الإثنين 2018/05/21

آخر تحديث: 00:43 (بيروت)

لبنان لا يحتمل ما تعجز عنه إيران

الإثنين 2018/05/21
لبنان لا يحتمل ما تعجز عنه إيران
increase حجم الخط decrease

بينما تشير كل المعطيات الى أن اوروبا ستجثو على ركبتيها أمام العقوبات الاميركية الجديدة على ايران بعد خروجها من الاتفاق النووي، ولن تتمكن من حماية مصالحها الاقتصادية، يحبس اللبنانيون أنفاسهم ولا يملك واحد من أركان السلطة الاجابة عن أسئلة ثلاثة محورية.

الأول: كيف سيتمكن القطاع المصرفي من احتواء مسلسل العقوبات على حزب الله، بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الخروج من الاتفاق النووي مع ايران، حيث يتأكد أن تلك العقوبات من عدة المعركة المفتوحة مع طهران مباشرة؟

الثاني: تداعيات الملف النووي على تأليف الحكومة، ومضمون البيان الوزاري والوقت الذي ستستغرقه هذه العملية للشروع في عملها؟

الثالث: ما هو موقف حزب الله من التطورات؟ والحزب جزء لا يتجزأ من المنظومة الايرانية في المنطقة، وطرف أساسي في الحياة السياسية اللبنانية.

في المصارف والمال، كان القرار واضحاً منذ 2011 وانفجار قضية المصرف اللبناني الكندي على خلفية تبييض أموال لحزب الله. لم يولد قرار قفل المصرف وشطبه من لائحة المصارف بسهولة. حتى اذا تبدى أن الحبل مربوط بوتد وزارة الخزانة الاميركية، أطعنا وأذعنّا. وكان مصرف لبنان يبلغ الخزانة بتفاصيل عروض شراء موجودات المصرف ومطلوباته لحظة بلحظة. الموقف الفيصل كان لجمعية مصارف لبنان. هذا مال الناس ومال المساهمين، ولا مجال سوى الامتثال للقوانين الدولية والمبادىء الناظمة للعمل المصرفي الدولي. وبدت مرة أولى في مسار علاقتها مع مصرف لبنان، إنها كانت مستعدة لقول "لا" عريضة لو تمّ تغليب الاعتبارات السياسية على مصالح المصارف اللبنانية ومستقبلها.

كان لافتاً مضمون البيان المقتضب الذي صدر عن اجتماع مجلس جمعية المصارف الأربعاء الماضي. أي قبل الاعلان بساعات عن العقوبات الجديدة على حزب الله. فبالاضافة الى التأكيد على الاصلاحات ووقف الفساد وإعمال المؤسسات الدستورية، "أكّد المجلس بالإجماع على أهمية بناء الدولة العادلة والقادرة بعيداً من مشاركتها سلطتها من أيّ جهة كانت. وذكَّر المجلس بأن الشعب اللبناني تحمّل أعباء ضريبية جديدة وكبيرة في سبيل تقوية الدولة بجميع وظائفها". الفقرة التي تصيب المسؤول اللبناني بدورة من الحِكاك الدغِل. انتهى البيان برسالة الى الحكومة المقبلة "لمناسبة انجاز الانتخابات النيابية والعمل على تأليف حكومة جديدة، أعاد المجلس التأكيد على التزام القطاع المصرفي اللبناني، في كلّ الظروف، تطبيق قواعد الإمتثال والشفافية تحت سقف السلطات النقدية والرقابية الرسمية، والحرص على إدائه المعهود والمتميز بحسن إدارة المخاطر وباحترام قواعد العمل المصرفي الدولي بصورة دقيقة. ولا سيما القواعد الاميركية والاوروبية ضماناً لانخراط لبنان الآمن والمستدام في المنظومة المالية الدولية". ختم البيان. يتجاوز مغزى البيان العقوبات على حزب الله فحسب، ووجوب الامتثال لها واستجابتها. المصارف ترسم خطوط الطول والعرض عند حدود مصالحها. إيحاءات البيان تقول إن الانكشاف على المنظومة السياسية بلغ أوجّه بكل المعايير. والمهادنة ممنوعة في المناطق المحظورة. وقد فهمنا من مصادر مؤكدة، أن جمعية المصارف تلقت معلومات من مصادر مرجعية خارجية مهمة عبر الوسائل الدبلوماسية، بأن استعدوا لمرحلة جديدة من العقوبات على حزب الله. لا مجال لمناورات صورية. "بالذخيرة الحية هذه المرة".

كثيرون لا يعولون وهلة أولى على أثر العقوبات الفعلي على حزب الله وقادته. فلا أحد منهم سيفتح حساباً صريحاً بالإسم ولو أتيح له ذلك. والاميركيون يدركون لا شك صعوبة ضبط العمليات المصرفية في مجتمع قائم على "الكاش". والأمر ليس حصراً بحزب الله. لكن ذلك لا يعفي المصارف من مسؤولية فتح حسابات بحسن نية وسجلات مصرفية ناصعة وفقاً للأصول، ثم تبين إنها أموال غير مشروعة. هذا سيف مسلط على المصارف. أما العقوبات على الكيانات التي تدعي وزارة الخزانة الاميركية حيازتها كلياً أو جزئياً من حزب الله، فأمرها مختلف تماماً. صحّ الادعاء أم بطُل. هذه ستقفل في وجهها منافذ التمويل والتجارة المؤسسية. وهنا ستترتب مشكلات كبيرة للأفراد المؤسسين الذين يديرون تلك المؤسسات ويسهمون فيها ويتعاملون معها. وهؤلاء لهم حسابات في المصارف اللبنانية في الغالب الأعمّ. المصارف المعنية مطالبة بقَفل حساباتهم فوراً. الحسابات الدائنة يفترض تجميدها موقتاً، ومصادرتها في حال ثبوت التهمة. العبء الكبير هو في الحسابات المدينة وكيفية التعاطي معها. بحسب المعلومات المصرفية الرصينة، فأحد الأفراد في لائحة العقوبات الأخيرة مدين لأحد المصارف. والبحث جارٍ حالياً للطلب الى المصرف تغطية الدين من أموال مساهميه الخاصة. وهو فوق 120 مليون دولار اميركي. هنا ينتقل أثر العقوبات المؤسسية الى المصارف. لاسيما وأن المصرف المعني مدرج في لوائح الخزانة الاميركية ولم يشفع له تغيير رأس ادارته. وهو في مأزق حقيقي. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا يحسم في هذا المجال. يتأبط الحقيبة الى قصر بعبدا والسرايا الحكومية أحايين، والى عين التينة أحياناً عندما تكون "السكين عالبطيخ". يرطن بالمصطلحات المصرفية والتقنية. والقرار سياسي في النهاية.

أما عن تأليف الحكومة وبيانها الوزاري، فتبدو القوى السياسية في منطقة أخرى لا علاقة لها بأزمات لبنان، ولا بالمخاطر الاقليمية. تكبير اللوائح النيابية. وتنابذ الى حدود البلطجة على الوزارات عدداً ونوعية وبسيادة وبلا سيادة. حزب الله يقول بلسان أحد مسؤوليه، إن العقوبات جاءت "لتطويق الحزب بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات النيابية الأخيرة"! وزير الخزانة الاميركية ستيفن منوتشين على ما نقلت "الدايلي ستار" ذهب الى أبعد. وقال أن وزارة الخزانة لا تميز بين الأجنحة السياسية والعسكرية لحزب الله. وهذا يشمل مشرعي الحزب أنفسهم. أي أن رجل الادارة المقرب من ترامب، والوحيد الذي لم يعزله من بين كبار مساعديه، لا يريد الحزب داخل مجلس النواب. هؤلاء يقبعون على الضفة الأخرى من الأطلسي ويديرون العالم من هناك. لكن أيننا من ادارة أزماتنا؟ ليت  المتناحرون على السلطة يعلمون، إنه في كل يوم سيمضي من دون حكومة، تتعمق الأزمات، ويهان المواطن، ونقترب من الدولة الفاشلة بعد انتخابات نيابية جديدة وقانون انتخابات جديد.

أما حزب الله، سندع وإياه الترهّات الاميركية. لكن، ما هو فاعلٌ لخروج البلاد من عنق الزجاجة. بعد أيام عيد التحرير من العدو الصهيوني. وكان للحزب اليد الطولى فيه. سبقه مقاومون وطنيون يراد إخفاء سجلهم وتضحياتهم حتى من رفاق الدرب. أما آن الأوان لبناء الدولة ورفع المهانة عن الناس؟ لبنان لا يتحمل ما تعجز عنه ايران. وما تذعن له اوروبا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها