الإثنين 2018/06/04

آخر تحديث: 06:55 (بيروت)

سلطةٌ فاجرة ووطنٌ يتيم

الإثنين 2018/06/04
سلطةٌ فاجرة ووطنٌ يتيم
مصرف لبنان أُتخم بدين الدولة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
لم تفتح نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة الطريق الى مجتمع بالحد الأدنى من الاستقرار السياسي، أي الى حكومة جديدة تعكس أوزان القوى والكتل النيابية. وكالعادة، يرتقب أن يصل عدد الوزراء في الحكومة الى 30 حداً أدنى أو أكثر. ليس مهماً أن يكون عدد الوزراء أكثر من عدد الوزارات. حقائب الدولة جاهزة لاسترضاء المستوزرين. فصل النيابة عن الوزارة إنما يبطن مشكلة في أحزاب السلطة تصدرها الى الحكومة. فيكتسب المقربون لقب "صاحب المعالي" يرافقهم طيلة الحياة. الزعم بأن فصل النيابة عن الوزارة تفرضه ضرورة وجود حكومة تحكم ومعارضة تمارس دورها، ليس سوى فصل آخر من الملهاة الساخرة لمنظومة السلطة في لبنان بكل أحزابها وقواها السياسية. وكأن الوزراء من غير النواب لو أتوا، فسيأتون من خارج قوى السلطة نفسها، ليتحولوا معارضين لأولياء نعمتهم الوزارية. فيستقيم نظامنا الديموقراطي البرلماني على أحسن حال!

استنتاج وحيد نخلص اليه لو تمحّصنا قليلاً في ما يجري على صعيد تأليف الحكومة. الكل يخوض معركة منافعه ونفوذه. ولبنان بلد متروك للقدر وصروف الزمن. ناسه ومواطنوه متروكون بلا غد. ستطول فترة تأليف الحكومة. تمضي سنة 2018 سريعة. والنزف مستمر كل يوم ولا يتوقف. وتخاض المعارك في الأمكنة الخطأ. وفي الأمكنة الصحّ لقوى السلطة وأحزاب الطوائف. ولا توجد بارقة أمل لدى السلطة في يومنا سوى الحصول على تعهدات مؤتمر سيدر. ومشروطة باصلاحات هيكلية وقطاعية مستحيلة التنفيذ على يد سلطة نهمة للانقضاض على الوطن فريسة. الحكومة التي لم تولد بعد، هي المعنية بتحضير مشاريع البنية التحتية للحصول بالتجزئة على نحو 10.2 مليار دولار اميركي قررها مؤتمر سيدر. مقرونة ببرنامج اصلاح لن ينجز حتى على الورق. ولو أُنجز لن ينفذ. ليس مهماً الحصول على التعهدات فحسب، بل وعملية تقييم للأثر الاقتصادي والاجتماعي والمالي للمشاريع بأكملها، وللقيمة المضافة منها. ما هي حصة المدخلات اللبنانية من صناعة وخدمات وعمالة من المشاريع الموعودة؟ وما هي حصة الدول المقرِضة من تلك المدخلات؟ لو سار كل شيء وفق الأصول، فبدء دفق التعهدات لن يكون قبل سنة حداً أدنى من إنجاز المشاريع. خطة اعمار البنية التحتية من سنوات عشر. وتكلفتها 16 مليار دولار اميركي، يضاف اليها 4 مليارات صيانة واستملاكات. 7 مليارات مطلوبة من القطاع الخاص للشراكة في مشاريع مع القطاع العام. لا تزال المشاريع غير واضحة المعالم بعد. وعلينا أن ننتظر معارك سياسية شرسة في هذا المجال. قد تستدعي عناوينها كل ما يدور من أحداث جسام في المنطقة. بينما تفاصيلها على حصد المنافع. كل المشاريع المعروضة على القطاع الخاص مربحة وذات مردرود مرتفع. الكهرباء والمياه والصحة والطرق والاتصالات والنفايات. في الدولة الفاشلة تخسر هذه القطاعات. وتخسر معها الخزانة، ولا تتأمن خدماتها للشعب.

نحن لم نتقدم خطوة واحدة ثابتة في السبيل السويّ. ولم نؤلف الحكومة. ولم نعد البيان الوزاري. ولكل مرحلة صراعاتها ومعاركها في المنطقة الغلط. في غياب الدستور وفصل السلطات لا نعرف لمن نتوجه بالتحذير. وأخال الظرف الراهن مالياً يحملنا على الاعتقاد بأولوية وقف الانهيار الأخطر في القطاع المالي. وتبعاته النقدية والمصرفية. صنبور التحويلات من الخارج الى ضمور. وحركة الودائع المصرفية بوتيرتها الحالية لن تكون قادرة على تلبية مزيد من الدين ما استمر العجز. ولوجنا الى أسواق المال الخارجية بات أصعب رغم تكلفة الدين المرتفعة المثقلة بالفوائد. 70% من الإيرادات على الرواتب في قطاع عام مترهل، تخمةً في بعض الادارات وشغوراً في أخرى. و10% على الكهرباء ونحن في العتمة. نعم، المشاريع المعلن عنها محركٌ أساسي للاستثمارات المباشرة وللدفق النقدي ولو بعد حين. الطغمة السياسية تعلم ذلك. وتغلب مصالحها على ما عداها. مصرف لبنان أُتخم بدين الدولة وبالأدوات غير التقليدية الباهظة التكلفة. لم يتمكن من تسويق جزء من سندات اليوروبوندز التي حصل عليها بمقايضة مع وزارة المال. والنمو في الأصل يعتمد على تسليفات المصارف للقطاع الخاص وليس للقطاع العام الذي يبدد الموارد ولا ينتج خدمات في المقابل. ونكتب كأننا في منأى عن تداعيات المنطقة الجيوسياسية، وعن أزمة النازحين السوريين، والأمن المتفلت في أكثر من منطقة لا تعمل فيها سلطة القانون والعدل. ومقبلون على حقبة من ارتفاع الفوائد الخارجية وأسعار النفط. كيف سنوقف النزف ما لم توقف قوى السلطة انحطاطها السياسي والأخلاقي؟

ويغيب عن بال السلطة ديون القطاع الخاص للمصارف، وارتفاع نسبة المشكوك في تحصيلها. بحسب صندوق النقد الدولي نحو 90% من محفظة القروض في القطاع المصرفي معرّضة للعقارات، مباشرة من خلال قروض الاسكان وقروض مطوري العقارات وضمانات القروض. استمرار حمل المصارف قسراً مؤونات على ديون مشكوك في تحصيلها أو مصنفة رديئة يؤدي الى خفض جودة محافظها، وتراجع قدراتها للامتثال لمعايير العمل المصرفي الدولي. مع تراجع وتيرة النمو وزيادة الانكشاف على دين الدولة السيادي، واحتمال خفض تصنيفها الى ما دون B- ستواجه المصارف مشكلة حقيقية. فزيادة أوزان المخاطر المقيمة بالدولار الاميركي سترفع في الضرورة متطلبات رأس المال والأموال الخاصة الاحتياطية. أوزان المخاطر لدين الحكومة بالليرة اللبنانية صفر. و100% بالعملة الأجنبية و50% لمصرف لبنان. تقييم صندوق النقد الدولي يرى في حال ارتفاع أوزان المخاطر على دين مصرف لبنان بالعملات الأجنبية في شهادات الايداع الى 100 % من شأنه خفض معدل ملاءة رأسمال المصارف الاجمالية إلى 12.5%. بينما يمكن أن يؤدي خفض التصنيف مع ارتفاع أوزان المخاطر على ديون مصرف لبنان والحكومة معاً بالعملات الأجنبية الى 150%، الى خفض معدل ملاءة رأس المال الاجمالية من 14.4% إلى 8%. هل تدرك السلطة السياسية معنى هذا السيناريو الخطر على لبنان وأهله ومدخراته.. وعلى مصرف لبنان والمصارف معا؟ سلطة فاجرة ووطن يتيم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها