الجمعة 2020/01/24

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

الدعم في "الحُضن الأميركي"

الجمعة 2020/01/24
الدعم في "الحُضن الأميركي"
مصرف لبنان يحتاج إلى إعادة هيكلة لمعرفة حجم خسائره (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

يذهب لبنان على قدميه مطواعًا إلى المجتمع الدولي لمساعدته على الخروج من هوّة سحيقة في المال والنقد والاقتصاد. ومعه حزمة من الأزمات الاجتماعية تختصر أزمة معيشية باتت تخرج يومًا بيوم عن حدود السيطرة. أسقط الأمر في يدنا. ما كان متاحًا بتكلفة أقلّ في 2019 و2018 بات شبه مستحيل الآن. المجتمع الدولي يعني في المقام الأول الولايات المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي في المقصورة الخلفية. والدول العربية والخليجية تحديدًا التي اعتادت على تقديم الدعم أصبحت بدورها في منظومة المجتمع الدولي.

انتهى عصر المال السهل والودائع في مصرف لبنان والقروض الميسّرة الاستثمارية. ولو كان صندوق النقد الدولي من بين الخيارات المطروحة بالأمر الواقع، سيكون الصندوق في الإطار نفسه. وعند المديرين التنفيذيين وأصوات الدول الصناعية المرجّحة بالأسهم. الصناديق العربية الانمائية كذلك تعمل بإيحاءات مُرسمليها دول الخليج العربي. هكذا أصبح حال "شعب لبنان العظيم" و"الجمهورية القوية" في مئوية لبنان الأولى. كنّا نتخيّل السقوط المدوّي دفعة واحدة. المشهد كان يشي بذلك منذ عقود. تظهّر لذوي الأبصار حين غادرنا دولة الدستور والقانون والمؤسسات إلى الدولة الفاشلة القاعدة من العمل. وركّبنا المؤسسات القيادية والسيادية وشاغليها على هذا النحو. توقفت لعبة الطرابيش التي يسّرتها التدفقات النقدية من الخارج. نضبت التدفقات فجفّت المواسير. سقط نموذج الريوع والزبائنية السياسية فأُسقط في أيدينا. الملكية الفردية وحق التصرف بالمال ما عاد في مقدمة الدستور. ولا حلّ مكانهما قانون ولا تدبير لمجرّد تنظيم الفوضى. الحكومات المستقيلة لا تصرّف الأعمال. والحكومات البديلة أشبه بمعجزة. "نريد هذه الوزارة وتلك. هذا الوزير وذاك. هي حقوق الطائفة والميثاقية". يستمر البلد في الانهيار. ويستمرون في الإفك والنقيصة. والشعب في الشارع يدفعونه إلى العنف دفعًا. ويكيدون له لتشويه ثورته السلمية. فتولد حكومة غير التي طالب بها من مستقلين واختصاصيين للإنقاذ. ويقول رئيسها وبعض وزرائه أن "اعطونا فرصة لتحكموا علينا". وبعضهم في إطلالة أولى يشكر زعيم الطائفة على توزيره "توكيدًا لاستقلاليته واختصاصه أيضًا".. والقضية في مكان آخر. نريد المال الآن. الأوكسجين للتنفس. والمضادات الحيوية لوقف تفشي الداء ليتحوّل وباء. والمال في المكان الوحيد الباقي المجتمع الدولي بما فيه دول الخليج العربية. والحسابات هناك ليست مالية ولا اقتصادية. جيوسياسية على وقع حسابات دقيقة وصراع الولايات المتحدة وايران.

واشنطن أو طهران!
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي تمسك بلاده بمفتاح الدعم الدولي والعربي، وبصندوق النقد والمصرف الدوليين، بشّرنا بـ"أزمة مالية رهيبة أمام لبنان في الأسابيع المقبلة". كان يرد على سؤال "بلومبيرغ" عن مدى استعداد الحكومة الأميركية للعمل مع حكومة جديدة لديها علاقات بـ"حزب الله". الولايات المتحدة مستعدة لتقديم الدعم لحكومة تلتزم الإصلاح وليست فاسدة، قال بومبيو. توأم بين احتجاجات الشعب في بيروت وبين احتجاجات بغداد. "ليست احتجاجات بغداد ضد أميركا، بل للسيادة والحرية. الاحتجاجات في لبنان تقول لـحزب الله كفى". أضاف بومبيو. "إكتمل طوق الياسمين" على عنق لبنان. واشنطن تحصر مطالب الشعب اللبناني بـ"لا" لـ"حزب الله"، والحزب وطهران يتهمان الثورة بالولاء لواشنطن والسفارات. أمّا الكلام عن أحقية المطالب لـ"التقيّة" فقط. حكومة الدكتور حسّان دياب فيها كفايات جيدة وتريد النجاح في مهمتها. لكن في معظمها ليست مستقلة عن المنظومة السياسية الأوليغارشية. أي النظام السياسي والمنظومة الطائفية الفاسدة. وقد كان منع الانهيار والعودة إلى مسار النمو واسترداد حقوق الدولة شأنًا متاحًا في 2018 وتمسّكت المنظومة بنهجها، وباستحصاص المنافع الوزارية ساعات قبل تأليف الحكومة. "حزب الله" الذي لعب الدور الأساس في تأليف الحكومة يريد نجاحها أيضًا. هي حكومته أولًا وأخيرًا. لكن هل يقرر مرة أخيرة اعتبار إنقاذ لبنان أولوية على المشروع الاقليمي الذي ترعاه طهران لينأى بلبنان ساحة صراع بين طهران وبين واشنطن؟ هذا هو السؤال والتحدّي الذي يواجه الحكومة الجديدة.

عقبات الدمج
يحتاج لبنان فورًا لوقف الانهيار الشامل إلى دعم في صرف الاعتبار عن طبيعته لا يقلّ عن 15 مليار دولار أميركي في المرحلة الأولى، وفقًا لأكثر من مرجع مالي، كي يتفادى إعلان التوقف عن الدفع. المصارف تحتاج بدورها إلى إعادة رسملة ليست واضحة قبل دراسة أوضاعها. ومصرف لبنان يحتاج إلى إعادة هيكلة لمعرفة حجم خسائره. رئيس الحكومة الجديدة نفى أن يكون هناك قرار بـ"إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حاليًا". هذا شأن الحكومة في صرف النظر عن حصة سلامة في الأزمة ومسؤوليته المباشرة فيها. إقالة سلامة لا تعني فراغًا في مصرف لبنان فقط في ظل شغور أربعة مراكز في المجلس المركزي للمصرف منذ انتهاء مدة نواب الحاكم الأربعة في نهاية آذار 2019. بل وفي الهيئة المصرفية العليا، والهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، وهيئة الأسواق المالية وكل "ما سقط عفوًا أو سهوًا" من مؤسسات يرأسها وأخرى مهمة جدًا يشرف عليها وتلتزم توجهاته العامة. لكون مصرف لبنان يملكها أو يحوز أسهمًا فيها (الميدل إيست، وإنترا وكازينو لبنان وخلافها). مرسوم الحكومة الجديدة الأول المفترض بعد نوالها الثقة تعيين نواب حاكم مصرف لبنان. هنا ليسمح لنا رئيس الحكومة القول إنّك في اختبار جديد لتأتي بنواب حاكم من خارج قناصل الطوائف و"الميثاقية الملعونة" لأن المهمّات التي ستوكل إليهم نحسبها جسيمة في ظرف عصيب. الكلام نفسه لوزير المال الدكتور غازي وزني. هو من يقترح الأسماء بموجب قانون النقد والتسليف. سلامة الذي استعصى تغييره على رئيس الجمهورية ميشال عون وعلى "ميثاقية جبران باسيل"، مطلوب أن يكون موجودًا في هذه الحُقبة العصيبة لتفكيك "حجارة البازل البركانية، وكلمات الهندسات المالية المتقاطعة، وأحجيات هند بنت النعمان للحجّاج بن يوسف الثقفي"!

لا يبدو تحريك دمج المصارف ميسورًا كمشروع حل بالأمر الواقع. المشروع يطرح سؤالًا عن مصدر قرض الدمج الميسّر الذي يمكن لمصرف لبنان تقديمه للمصرف الدامج جزءًا من أهمّ الحوافز لإتمام العملية. معظم عمليات الدمج التي تمّت بموجب قانون تسهيل اندماج المصارف الصادر في 1993، جاءت على خلفية قرض الدمج المذكور. واضح أن مصرف لبنان تراجعت قدراته لتوفير الحافز. بينما قد تكون الحاجة ازدادت لمثل هذا الحلّ.

قُضي الأمر. الدعم في الحضن الأميركي. هل هذا ما يريده "حزب الله"!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها