الإثنين 2018/05/14

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

تعديل"النووي" أو ترضخ أوروبا

الإثنين 2018/05/14
increase حجم الخط decrease

لم يترك قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، هامش مناورة متاحاً للدول الاوروبية للخروج من المأزق. هي ليست قادرة على مقايضة تمسكها بالاتفاق بتحمل العقوبات الاقتصادية الاميركية. ولا ايران تبدو مستعدة لإعادة التفاوض على بعض بنود الاتفاق خياراً يعمل عليه الاوروبيون. وأساسه تطوير الصواريخ الايرانية الباليستية، ودور ايران "المزعزع الاستقرار في المنطقة" كما يصفه ترامب وادارته. لو وافقت ايران على ذلك، لخسرت كل ما تعتبره انجازات حققتها في الحرب السورية لدعم نظام بشار الأسد، ولجَسر الفجوة بين "دول أربع بات تمتلك طهران قراراتها أو تحت نفوذها". العراق وسوريا ولبنان. فتكتمل الحلقة باليمن على خاصرة دول الخليج العربي. ولم تتردد وطهران تعلن ذلك جهارة.

الدول الاوروبية سترضخ في النهاية للموقف الاميركي. يستحيل أن تتحمل العقوبات الاقتصادية والتبعات السياسية. مفاضلة بسيطة تتحدث عن نفسها.  العملاق الألماني، بلغت صادراته إلى إيران في 2017 بحسب يوروستات نحو 3 مليارات يورو. زهاء (3.57 مليار دولار اميركي) قرابة 0.2% من صادرات ألمانيا الإجمالية في 2017. وهو أكبر من صادرات بريطانيا وفرنسا. بينما بلغت قيمة صادرات الشركات الألمانية إلى الولايات المتحدة  نحو 111 مليار دولار اميركي. المعادلة بين 3.57 وبين 111. هناك نحو 120 شركة ألمانية في ايران، وعلى رأسها سيمنز، وفولسفاكن وهينكل، يديرها خبراء وفنيون ألمان مقيمون في طهران. ونحو 10 آلاف شركة ألمانية تصدر الى ايران سلعاً وخدمات. مؤسسة هيرميس الحكومية لضمان الصادرات، غير مستعدة لتعويض المصدرين الألمان في ضؤ العقوبات الاميركية. هذا ما عناه مداورة وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير حين صرح "نحن مستعدون لبحث ما يمكننا أن نفعله للحد من التداعيات السلبية على الشركات. والأمر يتعلق بوضع الأضرار في أضيق حدود. ويشمل تقديم الاستشارات القانونية". واعترف أن الحكومة "لا تملك إمكان حماية شركات ألمانية من قرارات الحكومة الأمريكية أو الاستثناء منها". الحال نفسها مع فرنسا وكوفاس. توتال وبيجو وبويك تأكدت وفق وسائل الاعلام الفرنسية من الرئيس إيمانويل ماكرون مباشرة بعد لقائه ترامب في واشنطن بأن الأمور ليست على ما يرام. ومشاريع الشركات الثلاث من طابع استثماري طويل الأجل كان في عنق العقوبات المالية قبل ترامب. آير باص التي تعاقدت على تصدير 100 طائرة الى طهران توقفت عن التصنيع بعد اسستئخار تسلمها دفعة على الحساب. سبق ذلك فيتو اميركي يحول دون تصدير منتجات صناعية فيها مدخلات اميركية إلاّ بإذن رسمي. وفي آير باص 10% من تلك المدخلات. كذلك فعلت بوينغ الاميركية التي تقوم باجراءات إلغاء صفقة تصدير نحو 80 طائرة.

طبيعة العقوبات التي فرضها خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كانت بلا رجعة. أي غير قابلة للتفاوض إلاّ على الأساس السياسي الذي سبقت الاشارة اليه. فورية على العقود الجديدة. و180 يوماً لخروج الشركات المتعاقدة. ترجمها مستشار الأمن القومي الاميركي جون بولتون بعد قرار ترامب، والسفير الاميركي في برلين ريتشارد غرينيل في تصريح أول فظّ بعد تعيينه. "خروج الشركات الألمانية فوراً من ايران". وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير الذي اعتبر أن "ليس مقبولاً أن تتصرف الولايات المتحدة "شرطياً اقتصادياً"، في خطوة منسقة مع ألمانيا وبريطانيا، يعلم أن الدخول في مجابهة مع الولايات المتحدة على خلفية الصراع مع ايران لحماية المصالح الاقتصادية الاوروبية، لن يبقى في اطاره الاقتصادي. سيتجاوزه الى التحالف الاميركي الاوروبي في الشؤون الستراتيجية على الصعيد الدولي. والاتحاد الاوروبي يعاني اختلالات بنيوية. ويختلف على موازنته السنوية وتوزع حصصها ومنافعها.

ترامب الذي طالب اوروبا بسداد الولايات المتحدة تكلفة حمايتها في الحلف الأطلسي، وتفوه بعبارات مهينة ضد اوروبا، وتعامل بفظاظة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت رسالته واضحة منذ البداية. وحين تدخل الدولة الصهيونية على خط السياسة الخارجية الاميركية، تكتمل عدة قرار الادارة لحماية ما تعتبره مصالح استراتيجية لها في الشرق الأوسط. رفع العقوبات الذي أتاح للأوروبيين اعادة ترميم العلاقات التجارية والاستثمارية مع ايران، وأطلق سباقاً نحو استثمارات كبريات الشركات الاوروبية في مجالات الصناعات الهندسية والتعدين والنفط والاتصالات وغيرها في طهران، بقي في عنق العقوبات المالية والمصرفية الاميركية. وقد استعصى على الكثير من الشركات الاوروبية والمستثمرين في أحايين كثيرة العثور على منفذ مصرفي اوروبي لتحويل الأموال الى ايران للشروع في تنفيذ التعهدات الاستثمارية. إلتحقت ايران من جديد في نظام التحويلات المصرفية الدولي سويفت. وتعبر من خلاله يومياً عشرات ملايين التحويلات عبر العالم بما ذلك الى الولايات المتحدة ومنها. ولم يكن ذلك كافياً لرفع حاجز الخوف من أمام المؤسسات المصرفية الاوروبية. لرؤساء الدول الاوروبية وحكوماتها أن يحتسبوا بحرص مصالح بلدانهم الاقتصادية في كل الاتفاقات الدولية. بيد أن القطاع الخاص يملك محركات الاقتصاد ومؤسساته وليس الدول. المصارف والمؤسسات المالية الاوروبية هي التي تتحمل مباشرة خرق العقوبات. وعليها دفع الغرامات المليارية الباهظة. وقد حصل الأمر فعلاً مع عدد لا يستهان به من المصارف الفرنسية والبريطانية والألمانية والسويسرية وغيرها. شفاعة الحكومات الاوروبية مع الادارة الاميركية لم تُجد. وكان على المؤسسات أن تعوض الغرامات نقداً من أموال مساهميهما. و"الشرطي الاقتصادي" يمارس نفوذه بحجمه سياسةً واقتصاداً وقوة عسكرية!

الاتفاق النووي في تموز 2015 كان ملتبساً في الأصل. أصرّت طهران على الفصل بينه وبين دورها في المنطقة. وقبلت به لرفع العقوبات. الاوروبيون استعجلوه لمصالح اقتصادية. الكونغرس بضغط من الجمهوريين لم يقره معاهدة ملزمة بل بقي اتفاقاً حمّال اوجه. وترك طهران معلّقة على حبل العقوبات المالية والمصرفية. وقبِل الرئيس السابق باراك أوباما هذا الالتباس. أو ربما تقصده انجازاً له. بعد نحو أعوام ثلاثة على الاتفاق، تغير الكثير من المعطيات السياسية في المنطقة. ايران طورت منظومة الصواريخ الباليستية. وهي وسيلة نقل الصواريخ النووية التي تنفي طهران نيتها بتصنيعها. بينما راحت تستخدمها بالفعل ضد السعودية وتهدد الخليج العربي والمصالح الاميركية في المنطقة. وتورطها على حاله في سوريا واليمن. بعد مجيء ترامب انقلبت الأمور. وفي يده سلاحان. العقوبات الاقتصادية والعسكر والأمن. تفعيل الأول لم يبلغ السقف بعد. الجديد قيد الاعداد في وزارة الخزانة الاميركية. الثاني احتمال في مراتب أقل. ونحسب أن الاوروبيين سيضغطون لتعديل الاتفاق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها