الإثنين 2018/09/17

آخر تحديث: 06:19 (بيروت)

إلى أين تذهبون بالبلد؟

الإثنين 2018/09/17
إلى أين تذهبون بالبلد؟
كيف يستقيم امتياز رئيس الجمهورية بحصة وزارية له ولتياره السياسي؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

أعاد الطائف انتاج نظام إقتصادي قاصر في الداخل ويفتقد الى التنافسية في الخارج وأسواق السلع والخِدمات. القصور الداخلي بعد خمسة عشر عاماً من الحرب، جاء ليكرس صيغة نظام ما قبل الحرب، ويتجاهل الجانب الاقتصادي الاجتماعي الذي كان له أثر كبير في اندلاع تلك الحرب. طغيان الجانب القومجي اللبناني من جهة، والخطاب العروبي المبالغ فيه الى حد التزمت من جهة ثانية، إنما كانا على خلفية دخول العامل الفلسطيني طرفاً رئيساً في مسار الحرب سياسياً وعسكرياً. ما أسبغ على الحرب الطابع الطائفي وغيّب العامل الاقتصادي الاجتماعي على نحو كامل. علماً، أن المشهد السياسي عشية 23 نيسان 1975 كان شديد الاضطراب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وفقدان العدالة الاجتماعية نتيجة تشوه كبير في توزيع الثروة الوطنية. وكان مناوئاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. إقصاء الأرياف عن المشاركة في عملية التنمية، وهجرة السكان نحو المركز المديني والضواحي، حيث فرص العمل والتعليم والصحة والخِدمات الحيوية الأخرى، لم يهمش الأطراف فحسب، بل وكان مصحوباً بفاقد اقتصادي كبير جراء تهميش قطاع الزراعة، وتوجه الصناعات نحو الضواحي للافادة من الأيدي العاملة الرخيصة الوافدة. بينما كانت المناطق الريفية مؤهلة للاستثمارات الصناعية على طول الساحل اللبناني. وكان يمكن الافادة من المرافئ البحرية المنتشرة على الساحل والقريبة من المناطق الصناعية المستحدثة لو تم تأهيل تلك المرافئ ووصل الأرياف بالبنى التحتية والخدمات الاجتماعية ومؤسسات التعليم العالي والمهني والمرافق الصحية والاستشفائية.

تسوير العاصمة قبل الحرب بما عُرف حزام البؤس، لم يكن ليستوعب أعداد النازحين من الأرياف الذين تركوا حيازاتهم الزراعية الصغيرة لتتحول أعداد أخرى منهم إما عاطلة من العمل، أو تعمل في ظروف تفتقد الى الأجر العادل والى حماية ديمومة العمل. في السنوات القليلة السبع التي سبقت نيسان 1975 كاد لا يمر يوم واحد بلا اضراب او تظاهرة او اعتصام. مزارعو التبغ وعمال المصانع وطلاب الجامعات وتلامذة المدارس. وكان لافتاً أن كل هذه التحركات خلت من الطابع الطائفي والمذهبي، وكذلك كان قادة التظاهرات والاضرابات سواءٌ أكان على مستوى الاتحاد العمالي العام والاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين والنقابات العمالية الأخرى، أم على مستوى نضال الجامعة اللبنانية، والجامعات الأخرى، ورابطة اساتذة الجامعة اللبنانية والاتحاد الوطني لطلاب الجامعة الوطنية. من دون إغفال دور الحركة النسائية وهيئاتها.

المطالب والشعارات كانت وطنية اقتصادية واجتماعية. وحين كانت ترتقي الى السياسة لتستهدف نظام "الخمسة في المئة" كانت تتحدث عن طبقة الـ5% التي تستأثر بالثروة الوطنية، وتحول دون بناء اقتصاد ركين، ومنتج القيمة المضافة وفرص العمل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. الفئة نفسها الآن التي تستأثر بنحو 80% من ودائع المصارف وبنحوها من التسليفات. وهي نفسها التي أثرت من لعبة الدولار الاميركي والليرة اللبنانية، لتعود وتزداد ثراء من الفوائد المهولة على العملتين. وربما تدعونا القراءة المعمّقة لمسار هذه الحقبة الى القول إن الحركة العمالية والشعبية والطلابية والنسوية في لبنان كانت ديموقراطية وسلمية مئة في المئة. لم تكن لا ديموقراطية توافقية تافهة وكاذبة، ولا ديموقراطية الحصص الطوائفية. كان على النظام السياسي الأوليغارشي تقديم تنازل للحد من تنامي الحركة الشعبية. ولم يكن ذلك التنازل ذا تكلفة اقتصادية ومالية كبيرة. حصة أكثر عدالة للأجور. نظام ضريبي يعتمد الضريبة التصاعدية والمباشرة على نحو رئيس بدلاً من الضرائب غير المباشرة. تعديل المادة 50 من قانون العمل. تعديل المرسوم المتعلق بحصر التمثيل التجاري. إنشاء كليات تطبيقية في الجامعة اللبنانية ليس على وجه الحصر. كان من الاستحالة التفريق بين السلطة وأصحاب الأعمال. رفضت المطالب في حينه.

التنازل كان يعني من وجهة نظر السلطة والأوليغارشيا ترك الساحة لليسار اللبناني والقوى الليبرالية والشبابية. تدخلت السلطة في الاتحاد العمالي العام. لكنها لم تتمكن من مصادرة القرار النقابي ولا القرار الطلابي والشعبي. وبدت عاجزة تماماً عن تدجين الحركة النقابية. جورج صقر لم يكن يسارياً. ولا أنطوان بشارة. ولا غنيم الزغبي كان. وغيرهم عشرات من القادة النقابيين الذين رفضوا نهج السلطة وطالبوا باصلاحات في العقد الاقتصادي الاجتماعي، وبالعدالة الاجتماعية وبدولة مدنية حديثة. فكان خيارها القمع، والقمع الدموي أحياناً. صحيح أن النفوذ الفلسطيني في لبنان كان وصل الى الذروة بعد اتفاق القاهرة 1969 وأيلول 1970 في الأردن. وكانت هناك صدامات دموية مع الدولة اللبنانية والقوى العسكرية. لكن ذلك النفوذ، لم يكن له أي مَعلم في التحركات الشعبية الديموقراطية والسلمية. في هذه الأجواء اندلعت حرب 23 نيسان 1975.

مؤتمر الطائف أوقف الحرب ولم يبن دولة. وأعاد انتاج النظام السياسي الاقتصادي الأوليغارشي. الكتل البرجوازية الكبيرة التي لم تكن بعيدة عن أمراء الحرب لحماية مصالحها، عقدت تحالفات استثمارية مع بعضها. تقاسم الحصص الطائفية سياسياً نتيجة الطائف، رافقه تموضع جديد لأصحاب الأعمال في نظام ما بعد الطائف. وأعيد تشكيل الأوليغارشيا والامتيازات شركات ومؤسسات. خلا توزيع الحصص السياسية لم يطبق من الطائف أي اصلاحات. النظام الانتخابي مسخ وتزوير لنظام الانتخاب النسبي. هو نفسه وزع الحصص الانتخابية الطائفية على نحو أضيق ونافر.

الأسباب التي حالت دون اصلاحات اقتصادية واجتماعية قبل الحرب، باتت أصعب بعد الطائف. لم يخض أي من أحزاب السلطة وتياراتها معركة في سبيل الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. هذا أمر مفهوم. لا تخاض معركة ضد الذات. لكن بلغنا الآن مرحلة تفكك الدولة. الاصرار على نموذج اقتصاد الريوع الزبائني لا يحتمل بطبيعته اصلاحاً اقتصادياً يبقي على الامتيازات. النظام النفعي ليس طارئاً. إنما الجديد بعد نحو ثمانية وعشرين عاماً على الطائف، أنه وصل الى المؤسسات العامة والوزارات نفسها. تجاوز التنفع من مخرجاتها فحسب. لذلك نرى أن حجم القطاع العام بات كبيراً في اقتصاد يقوم على القطاع الخاص. وأن حجم العمالة في الأول بات يفوق مثيله في الثاني. ليس لدواع اقتصادية وانتاجية، بل لعطب هيكلي في بنية الدولة. العجز بلا قيود، والدين العام بلا سقوف، إنما لتغطية فشل الدولة لحساب الزبائنية.

رئيس الجمهورية رمز البلاد وحامي الدستور. امتياز لا يحوزه غيره. لكن، كيف يستقيم هذا الامتياز بحصة وزارية للرئيس وتياره السياسي الذي يملك أكثرية نيابية وسيحصل على أكثرية وزارية مماثلة وإلاّ لا تؤلف حكومة. هذا طارئ على الطائف والدستور والحياة السياسية في لبنان. الى أين تذهبون بالبلد؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها