الأربعاء 2014/05/21

آخر تحديث: 01:15 (بيروت)

تسليفات المصارف اللبنانية: للإستهلاك لا الإنتاج

الأربعاء 2014/05/21
تسليفات المصارف اللبنانية: للإستهلاك لا الإنتاج
أسهمت القروض المدعومة من قبل مصرف لبنان في إمتصاص سيولة المصارف الفائضة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
من قال ان "الربيع العربي" الذي إجتاح دولاً عديدة ترك لبنان وشأنه؟
صحيح ان لبنان لم تجتاحه موجة الربيع، لكن تداعيات هذه الموجة تركت اثراً بالغاً على أكثر من صعيد، أكان سياسياً أم إقتصادياً. وعلى الرغم من سوداوية المشهد الاقتصادي، بحسب خبراء كثر، إلا ان القطاع المصرفي نجح في الإستمرار بالمهمة الموكلة اليه، أي الإستمرار في إقراض القطاعين العام والخاص. عملية الإقراض هذه، شهدت نمواً خلال السنوات الماضية، خاصة مع إجراءات المصرف المركزي بضخ 2200 مليار ليرة العام 2013 و1000 مليار ليرة العام 2012 على شكل قروض ميسّرة لتشجيع النمو. وقبل هذه الإجراءات قام المركزي بضخ كميات كبيرة من السيولة في السنوات الماضية، حيث استطاعت المصارف التجارية رفع نسب القروض من 39.5 مليار دولار العام 2007 الى 79.2 مليار دولار العام 2013، أي بزيادة نسبتها 100% تقريباً، بحسب تقارير جمعية المصارف اللبنانية. كما زادت نسب إقراض القطاع الخاص على حساب القطاع العام. إذ إرتفعت نسبة إقراض القطاع الخاص من 45% - مقارنة مع نسبة اقراض القطاع العام البالغة 55% - في العام 2007، الى 52% - مقارنة مع 48% للقطاع العام - في العام 2013.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تحديداً بعد إندلاع الربيع العربي، حاول القطاع المصرفي اللبناني المحافظة على نسب مقبولة من نمو الموجودات، بالرغم من انخفاض النسب من 22.3% العام 2009 الى 8% العام 2013. وبقراءة سريعة لمعدلات النمو نلاحظ إنخفاض النمو في سنوات الربيع العربي، ففي العام 2011 وصلت النسبة الى 9 في المئة، وانخفضت إلى 7.5% في العام 2012، فيما إرتفعت في العام 2013 الى 8.5%.
بحسب المصرفيين، تعد هذه النسب مقبولة، فالأوضاع السياسية التي مرت بالسنوات المذكورة لم تكن تسمح بتحقيق نمو أكبر، وبالتالي لم تكن تسمح بزيادة حجم التسليفات، وقد اشار رئيس مجلس ادارة "بنك لبنان والمهجر" سعد الأزهري إلى ان العام 2013 شهد زيادة في حجم التسليفات المصرفية للقطاعين العام والخاص. اذ تشير الأرقام الى ان محفظة القطاع المصرفي من سندات اليوروبوند ارتفعت  بنسبة 36 في المئة على أساس سنوي ، فيما ارتفعت حصة التسليفات  بسندات الخزينة اللبنانية 18 في المئة، أمّا القطاع الخاص فقد ارتفعت التسليفات بنسبة 8 في المئة عن العام الذي سبقه.
يقول الأزهري لـ"المدن": ان الربع الأول من العام الحالي حافظ على الوتيرة نفسها للعام 2013 وبالتالي فإنه من غير المستبعد، ان تكون أرقام هذا العام مغايرة للعام 2013، خصوصاً ان هناك انفراجات سياسية وأمنية تحصل في لبنان بعد سنتين من التأزم".
لاشك في ان الاوضاع السياسية لعبت دوراً على صعيد حجم التسليفات ونسب النمو، لكن الأبرز والأهم في أي إتجاه سارت تلك التسليفات؟ وهل فعلاً كانت تصب في عمق الإقتصاد اللبناني؟
خبراء الاقتصاد يختلفون، كل حسب مدرسته، في مدى قدرة المصارف على الدخول في عمق النشاط الإقتصادي، خاصة ان نسب التسليفات كانت تصب دائماً في خانة تعزيز دورة الإستهلاك، بعيداً من الإستثمار. يرى الخبير الإقتصادي لويس حبيقة أن المصارف اللبنانية تتخذ ذريعة المخاطر لتقطير القروض بشكل يخنق الاقتصاد، فلبنان معتاد على ظروف سياسية وأمنية صعبة، لكن الدور الرئيسي للمصارف في تحفيز الاقتصاد من طريق توسيع محفظة القروض، وبالتالي زيادة نسب النمو لم تكن محكمة بالشكل المطلوب منها، مشيراً لـ"المدن" إلى: إن المصارف اللبنانية حتى اليوم لم تدخل في  عمق الاقتصاد، لكون الدور الرئيسي المنوط بها هو إقراض القطاع الخاص والعام في بعض الأحيان، لكن إنخراط المصارف في إقراض القطاع العام جعل من دورها سلبياً في الاقتصاد.
أما الخبير الإقتصادي غازي وزني فيرى أن المصارف اللبنانية لا تستطيع توسيع مروحة الإقراض، كونها مؤتمنة على أموال المودعين.  ويشير إلى أنه لا يمكن الخوض في غمار تسليفات تضع أموال المودعين في خطر. ويوضح لـ"المدن" أنه: في السنوات الثلاث الماضية  نجحت المصارف في تحقيق نسب نمو وإقراض بشكل مقبول، نظراً للظروف التي عصفت بلبنان وببعض الدول العربية، معتبراً ان خطة المركزي  في ضخ مليارات الليرات عامي 2012 و2013 ساهمت بشكل كبير في تحفيز سلة القروض.
يضيف وزني ان مخاوف المصارف تأتي في إطار حجم المخاطر المحيطة بالديون اللبنانية ومقرّرات بازل 3، حيث ان إرتفاع المخاطر على الديون السيادية بحسب مؤسسات التصنيف الدولية تلعب دوراً في حجم التسليفات، ولذلك انخفضت التسليفات العام الماضي عن الذي سبقه بسبب بيانات "ستاندرد اند بورز".
لا شك في أن الأوضاع السياسية لعبت دوراً في إحجام المصارف عن القيام بدورها، لكن السؤال المطروح هل تستطيع المصارف تحويل نشاطها التسليفي نحو عمق الإقتصاد، الإنتاجي خصوصاً، عبر الشروع في عملية تمويل المشاريع الاستثمارية، بعيداً من التغني بأرقام تسليفات لا تصب الا في خانة الاستهلاك الذي لا يؤمن حركة نمو يحتاجها اقتصاد أي بلد؟ كل المؤشرات لا توحي بذلك. 
 
increase حجم الخط decrease