الجمعة 2018/04/27

آخر تحديث: 08:39 (بيروت)

لهذا يخسر لبنان من ضرائبه

الجمعة 2018/04/27
لهذا يخسر لبنان من ضرائبه
الدولة تخسر سنويّاً نحو 200 مليون دولار من إيرادات حصر التبغ والتنباك (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

في معرض التعليق على أثر الزيادات الضريبيّة الأخيرة، كان لافتاً حديث المرشّح عن المقعد الدرزي في عاليه مارك ضو عن وقائع تظهر أن هذه الزيادات لم تكن مدروسة ولا مناسبة، بدليل تسبب بعضها بتناقص في واردات الدولة بدل زيادتها.

ضو صرّح لـ"المدن" أن الأرقام تظهر أنّ الدولة أصبحت تخسر سنويّاً نحو 200 مليون دولار من إيرادات إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، نتيجة التهريب في هذا القطاع. مصدر هذه التقديرات، وفق ضو، هو المدير العام للريجي ناصيف سقلاوي، الذي أعلنها في حديث مع Lebanon Opportunities سابقاً. أمّا سبب توسّع عمليّات التهريب في السنة الماضية فله علاقة مباشرة بزيادة الضريبة على منتجات التبغ المستوردة بشكل شرعي. ما دفع كثيرين من التجار إلى استبدالها بالمنتجات المهرّبة المتوفّرة بسهولة في السوق.

يؤكّد الكلام المنشور هنا كلام سقلاوي في المؤتمر الوطني الأوّل لمكافحة الإتجار غير المشروع الشهر الماضي. فقد أكّد أنّ نسبة البضائع المهرّبة في قطاع التبع ارتفعت سنة 2017 من 6.1% إلى 30.1%، وهو ما يعكس الأثر الذي تركته الزيادات الضريبيّة التي تم إقرارها. ووفق سقلاوي أيضاً، انخفضت واردات الريجي من هذا القطاع من مليار دولار سنويّاً سنة 2012، إلى 564 مليون دولار سنة 2017. ما يعكس تحديداً حجم الخسائر السنويّة نتيجة التهريب في هذا القطاع.

برأي ضو، فإن المشكلة الأولى كانت في منطق فرض هذه الضرائب، إذ تم تصميم هذه الزيادات بحسب نسبة الزيادة التي يمكن أن تحققها كل ضريبة في إيرادات الدولة لتمويل السلسلة. أي أنّ هدفها كان احتسابي وليس استراتيجياً، بمعنى تقدير الأثر الذي يمكن أن تتركه على نطاق أوسع. ويذكّر ضو، على سبيل المثال، بالزيادة التي تمّت على المشروبات الروحيّة، التي أثّرت على الكلفة التي تتحمّلها المؤسسات السياحيّة، خصوصاً في ظلّ الأزمة التي يعاني منها القطاع السياحي، والتي تتطلّب دعمه وليس تحميله أعباء إضافيّة.

أمّا المشكلة الثانية التي تُحيلنا إليها أزمة إيرادات التبغ والتنباك، فهي مسألة التهرّب الضريبي، التي تظهر بوضوح من خلال احصاءات الجمارك. وفي رأي ضو، من غير المنطقي رفع الرسوم على البضائع المستوردة دون الحد من التهرّب الضريبي عبر البضائع المهرّبة، لأن ذلك يعني تحوّل جزء من الطلب إلى السوق السوداء. بالتالي، خسارة إيرادات حكوميّة. مع الإشارة إلى أنّ مسألة التهريب تطاول قطاعي التبغ والكحول على حد سواء.

وقد عكست الآثار التي ظهرت مسألة أخرى مهمة تتعلّق بوجود سياسة ضريبيّة غير متناسقة. فمن غير المنطقي مثلاً، أن يتم اعفاء منتجات إلكترونيّة مستوردة من الرسوم الجمركيّة، بينما يتم فرض رسوم على المكوّنات المطلوبة لتصنيعها محليّاً. هذا النوع من الإجراءات لا يتناسب مع استراتيجيّة تشجيع الصناعات المحليّة.

وفق دراسة قدّمها الأستاذ في جامعة سيّدة اللويزة حسن حمادة، فإنّ واحدة من الأسباب التي تمنع لبنان من تطوير النظام الضريبي بشكل مدروس ومتأنٍّ هي اعتماده على الضرائب غير المباشرة بنسبة 75%، بينما يتطلّب تحقيق أهداف التنمية المدروسة اعتماد ضرائب على الربح والثروة والرأسمال.

من جهة أخرى، فإن نسبة عائدات الضرائب مقابل الناتج المحلّي تبلغ 15%، بينما تبلغ 26% في الدول الشبيهة بلبنان. وفي ذلك إشارة على ضعف القدرة على تحصيل الضرائب. لذلك، نرى الدولة، بسبب التهرّب الضريبي، تعتمد الخيار الأسهل عبر الضرائب غير المباشرة، التي تؤثّر على ذوي الدخل المحدود والمتوسّط. ويقترح حمادة تطوير أنظمة ضريبيّة تعتمد الضريبة المباشرة على الدخل الفردي.

في الواقع، مشكلة تدنّي الإيرادات من قطاع التبغ ليست سوى عارض بسيط من جملة العوارض التي تظهر أنّ النظام الضريبي في لبنان لا يستند إلى أي أهداف أو خطط متكاملة وطويلة الأمد. لذلك، فإن معالجة الأزمة يجب أن لا تقتصر على حلول موضعيّة لأزمة التهريب، بل ثمّة ضرورة إلى السعي لإقرار سياسات ضريبيّة تعتمد على أهداف اجتماعيّة واقتصاديّة عامّة، لا على عمليّات حسابيّة بهدف معالجة مشاكل معيّنة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها