الجمعة 2019/12/20

آخر تحديث: 00:26 (بيروت)

الرئيس و"الممانعون" ومهمّة الإنقاذ

الجمعة 2019/12/20
الرئيس و"الممانعون" ومهمّة الإنقاذ
قد تقدّم الحكومة بعد تأليفها رؤية إنقاذية. لكنها لن تكون قادرة على تنفيذها (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

يُفهم من إصرار "الحلف الممانع" على رفض تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين عن كل أحزاب السلطة وبرئاسة الدكتور حسّان دياب، أن الحلف هو الفريق السياسي إلى جانب الاختصاصيين المفترضين. قد تقدّم الحكومة بعد تأليفها رؤية إنقاذية. لكنها لن تكون قادرة على تنفيذها. وهذا مؤشر إلى توجيه مخاطر البلد نحو مسار لا يمكن التكهن بنتائجه. ويفترض أن رئيس الجمهورية ميشال عون و"الحلف الممانع" يعلمان تلك النتائج.

يمضي الوقت سريعًا نحو الكارثة. رمى وزير المال علي حسن خليل قبل أكثر من شهر إمكان اعادة هيكلة الدين الحكومي بالأمر الواقع. قامت القيامة فسارع إلى التصحيح. حدّدت المصارف ألف دولار أميركي للمودع يسحبها كل أسبوع. فحصل ما حصل. تجاوز سعر الصرف 2000 ليرة لبنانية. قيود على التحويلات. توقف اعتمادات استيراد السلع والمستلزمات الاستشفائية. الوضع الآن يسوء ساخرًا من الإجراءات القهرية المفروضة بلا قوانين ولا أعراف. تنسحب على الدولة والمصارف وأصحاب الالتزامات المتبادلة بعضهم على البعض الآخر. وبعضهم للبعض الآخر. المهل العقدية سارية ولم تعلق بقانون. الفوضى تسود. ومواطنون يعلنون عن جوعهم وعوزهم في وسائل الإعلام. ويتركون أرقام هواتفهم. ويصرّ الحكم على إشراك الفاشلين ليخرجوا الوطن من دهماء صنيعتهم. يمضي الوقت بطيئًا في رؤوسهم. والنار تمضي سريعةً تلتهم ما بقي، وترفع من تكلفة الإنقاذ. ما كان أقل تكلفة قبل شهرين تضاعفت تكلفته ممّا لا نملك ثمنه.

"الحِلاقة والحلّاق"!
إعادة هيكلة الدين حؤولًا دون الإعسار والتوقف عن الدفع، حصلت في دول كثيرة وتحصل. عندنا معقدّة وتكلفتها جائرة ومرّة. فهي أولًا لا تحصل بقرار حكومي فحسب. بل وباتفاق مع الدائنين الذين سيتنازلون عن جزء كبير من ديونهم لتحصيل ما أمكن من الأصول. ولا يفقدون حقهم بالضرورة من الحصول على حقوقهم لاحقًا بحسب اتفاق الدائن والمدين. في حالنا، الدائن والمدين من أهل البيت. الدولة وودائع الناس في المصارف. مَن يهيكل لمن؟ ومن يتحمل في النهاية. البيت بأكمله يتصدع. لمن لم يقرأ تصريح رئيس جمعية المصارف سليم صفير، ويستوعب أبعاده، ليمعن ماورد فيه. "يتركّز اهتمام المصارف على الحفاظ على ودائع المواطنين في انتظار تشكيل حكومة جديدة للشروع في معالجة الأسباب الجوهرية للأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة". نفهم من الكلام أن ودائع المواطنين "محَافظ عليها" وتنتظر الدولة المدينة (ومصرف لبنان طبعًا) سداد ديونها للمصارف كي تُسدّد ودائع المواطنين. هذه هي "الأسباب الجوهرية للأزمة المالية" المطلوب معالجتها من الحكومة المقبلة. "الأسباب الجوهرية للأزمة الاقتصادية" حكاية طويلة. ولئن كان هذا الكلام لا يعفي في حال من الأحوال مسؤولية المصارف في إدارة السيولة والملاءة والتوظيفات وتقييم المخاطر، وهو شأن لا علاقة للمودعين به من قريب أو من بعيد، فالسلطة السياسية الزبائنية، وتاليًا الدولة اللبنانية هي التي تتحمّل مسؤولية الوفاء بديونها. لم يحمِ الاتحاد الأوروبي اليونان في أزمتها ليعيد هيكلة ديونها في ترويكا مع صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي، بمقدار حمايته الاتحاد النقدي ودول منطقة اليورو بأكملها. لأن ديون اليونان الداخلية والخارجية معظمها باليورو، وعضو في الاتحادين النقدي والأوروبي. مع ذلك لم تعبر الحلول بسهولة. ولم تفلح بلاد الإغريق وموئل الفلسفة، ومنشأ أقدم عملة ورقية في التاريخ، من الخروج من تداعيات الأزمة بعد.

مَن يهيكل دين مَن في لبنان؟ هيكلة دين لبنان منهبة حقيقية. سلطة فاسدة استدانت بالفوائد الفاحشة بدّدتها على نفقات جارية، والتزامات بجودة منقوصة وتكلفة عالية، وعلى نهب المال العام والزبائنية، تجد نفسها في ساعة الحساب (لم تأتِ بعد) أمام مَثلبة مريعة بالإقتصاص من مال الشعب مرّة ثانية وثالثة تكرارّا. وفي حالة لبنان مقارنة بأزمة اليونان، فالشعب اللبناني هو المصرف المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي! بليتنا "بلدية بالكامل". وفي مثل حالنا فالمشكلة لم تعد مسألة حِلاقة (Haircut) من ديون مستثمرين من وراء البحار بل الحلّاق (Haircutter) من أصول اللبنانيين وهو الدولة. وفي حالة اليونان أيضًا، بقي اليونانيون يتعاملون باليورو تحت كنف مصرف اليونان المركزي والمصرف المركزي الأوروبي. ولم تفقد العملة أكثر من ثلث قيمتها في غضون أسابيع معدودة كما حصل لليرة اللبنانية. الهلع الذي نجم عن ذلك بعد خروج مصرف لبنان من السوق، هو الذي حمل المودعين على سحب أموالهم بالليرة، وتحويلها لدى الصيارفة بخسارات كبيرة. والقيود على التحويلات بالدولار الأميركي والعملات الأجنبية، وعلى سحوبات المودعين أسهمت في زيادة السحوبات على المصارف. التحويلات إلى الخارج التي كتبنا عنها باكرًا وحصلت قبل 17 تشرين الأول وبعدها، وهي بمئات ملايين الدولار الأميركي لأثرياء وسياسيين وحملة أسهم مصرفية، تجعل من عبء إعادة هيكلة الديون في حال حصولها غُرمًا إضافيًا على المودعين الصغار. ما نؤكده من جديد، أن بعض تلك التحويلات حصل بعلم مسؤولين معنيين.

لو قررنا الذهاب إلى صندوق النقد الدولي قبل التطورات المالية والنقدية لما كانت الأعباء كمثل ما هي اليوم يحكمها الهلع والفوضى العارمة، بلا قوانين ولا لوائح تنظيمية. رحلة المتاعب مع صندوق النقد الدولي مستحيلة هي أيضًا بلا غطاء دولي من حاكمي الصندوق سياسيًا. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. السلطة السياسية العصيّة على الإصلاح لم تُقدم عليه. وكان لنا من تعهدات مؤتمر سيدر أكثر من ثلاثة أضعاف أي دعم طارئ يقدمه الصندوق ضمن قرض طويل الأجل بشروط راديكالية على المستوى الاجتماعي تطال الفئات الأشد فقرًا. حتى الصندوق بات يطلب ضمانات تنفقها الدولة على الفئات على الأكثر تهميشًا. وفي حالات كثيرة كما في حالة مصر، طلب الصندوق دعمًا سياسيًا محليًا لقرض الـ12 مليار دولار أميركي الذي حصلت عليه لتعزيز حكم الرئيس حسني مبارك. هناك سلطة الرجل الواحد يستمد منها الصندوق دعمًا سياسيًا وحكومة مركزية قوية. الديموقراطية الأميركية كفيفة في مصر.

لو تألّفت الحكومة
خاطب رئيس الحكومة المكلّف الدكتور حسان دياب في كلمته الأولى بعد التكليف شباب الثورة وشابّاتها، "أنتم السلطة الحقيقية". وتحدث بلسانهم. لكن في التأليف وممارسة السلطة الأمر مختلفٌ. ومن دون التشكيك بنوايا الرئيس المكلّف وسيرته. فالثورة مشكوك في ولائها من "الممانعين" ومتهمة بالعمالة للولايات المتحدة. لا أحد يودّها من الفريق الذي ستتألف منه الحكومة. ويكيد لها. لا بأس، ليتحمّل الحُكم و"الممانعون" مسؤولية الانقاذ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها