الإثنين 2018/07/02

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

المال أم عودة النازحين؟

الإثنين 2018/07/02
المال أم عودة النازحين؟
لبنان عاجز عن إحداث أي خرق في ملف النازحين السوريين (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

بلا "ضجة بلدية" ولا همرجة، عبر قرار المصرف الدولي تقديم 400 مليون دولار اميركي قرضاً ميسراً للبنان. 70 مليوناً منحة من برنامج المصرف العالمي للتمويل الميسّر. و330 مليوناً بفائدة 1.71% يسدد في مدى 22 سنة. و6 سنوات فترة سماح. القرض سخي، وفيه من طبيعة الهبة كثيرٌ لو نظرنا إلى معدلات الفوائد الدولية السارية، واتجاهها إلى مزيد في 2018 و2019، لدرء ضغوط تضخمية محتملة على خلفية معدلات النمو، وتحسن مستوى الوظائف والتشغيل في الولايات المتحدة والدول الصناعية.

هو قرض جديد طويل الأجل يحصل لبنان عليه، وفي صلبه موضع النازحين السوريين إلى لبنان. وفي لبنان لا يتوفر اجماع سياسي سوى على وجوب عودة النازحين إلى سوريا، وعلى عدم التوطين. يعني أننا نقبل ضمناً بالمنح والقروض الدولية لتوفير الغوث للنازحين لنحو عقود ثلاثة، ونقيم الدنيا على وجوب عودة النازحين وعدم توطينهم. السلطات مجتمعة تمارس غشاً على اللبنانيين والنازحين معاً بقبول الشيء وضده. وقد كتبنا مقالات عدة عن هذه الكوميديا السخيفة التي تبعث على السخرية. "الملف المريب إلى بروكسل". "لا تستغيبونا" وغيرهما من عناوين المقالات تلك. ليكتمل المشهد، كنا نذهب دائما إلى المؤتمرات في نيويورك ولندن وبروكسيل 1 و2 وسيدر باريس وروما وغيرها، نطلب المال والدعم والقروض، ونرفع الصوت في وقت واحد لإعادة النازحين.

نعم، من حق لبنان طلب المساعدة الإنسانية لإغاثة نحو مليون ونصف مليون نازح. قبول المال في أي شكل أتى لآجال طويلة مربوطة بمشاريع تنموية مماثلة، يعني الموافقة على تناسب آجال بقاء النازحين في لبنان مع آجال القروض. في التأكيد لا يعتمد لبنان حوار الطرشان في تلك المؤتمرات. وفي قنوات التواصل مع المجموعة الدولية من أجل لبنان. ومع الدول المانحة فرادى والمؤسسات الدولية المعنية وبينها المصرف الدولي. لغة حوار الطرشان بلدية لاستيغاب اللبنانيين والنازحين معاً. لتكتمل الغيبة، فالدول التي تقرر القروض والمساعدات على خلفية ملف النزوح، هي نفسها الدول المعنية بالحرب في سوريا وإعادة النازحين إليها. وهي القادرة على الاشارة إلى النظام السوري كي يفعل ذلك. يذعن ويطيع. ولن يحصل هذا الأمر قبل استشراف الدول المعنية مستقبل الوضع في سوريا. ومجلس المديرين التنفيذيين في المصرف الدولي الذي بتّ القرض، مهيمن على قراراته من الدول نفسها.

البيان الرسمي الصادر عن المصرف الدولي بعد إقرار القرض ردّه إلى "دعم مسعى لبنان إلى زيادة فرص العمل في مختلف أنحاء البلاد التي تأثرت بشدة بسبب تدفق اللاجئين السوريين، واتجاه النمو الاقتصادي نحو الانخفاض أخيراً". المدير الاقليمي لدائرة المشرق في المصرف الدولي ساروج كومار جاه قال إن "لبنان يسعى جاهداً لمواكبة التأثير الاقتصادي والاجتماعي للأزمة السورية وتحفيز النمو الشامل الذي يفيد الجميع. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال خلق بيئة أعمال مواتية للقطاع الخاص كي ينمو ويخلق فرص عمل. ويستثمر في رأس المال البشري الغني في لبنان. هذا هو بالضبط ما يهدف هذا المشروع إلى القيام به". تابع: "سيوسع المشروع الفرص الاقتصادية، وخاصة في المناطق المحرومة في جميع أنحاء البلاد، وسيوفر الوظائف للمواطنين اللبنانيين والعمل الموقت للاجئين السوريين وفقاً للقوانين السارية التي تنظم وجودهم في لبنان".

سياق الحصول على القرض مربوط مباشرة بأزمة النزوح. استخدام مفردة "اللاجئين" وليس النازحين لا ترد سهواً في بيانات المصرف الدولي الرسمية. والفرق كبير بين تعريف النازح وبين تعريف اللاجىء. المصرف الدولي لديه معايير محددة في هذا المجال. بيان المصرف توقع أن "تخلق الحزمة المالية 52 ألف وظيفة دائمة، وما يصل إلى 12 ألف فرصة عمل قصيرة الأجل". "العمل الموقت" يقصد به النازحون. لماذا 12 ألفاً فقط؟ و"العمل الموقت وفقاً للقوانين اللبنانية التي تنظم وجودهم في لبنان". عن تطبيق أي قوانين يتحدث المصرف الدولي؟ أما الـ52 ألف فرصة عمل أخرى الدائمة، فتفهم إنها ستنجم عن قرارات تمويل جزء من مشاريع الحكومة في البنية التحتية التي وافق عليها مؤتمر سيدر1. كلاهما قرض الـ400 مليون دولار اميركي، و10.3 مليارات دولار اميركي التي أقرها سيدر1، يرتبط صرفهما "ارتباطًا مباشراً بتحقيق مجموعة من النتائج المستهدفة التي تحددت بالتشاور مع الحكومة لتعزيز فاعلية المشروع وقيمته في مقابل المال"، كما ذكر بيان المصرف الدولي.

ولأن لبنان عاجز عن إحداث أي خرق في ملف النازحين السوريين من خارج معادلة الوضع السياسي في سوريا حداً أدنى. وعاجز عن الاخلال بالمبادئ الأساسية التي باتت تحكم وضع النازحين في لبنان. أقلها البعد الانساني لهذه القضية بكل المعاني، لكنه قادر على مقاربة هذه الأزمة بصدق وشفافية مع اللبنانيين والنازحين من جهة، ومع المجتمع الدولي ودول القرار من جهة ثانية. في الداخل، الكفّ عن توسل مكاسب سياسية رخيصة من هذا الملف. وبأساليب أقرب إلى العنصرية غب الطلب والمكان والزمان. ومن أسف أن السلطات وليس الحكومة وحدها، هي المسؤولة المباشرة عن تفلت هذا الملف. حكومتنا لا تعرف عدد النازحين الحقيقي. ولا تعرف من يخرج ويعود. وتتغاضى عن الآثار اللاحقة بلبنان اقتصادياً ومالياً وعلى مستوى سوق العمل. وسوق التجارة غير المشروعة.

قد تكون هناك فئات سياسية مستفيدة من هذا الوضع الشاذ. وربما تريد له "الاقامة الدائمة". وليست على عجلة من أمرها لا للحل في سوريا، ولا لقرار سياسي رسمي يعبر عن موقف حكومي متجانس. وفي التأكيد، لا يحظى الموقف اللبناني الرسمي في الخارج بالاحترام المطلوب. البيان الذي صدر بعد مؤتمر بروكسل الثاني غير البيان الرسمي وكانت له ارتداداته، لم يكن سوى تعبير عن هشاشة الموقف اللبناني من قضية النازحين وتناقضه. قرض المصرف الدولي لا يخرج عن الاطار المذكور.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها