الجمعة 2019/08/23

آخر تحديث: 07:09 (بيروت)

التصنيف صدر وأُفهم علنًا

الجمعة 2019/08/23
التصنيف صدر وأُفهم علنًا
لا يريد الحكم والحكومة أن يفهما أن مصرف لبنان بات كالقابض على الجمر (دالاتي ونهرا9
increase حجم الخط decrease
صدر تصنيف ستاندرد أند بورز لبنان في خانة CCC. أرجأت الوكالة إعلان القرار أم ثبّتته. تدخلات من هنا، وشفاعات من هناك لغوٌ خارج المكان والزمان. والمرآة لا تعكس سوى الصورة المرئية. الشهور الستة التي قيل إنها مهلة الوكالة للحكم والحكومة في لبنان لتجميل الصورة، هي فترة سماح سياسية جديدة تناولناها قبل شهور. هكذا تعاطى أركان مؤتمر سيدر مع موازنة 2019 وغياب اجراءات الاصلاحات التي تعهدّها لبنان لقاء تعهدات سيدر. الفترة كافية لظهور نتائج تقديرات موازنة 2019، ومسار موازنة 2020 والاصلاح العاثر. وعلى وقع هذه المعطيات، ستتعامل الأسواق المالية مع أوراق الدين السيادية التي خسرت مسبقًا الأسبوع الماضي المزيد من قيمتها أصلًا، وارتفعت الفوائد عليها مع ارتفاع التأمين ضد مخاطرها. ستاندرد أند بورز أبلغت زبائنها حاملي السندات اللبنانية الأجانب بواقع الحال. وسيتصرفون على هذا الأساس. وأبلغت مسؤولينا بواقع حالنا. ترى كيف سيتصرفون؟

التصنيف يبدّل أولويات سيدر 
لا يمكن دول مؤتمر سيدر ووكالاته وصناديقه أن تتجاهل التصنيف. لو تمّ التصنيف إلى C ثلاثية، هناك سؤال ما اذا كانت التعهدات ستصل الى لبنان. الأهمّ من ذلك، أن سيدر الذي قرر تعهدات للبنان في 2018 إنما بنى قراراته على تصنيف B- الذي يضع لبنان في خانة المخاطر عن سداد الديون، وليس CCC التي تنقله الى درجة المخاطر المرتفعة. وبالتالي فإن التصنيف الجديد لو صدر رسميًا، ليتطابق مع تصنيف موديز، كان لينقل لبنان الى مرحلة جديدة تستلزم أولويات من نوع آخر، تتعلق بالإنقاذ لدرء إفلاس الدولة قبل مشاريع البنية التحتية. وعلى جاري العادة تتبع الأسواق تصنيفين من ثلاثة لوكالات التصنيف الرئيسة. الثالثة فيتش، غالبًا ما تقتفي الأثر.

المصرف الدولي الشريك الرئيس في سيدر، لديه معايير للتعامل مع الدول. قصور لبنان في تصحيح أوضاعه المالية والإقتصادية من خلال اصلاحات جِدّية، يخالف معايير المصرف ومعه صندوق النقد الدولي. أمّا دول سيدر الأوروبية التي بالكاد نفذت من تداعيات الركود الاقتصادي والأزمات المالية، فلديها حساباتها الداخلية أيضًا في التزاماتها المالية تجاه الدول الأجنبية، وسط تنامي موجة الشعبوية والقومية اليمينية، وانحسار نفوذ الأحزاب الليبرالية واليسارية منذ الأزمة المالية 2008. مؤتمر سيدر كان نسخة أولى بعد الأزمة توفر فيها الدول الأوروبية قروضًا ميسرة ومساعدات من خارج حُزم الدعم التي قُدمت لليونان والبرتغال وقبرص وأسبانيا، بعدما واجهت منطقة اليورو أزمة عاتية، كادت تطيح اتفاق ماستريخت وركائز المنطقة. والدول العربية الخليجية المشاركة في سيدر تتحيّن لحظة سياسية لم تثمر بعد. 

ردة فعل الحكم
ماذا حصل عندنا بعد دقائق من إرجاء قرار ستاندرد أند بورز؟ اجتماع مسائي في منزل رئيس الحكومة. لتطبيق التعيينات القضائية على أنغام البزق الباسيلي، ومن خارج مؤسسة مجلس الوزراء "ليصادق على صحة التواقيع". المجلس الدستوري، والنائب العام التمييزي، ومجلس شورى الدولة وغيرها من المراكز القضائية التي لا تقوم دولة من دونها. ما نزال نبحث عن الرجل في هذا القضاء للدفاع عن سمعة العدل والقضاء والقاضي في لبنان. القضاء سلطة مستقلة، وهناك فصلٌ بين السلطات. وفي كل يوم فصلٌ من فصول العدوان على استقلال القضاء وفصل السلطات. نريد هذا الرئيس للمجلس الدستوري. وذاك عضو في المجلس. يتم اختيار الأعضاء في مجلس النواب، ويستكمل في الحكومة على قاعدة أصوات الأعضاء المرجحًة لانتخاب هذا الرئيس من دون غيره. أي استقلال لقضاء تعينه السلطة السياسية، وتحدد رواتب القضاء، وتتدخل في المناقلات القضائية وتشكيلاتها؟ فيكتمل طوق تكبيل القضاء والقاضي والعدل، اداريًا وماليًا وعملانيًا. القاضي الرجل الذي ننتظره، هو ذاك الذي يعلن للملأ مرة واحدة إننا نرفض الطوق السياسي على عنق القضاء والقاضي. لم يبق صعلوكٌ لم يلُك سمعة القضاء وقضاته. كيف يمكن ان تلد منظومة سياسية فاسدة قضاء نزيهًا وقضاةً نزهاء؟ وقد أقسموا على تحقيق العدالة للناس وتوزيع الحقوق ثوابًا وعقابًا؟ والنقيصة، أن تعيين القضاء ليس من مؤسسة السلطة السياسية الدستورية سوى في الشكل. الواقع من المؤسسات الحزبية لرجال السلطة. 

هذه هي اللحظات الأولى التي عقِبت تصنيف ستاندرد أند بورز وفترة السماح السياسي. ماذا يريد الحكم والحكومة ومجلس النواب أكثر من ذلك لتأبيد الأزمة، والمضيّ في نفخ كرة النار والذهاب بنا الى الهاوية؟ في هذا المناخ تصبح الكسّارات التي اجتاحت جبالنا، وقضمت بوحشية بقعًا جميلة منه، لها حقوق على المواطن البائس وعلى  خزانته الأبأس. وقد عبّ أصحابها من المال، وعبّأوا في سنوات الحرب مع شركائهم من نظام دمشق، مئات ملايين الدولارات الأميركية. وتتجرأ دولة الكسّارات الآن على دولة لبنان. تطالبها بدفع 219 مليون دولار أميركي مع فوائدها وغرامة إكراهية من خلال مكتب محاماة أميركي. 

إيّاكم وسعر الصرف!
نكتب قبل انتهاء جلسة مجلس الوزراء الأخيرة. سيتحاشى المجلس التطرق الى تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان. وقد  بات معلومًا أن الخلاف يدور على اسم نائب الحاكم الثاني. علمًا، أن هناك أسماء مقبولة لهذا المركز لا تشكل استفزازًا لفريق من دون الآخر. والمجلس المركزي في المصرف سلطة القرار، عاطل من العمل منذ نحو خمسة أشهر. والدولة باتت ترحّل أعباءها المالية الى المصرف. وهو مؤسسة النقد وليس بيت المال. ولا يريد الحكم والحكومة أن يفهما أن مصرف لبنان بات كالقابض على الجمر. تثبيت سعر الصرف مع استنفاد الذخائر لديه من جهة، ومُقرض الدولة من جهة أخرى. وكل عملة جديدة تصدر عن مصرف لبنان في السياق المذكور، إنما تُفرغ المال والنقد من روحه ونبضه. ومن قوتيه التبادلية والشرائية. ومن عملة مغرية للادّخار. ونقترب أكثر فأكثر من تسعيرتين للدولار الأميركي عمليًا في العلاقة مع المستهلك وسوقي التجزئة والجملة. فحين قررت ادارة الجامعة الأميركية في بيروت الدولار الأميركي عملة لتسجيل الطلبة والسداد، كانت إشارة الى الآتي على سبيل الحيطة. شركات المحروقات الملزمة استيرادها بالعملات الأجنبية والبيع بالليرة اللبنانية بحسب جدول تركيب الأسعار، بدأت بالتحرك لعلّة الحصول على العملات على أساس متوسط سعر الصرف. يا جماعة، كل شيء قابل للسيطرة نسبيًا إلاّ فلتان سوق القطع. مواسير العملات الأجنبية جفّت، يقول ميزان المدفوعات. وكالات التصنيف وسيدر والعالم كله يعلم الدّاء والدواء. كل التقارير بنيت على هشاشة الدولة، وتجاوز الدستور والقوانين، والفساد السياسي وانعدام الثقة. قادرون على الخروج من هذا الثقب الأسود، أو نذهب الى التهلكة. مأساتنا الحقيقية أن "الشعب خارج الخدمة. والجمهورٌ غفورٌ رحيم". تصنيف ستاندرد أند بورز صدر وأُفهم علنًا. تدبّروا!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها