السبت 2018/07/14

آخر تحديث: 02:32 (بيروت)

هل سينهار الوضع الاقتصادي والليرة؟.. الحقيقي والشائعات

السبت 2018/07/14
هل سينهار الوضع الاقتصادي والليرة؟.. الحقيقي والشائعات
أقل من 13% من إجمالي الدين العام ممسوك من أطراف خارجيّة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

منذ بدء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مفاوضات تأليف الحكومة والكلام يتكرّر عن ضرورة التعجيل في هذا المسار، خوفاً على الوضع الاقتصادي من انهيار ما. لكنّ هذه التحذيرات بدأت تتحوّل إلى قلق فعلي لدى كثيرين من اللبنانيين، وانتشرت تنبّؤت راوحت بين الخوف على قيمة الليرة في المستقبل من جهة، وقدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها الماليّة من جهة أخرى. وإذا كان الوضع يشهد أساساً مخاطر كبيرة على المستويين الاقتصادي والمالي، فكثير من الشائعات والتنبؤات ذهبت في اتجاه تحليلات تبسيطيّة وغير علميّة للواقع.

في التطوّرات الأخيرة في السوق، يعبّر كثير من المتخوّفين عن قلقهم الجدّي من ارتفاع معدّلات الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانيّة، معتبرين أنّ هذه المسألة تعبّر في جزء منها عن ارتفاع مخاطر الاحتفاظ بهذه الودائع. فالمنطق الاقتصادي يقول إنّ ارتفاع المخاطر يحتّم رفع العوائد لجذب الودائع. لذلك، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بعض التحليلات الفرديّة التي سوّقت لهذه المقاربة.

في الواقع، يعبّر بعض الخبراء عن رؤيتهم بشكل علمي أكثر. فارتفاع معدّلات الفوائد لم يطل العملة المحليّة فحسب، كما لم يكن وليد السوق اللبنانية وحدها. منذ مدّة ومعدّلات الفوائد ترتفع عالميّاً، وجزء كبير من ارتفاع الفوائد محلياً يعود إلى هذا الاتجاه العالمي. لكنّ ذلك لا يعني عدم وجود مخاطر على لبنان ناتجة من هذا الاتجاه، فارتفاع معدّلات الفوائد سيكون له أثر مباشر على ارتفاع فوائد الدين العام المتضخّم والقدرة على إعادة تمويله باستمرار في المستقبل، خصوصاً أنّ ميزانيّة الدولة مصابة أساساً بداء خدمة الدين الذي يؤدّي إلى تآكل وارداتها باستمرار.

وهذا ما حذّرت منه موديز 4 دول عربيّة بينها لبنان، حين اعتبرت أن ارتفاع سعر الفائدة عالميّاً وتراكم ديون الأسواق الناشئة يزيد المخاوف من تعرّض الدول إلى أزمات تمويل. وفي ظل هذا الواقع، عبر صندوق النقد الدولي عن اعتقاده أن 40% من البلدان النامية ذات الدخل المنخفض ستواجه تحديات كبيرة تتعلّق بالديون السياديّة مستقبلاً.

هنا، يصبح الحديث عن أزمة بنيويّة تكمن في طبيعة الاقتصاد اللبناني وانكشافه على الخارج، وتعرّضه إلى مخاطر متزايدة أخيراً نتيجة تطوّرات السوق العالمية. وهذا ما بدأ اللبنانيّون بتلمّسه مع انخفاض قيمة سندات اليوروبوندز والتوقّعات بارتفاع كلفة الاستدانة مستقبلاً كنتيجة لهذا الانخفاض، وعلاقة الأمرين بارتفاع أسعار الفوائد عالميّاً واتجاه الرساميل إلى أسواق أخرى جرّاء هذا الأمر.

ومن ناحية أخرى، تركّزت شائعات أخرى حول توقّف القروض السكنيّة والمدعومة، وعدم رغبة القطاع المالي بتحمّل مخاطر إضافيّة بالعملة المحليّة. وهذا التحليل برأي كثير من المتابعين يبسّط الواقع، خصوصاً أن المصارف تلعب دور الوسيط في تسليف الودائع التي تحصل عليها، ولا تحمل بنفسها مخاطر قيمة القروض في حال تدنّي قيمة العملة المحليّة.

في الحقيقة، تذهب التحليلات الأكثر علميّة إلى قراءة مختلفة لهذا الأمر. إذ يعمل مصرف لبنان منذ سنتين على امتصاص العملة الصعبة عبر إجراءات استثنائيّة متنوّعة لزيادة الاحتياطي منها لديه. ولعل السبب الأساسي لعدم تجديد رزم الدعم هو عدم استعداد مصرف لبنان لضخ مزيد من العملة المحليّة في السوق، في حين يقوم من الجهة الأخرى بامتصاص العملة الصعبة. إذ سيعني ذلك خلق ضغوط كبيرة على قيمة الليرة.

بالتأكيد ترتبط إجراءات مصرف لبنان بمخاطر أخرى، تتعلّق بالتحويلات الماليّة وعجز ميزان المدفوعات منذ العام 2011، الذي لم يسجّل فائضاً إلا في العام 2016 نتيجة الهندسات الماليّة. وهذا يرتبط أيضاً بمسألة قديمة تتعلّق بحاجة النظام المالي إلى التدفّقات الماليّة للحفاظ على احتياط قادر على حماية قيمة العملة المحليّة، وتمويل نمو الدين العام. وترتبط هذه المخاطر أيضاً ببنية النظام الاقتصادي الموجودة منذ التسعينات.

مصادر مصرفيّة تعتقد أنّ ثمّة مبالغات كبيرة في هذا النوع من الشائعات. فلبنان يحافظ على معدّلات فائدة على الدين العام تقل عن الدول التي تشبهه من ناحية التصنيف الائتماني. ما يعبّر عن عدم صحّة المخاوف من ارتفاع أسعار الفوائد فوق المعقول. وتعتبر المصادر أنّ ارتفاع الفوائد على الدولار في لبنان نتج عن سياق عالمي، تبعه ارتفاع الفوائد على الليرة نتيجة ضرورة وجود هامش في معدّلات الفائدة بين الليرة والدولار. وبينما استبق ارتفاع الفوائد في لبنان في مرحلة ما ارتفاع الفوائد في السوق العالمية، سمح ذلك بالحفاظ على الودائع في السوق العالمية التي كان يمكن أن تغادر طمعاً بفوائد أعلى.

وعن الانكشاف للسوق العالمية، تذكّر المصادر أنّ أقل من 13% من إجمالي الدين ممسوك من أطراف خارجيّة، بينما تصل هذه النسبة إلى 30% في سوق سندات اليوروبوندز (أي سندات الخزينة بالعملة الصعبة). وبينما يعبّر متوسّط استحقاق الودائع بالعملة المحليّة عن درجة الثقة بهذه العملة، وقد بلغ هذا المعدّل أكثر من 4.5 أشهر اليوم، بينما كان يراوح بين 40 و45 يوماً في السابق. ويسمح طول متوسّط استحقاق الودائع بامتصاص الصدمات كلما كان أطول. إذ يعني عدم وجود موجات مفاجئة من سحب الودائع أو تحويلها.

في المحصّلة، لا يعيش القطاع المالي أفضل أيامه، إذ يحمل في طيّاته مخاطر أساسيّة تتعلّق بطبيعته وطبيعة اقتصاد لبنان. وبينما تظهر عوامل كثيرة تضغط في اتجاه مساءلة القدرة على الاستمرار وفق النمط الاقتصادي نفسه، تظهر كثير من الشائعات والتنبؤات التي تخالف المنطق العلمي في التحليل الاقتصادي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها