الأحد 2019/02/17

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

تحذير دولي من فساد "ماكينزي" صاحبة خطة إصلاح اقتصادنا

الأحد 2019/02/17
تحذير دولي من فساد "ماكينزي" صاحبة خطة إصلاح اقتصادنا
أسلوب عمل ماكينزي انطوى على أشكال مختلفة من الفساد والصفقات غير المشروعة والخطط الوهمية (الإنترنت)
increase حجم الخط decrease
خلال إحدى ندوات مؤتمر دافوس، مؤخّراً، توجّهت المديرة العامّة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، بتحذير فريد من نوعه للدول الفقيرة، يتعلّق بطبيعة عمل الشركات الاستشاريّة، التي تهدر الملايين من الدولارات في خططها وتوصياتها، بينما يمكن الحفاظ على هذه الأموال، لاستخدامها بشكل أجدى في تحقيق التنمية المستدامة. وكانت لاغارد قد استبقت حديثها هذا، بالتوجّه تحديداً إلى مندوبي شركة ماكينزي، ومجموعة بوسطن للاستشارات، لتطلب منهم التركيز جيّداً على كلماتها، التي ستوجّه رسالة ترتبط بطبيعة عملهم.


الخفة والسطحية
أمّا في لبنان، فتتشكّل اليوم حكومة ببيان وزاري، يسلّم مسبقاً بنتائج دراسة ماكينزي، بينما يتكرّر ذكر الدراسة على لسان الوزراء، وكأنها خارطة طريق سحريّة لا نقاش فيها. بينما كان من المفترض أن يثير تحذير لاغارد قلق المسؤولين لدينا، خصوصاً أنّه يأتي اليوم من مؤسسة دوليّة، تشجّع عادةً على التعاون مع القطاع الخاص والاعتماد على خدماته. مع العلم أنّ دراسة ماكينزي للبنان نفسها، كانت عرضة لانتقادات كثيرة، بسبب أسلوبها التبسيطي، والبعيد عن معالجة جوهر الأزمة.

في الواقع، تأتي هذه الانتقادات، وتحذيرات لاغارد، في سياق تاريخ طويل لهذا النوع من الخدمات الاستشاريّة في الدول النامية، عنوانه الخفّة والسطحيّة في التعاطي مع المشاكل، وهدر المال في الدراسات، التي لم تنتج حلول فعليّة.

في العالم العربي: تتبع "ورثة العروش"
ففي العالم العربي، تخصّصت الشركة في تتبّع أبناء الزعماء العرب، الراغبين بحمل خطط وسياسات، ذات عناوين برّاقة، تؤهّلهم لوراثة عروش آبائهم. وعلى هذا النحو عملت ماكينزي مع أحمد علي عبد الله صالح –نجل الرئيس اليمني السابق- على صياغة "أولويّات للإصلاح الاقتصادي"، لتكون بمثابة رؤية اقتصاديّة يحملها نجل الرئيس الشاب. كما عملت الشركة مع سيف الاسلام القذافي – نجل الزعيم الليبي معمّر القذّافي- على وضع خطط "لإعادة تشكيل اقتصاد البلاد". وهو ما تمّ تسويقه على أنّه أحد المشاريع المبهرة، التي سيعمل عليها نجل الزعيم الليبي.

وفي الحالتين، لم تبصر اليمن أو ليبيا أي أثر لهذه الدراسات، التي تم تسويقها بإتقان. وقد تبيّن بعد إعدادها أنّها كانت مجرّد وصفات منسوخة، غير قادرة على التعاطي مع المشاكل الفعليّة في هذه البلدان، حيث تم استعمال هذه الخطط فقط لتسويق صورة أبناء الزعماء، بوصفهم إصلاحيين طموحين. وهذا ما جرى بالضبط أيضاً في مصر، بعدما عملت الشركة مع جمال حسني مبارك، على صياغة خطط إصلاحيّة لقطاعات ووزارات عدّة، تبيّن فيما بعد أنّها لم تحمل أي تطوير فعلي.

آخر صفقات ماكينزي كانت مع ولي العهد السعودي، الذي باعته رؤية 2030، بعدما عملت خلال السنوات الماضية على صياغة خطط مشابهة، لكل من البحرين والإمارات. وقد تم انتقاد هذه الرؤية من قبل عدد كبير من الخبراء لاحقاً، ما دفع الشركة إلى التنصّل منها. فالرؤية التي تدفع باتجاه خصخصة قطاع النفط، لم تحمل تصوّراً واضحاً لطبيعة الصناعات التصديريّة، التي يُفترض أن تحل مكان النفط في المستقبل، خصوصاً أن المملكة مليئة أساساً بالعشرات من المشاريع والمدن الكبرى الفاشلة، التي يقف خلفها جيش كبير من الاستشاريين. لكنّ الانتقاد الأهم لماكينزي ارتبط بإسلوبها في توظيف أبناء المسؤولين وأصحاب النفوذ، من أجل الاستفادة، وتوسيع حجم أعمال الشركة في المملكة.

صفقات فاسدة
الإشكاليّة في عمل ماكينزي، والشركات الاستشاريّة الشبيهة، لا تكمن فقط في نوعيّة الدراسات والخلاصات غير المجدية، بل أيضاً في أسلوب عملها، الذي انطوى على أشكال مختلفة من الفساد والصفقات غير المشروعة. ففي جنوب أفريقيا مثلاً، استفادت ماكينزي من وجود عائلة غوبتا في السلطة، للحصول على عقود استشاريّة مع عدد من الشركات المملوكة من قبل الدولة، من بينها إسكوم وترانسنيت. وقد خلصت هيئة الإدعاء الوطني لاحقاً سنة 2018، إلى أنّ المدفوعات التي تمّت لصالح ماكينزي لم تكن قانونيّة، وشملت جرائم الاحتيال والسرقة والفساد وغسيل الأموال.

لاحقاً، اعترفت ماكينزي بوجود انتهاكات لمعاييرها المهنيّة، في الممارسات التي قامت بها في جنوب أفريقيا. وباشرت بعدها، مفاوضات مع هيئة الإدعاء الوطني لإعادة المبالغ المدفوعة لها. وقد أكّدت لاحقاً، شركة إسكوم أنّها تلقّت من ماكينزي مبالغ ماليّة، تشكّل جزءاً من المبالغ التي تقاضتها ماكينزي سابقاً، في إطار عقود انطوت على فساد وممارسات غير مشروعة.

"أعلام حمراء"
في علم الإدارة والحوكمة، تُستعمل عبارة "أعلام حمراء" (Red Flags)، للإشارة إلى عوارض معيّنة يُفترض أن تنبّهنا إلى ممارسات مضرّة أو غير مشروعة. فنحن أمام شركة امتهنت في الدول النامية الوصول إلى مراكز النفوذ، لعقد الصفقات الاستشاريّة، التي لم تنتج ما وعدت به من عناوين برّاقة. لا، بل كانت الأداة المثلى للسلطات المختلفة، لتسويق نفسها، بوصفها صاحبة مشاريع كبرى واستراتيجيّة، من دون أن يقترن ذلك بأي إنجاز. كما أننا أمام شركة تملك سجلاً معتبراً في مجال الصفقات غير المشروعة، فكيف لا يثير ذلك حذرنا، في بلد تملك السلطة فيه أيضاً سجلّها الطويل في مجال الصفقات، والعناوين الكبيرة، التي لا تنتج شيئاً؟

أمّا التخوّف الأبرز من ماكينزي، فيكمن تحديداً في طبيعة التوجّهات الاقتصاديّة، التي تحمل الوصفات المعلّبة ذاتها، التي تنادي ببيع قطاعات الدولة، كأسلوب وحيد للتخلّص من الأزمات. بينما ستشرف على هذه التوجّهات طبقة سياسيّة، تملك خبرتها الوازنة في مجال الاستفادة من عقود الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص، لإحتكار الإمتيازات والمنافع وتقاسم مقدّرات الدولة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها