الشيعي في قضاء جبيل، كجزء من لائحة واحدة مع التيار الوطني الحر. كانت الأرقام تدل بوضوح إلى أنّ حزب الله وأمل سيعانيان لتأمين الحاصل الانتخابي بمفردهما، فيما كان الثنائي يجهد لوضع اليد على جميع المقاعد الشيعيّة على امتداد لبنان. في عزّ المفاوضات، اتضح سريعاً أن تعنّت باسيل لم ينطلق من الطمع بالمقعد نفسه، خصوصاً أن الثنائي قدّم ما يكفي من مغريات مقابل المقعد، بل انطلق هذا التعنّت من اعتبارات أخرى: لم يكن الرجل قادراً على إقناع بعض مكوّنات لائحته بالمشاركة في الانتخابات على لائحة واحدة مع حزب الله، بسبب ارتباط هؤلاء بأنشطة تجاريّة دوليّة، قد يشوّش عليها الارتباط بحزب مدرج على لوائح العقوبات.

في ذلك الوقت، كانت تلك التطوّرات مجرّد إشارة لجبران باسيل، إلى أن الارتباط بالحزب المحاصر دوليّاً، له كلفته على قدرته في التوسّع. حتّى الياس بو صعب، الآتي من خلفيّة قوميّة سوريّة مقرّبة من حزب الله، كان يستنفر وينفي بانفعال كلما كان يُتهم باستعمال حفلات زوجته جوليا بطرس لتقديم التبرعات للحزب. فبو صعب، كمعظم رجال الأعمال الذين داروا في فلك باسيل خلال الفترة الماضية، يملك بدوره مصالحه وأعماله في دول الخليج وغيرها، وتهمة الاتصال ماليّاً بالحزب، المطوّق بشتّى أنواع العقوبات واللوائح السوداء، ستمثّل ضربة قاضية لكل تلك المصالح والأعمال.

اليوم، لم تعد مشكلة باسيل تحالفه مع الحزب المحاصر، بل أصبح هو نفسه موضوع العقوبات واللائحة السوداء. وتطوّرٌ من هذا النوع سيعني الكثير على صعيد قدرته على نسج تقاطعات المصالح بين رجال الأعمال المقرّبين منه وتوسّع نفوذه السياسي. فطوال الفترة الماضية، توسّعت حلقة رجال الأعمال المحيطين بباسيل، الطامعين بمنافع العهد والسلطة وبمشاريع سيدر. لا، بل الطامعين أيضاً بحقبة التصحيح المالي، وما سيرافقها من مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكنّ الدسم الذي تقدّمه السلطة والنفوذ لكل هؤلاء، بات يختلط بسم العقوبات، القادرة على إنهاء المستقبل التجاري لأي رجل أعمال تطاوله. وبطبيعة الحال، لن يرغب أي رجل أعمال بالخروج من النظام المالي العالمي، ليمارس التجارة في عالم الظل والأسواق السوداء، إذا ما رغبت الإدارة الأميركيّة باصطياده بشحطة قلم في لوائح العقوبات المقبلة. مع العلم أن تركيز العقوبات على مسألة الفساد، وطبيعة المشاريع التي تورّط بها باسيل خلال السنوات الماضية، أصبحت فكرة مرعبة لكل رجال الأعمال المحيطين به، كون تركيز العقوبات بات يتصل بأعمال هم علاقة مباشرة بها، ولم يعد يقتصر على الأنشطة المرتبطة بتمويل حزب الله، التي لطالما ابتعدوا بأنفسهم عنها.

الأثر في الشارع المسيحي
ما سيطال باسيل على مستوى علاقته بطبقة رجال الأعمال المقرّبين، سيطال كل من طاولته العقوبات حتّى الآن، ومن ستطاله في المستقبل. لكنّ أزمة العقوبات على جبران باسيل تحديداً سترتبط بحساسيّة استثنائيّة على مستوى علاقته بالشارع المسيحي. فهذا الشارع بالذات مازال يدرك حتّى الآن خصوصيّة النفوذ المسيحي في النظام الاقتصادي اللبناني، وتحديداً في كل ما يتعلّق بالمصارف والوكالات الحصريّة. ومن هنا، يمكن فهم ردود فعل القوى السياسيّة الوازنة في الشارع المسيحي التي رفضت فكرة الاتجاه شرقاً، يوم جرى طرحها من قبل بعض قوى الممانعة، بما فيها بعض القوى السياسيّة المسيحيّة الحليفة لمعسكر الممانعة. كما يمكن من هذه الزاوية فهم موقف البطريركيّة المارونيّة، التي تحسست من بعض الأفكار التي يمكن تمس بشكل من الأشكال بملكيّة الأسهم في النظام المصرفي اللبناني.

هذه الحساسيّة، المتصلة بموقف الشارع المسيحي من العلاقة الاقتصاديّة مع الغرب، ستمثّل من دون أدنى شك عبئاً إضافياً على باسيل، التي ستضعه العقوبات في خانة الخندق الخارج عن المنظومة الاقتصاديّة العالميّة. أمّا موقف البطريركيّة المارونيّة، والذي يتحدّث عن الحياد بوصفه بديلاً عن سياسة المحاور التي تربطها البطركيّة ببعض نواحي الأزمة، فسيمثّل أيضاً عبئاً إضافياً على باسيل، الذي صنّفته العقوبات في المحور الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركيّة فرض قطيعة اقتصاديّة عليه. باختصار، بات جبران باسيل في موقع لا يُحسد عليه، ليس من ناحية علاقته بالنافذين ماليّاً الذين كانوا يُحسبون عليه، بل أيضاً من ناحية علاقته بالبيئة التي كان يستهدفها التيار الوطني الحر في خطابه السياسي، والتي تُعد معقله الانتخابي التقليدي.

ضربة داخل التيّار
منذ أن خرج خبر إدراج اسم باسيل على لوائح العقوبات، خيّم الصمت المطبق على أجواء الكثير من رموز التيار والقياديين فيه. وهو ما كان مستغرباً، خصوصاً من ناحية عدم تعليقهم على ضربة كبيرة أصابت رأس حزبهم السياسي. بعض هؤلاء، هم ببساطة من الفئة التي تتقاطع مصالحها واعتباراتها مع مواقع النفوذ الكبيرة في النظام المالي. وهؤلاء تحديداً هم من الممتعضين منذ زمن من عدم مبادرة التيار إلى استباق مخاطر كهذه، عبر مواءمة اعتبارات التيار المحليّة مع حسابات الولايات المتحدة وأولوياتها على مستوى المنطقة.

تعتبر هذه الفئة أن جبران باسيل ذهب بعيداً في المناورة مع القوى العظمى. وها هو يدفع بالتيار إلى تحمّل وزر مواقفه والعقوبات التي طالته، كون أي عقوبات تطال أعلى موقع في التيار ستصيب حكماً موقع التيار ودوره في المعادلة المحليّة. أما البعض الآخر من الصامتين، فليسوا سوى من الممتعضين من طريقة تعامل باسيل مع الكثير من مشاريع الدولة وملفاتها الماليّة، ومن بينها بعض الملفات التي تحدّثت عنها الإدارة الأميركيّة نفسها. وبنظر هؤلاء، لا يوجد ما يمكن قوله للدفاع عن باسيل في هذه الملفات. وأخيراً، ثمة من يملك حساباته التنظيميّة العالقة مع باسيل، منذ وصوله إلى أعلى الهرم في التيار، وها هي العقوبات تأتي لتمثّل ضربة معنويّة قاسية لشخصه ومستقبله، ولطموح وراثة الزعامة العونيّة.

في الخلاصة، يدرك باسيل نفسه أن مرحلة ما قبل الدخول في قائمة العقوبات غير مرحلة ما قبلها، خصوصاً كونه يعلم أن الخروج من هذه القائمة ليس بسهولة الدخول فيها، حتى لو تغيّرت الإدارة الأميركيّة وأولوياتها. وطريق الخروج من القائمة، قد تستلزم الذهاب إلى القضاء الأميركي، حيث تُفتح الملفّات على مصراعيها وينقّب القضاة في معطيات الإدارة الأميركيّة ووثائقها، وهذا ما لا يريده باسيل حكماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها