السبت 2015/07/25

آخر تحديث: 16:15 (بيروت)

رأفت الميهي.. "سينما المسخرة" و"فيلسوف الغلابة"

السبت 2015/07/25
رأفت الميهي.. "سينما المسخرة" و"فيلسوف الغلابة"
رأفت الميهي خلال تكريمه من الأب بطرس دانيال
increase حجم الخط decrease

يمثل مشروع الإبداعي للمخرج رأفت الميهي، الذي غيبه الموت أمس، نموذجًا أصيلا لرغبة المبدع في تجاوز ذاته، حيث تبدو النقلات الفنية التي تخللها مشواره السينمائي بمثابة فخاخ نصبها لنفسه لاختبار قدرته على اجتيازها، فالتجريب لدى أي مبدع هو طموحٌ لا يكمن في رغبة التجديد بمفهومه السطحي، بقدر ما هو غرض لاختبار قدراته الإبداعية تجاه النمط الفني بأبعاده المختلفة.

دخل الميهي، المولود في 25 سبتمبر 1940، والحاصل على ليسانس الآداب في اللغة الإنكليزية، باب الإبداع السينمائي من محطة السيناريو، ليستمر طيلة ثماني سنوات، في تقديم عدد من أهم الأفلام المصرية في تاريخ السينما، مثل: "شروق وغروب، وغرباء، وأين عقلي، وعلى من نطلق الرصاص"، قبل أن يسكت ست سنوات، ويعلن بعدها عن نيته الإخراج في فيلمه الأول "عيون لا تنام"، وليس التجريب الذي قصدناه هو انتقاله من الكتابة إلى الإخراج في اعتبارها الاختبار الفني الذي يلقي بنفسه فيه، وإنما هو نقلة في سبيل تمكين نفسه من امتلاك أدوات العمل الفني ككل، وهو ما يفسره بقوله: "الحقيقة أنني لا أجد سببًا واضحًا لتحولي للإخراج، فقط شعرت أني أريد أن أخرج، وذلك مثلما أريد أن أشرب أو أنام.. لك أن تعتبره تطورًا بيولجيًا، إنه تحول منطقي وعادل لرغبة ربما كانت  في داخلي في امتلاك العمل بصورة كاملة"، وربما يطرح الرأي الذي أطلقه المخرج الراحل توفيق صالح على أسلوب الميهي أنه "لا يُخرج، إنه يكتب السيناريو، ثم يصوره"، أفقًا أرحب لفهم انتقاله إلى الإخراج في اعتباره وسيلة أكثر اطمئنانا لتمرير رؤيته الفنية مباشرة دون تدخل من مبدع آخر هو "المخرج".

ويمثل الوصف الذي طرحه الناقد محمد عاطف في كتابه "رأفت الميهي.. رجل السينما"، الصادر ضمن مطبوعات المهرجان القومي للسينما 2014، الإطار الفني لمشروع الميهي السينمائي، حيث يقول "ربما يعد المخرج الكبير رأفت الميهي مثالًا نموذجيًا على الصعيد السينمائي المصري والعربي لفكرة المثقف العضوي (...) من حيث امتلاكه لمشروع سينمائي نقدي يتمثل في الإصلاح الثقافي والأخلاقي الذي يقوم منذ بداية السبعينات –وفقًا للحالة المصرية- على نسق من إرادة هزم مراكز القوى الجديدة المؤلفة من طبقة الرأسمالية الطفيلية (...)، يضاف إليهم اليمين الجديد بشقيه: المحافظ (...) والرجعي. (...) كأنه أراد منذ البداية أن يصبح "فيلسوف الغلابة" الذي يذهب بفنه إليهم ويبسط رؤيته إلى عقولهم".

وتتضح تلك الرغبة النقدية لدى الميهي بجلاء منذ أول أفلامه "جفت الأمطار" –إخراج سيد عيسى-، الذي قرر أن يسير على نهج أستاذه صلاح أبو سيف، أحد رواد المدرسة الواقعية في السينما المصرية، ولعل تلك السنوات الثماني في كتابة السيناريو لأفلام كمال الشيخ وعاطف سالم وغيرهم، ما جعلت النقاد يصفون العديد من أعماله اللاحقة خطأ بالفنتازيا، في إشارة للأطر الفنية التي طرح من خلالها عوالم أفلامه؛ أو للهروب من عين الرقيب، فالفانتازيا نوع أدبي يعتمد على الأشياء الخارقة للطبيعة (وليست الميثولوجيا أو الموروث الشعبي) كعنصر أساسي للحبكة الروائية، والفكرة الرئيسة، وأحيانًا للإطار، بيد أن الميهي لم يبرح ساحة الواقعية مطلقًا، وإنما قدمها بمنظور آخر من خلال السخرية منها، وهو ما يتضح في تصوره عن السينما التي يصفها بالـ"مسخرة" التي تُحاكى حياتنا، فتصبح سينما الميهي بحسب الناقد محمود الغيطاني: "سينما المسخرة، والمقصود بالمسخرة هنا السينما التي تسخر من الواقع، أو التي تعلو فوقه، محاولة في ذلك تأمله وتحليله، والسخرية منه؛ نظرًا لعبثيته".

أما التجريب لدى الميهي، فليس فقط في اختبار ذلك الواقع طبقًا لرؤاه المتعددة له، وإنما أيضًا في اختبار أدواته الفنية بدءًا من السيناريو وانتهاءً بالنوع الفني، فـ"عيون لا تنام" يختلف عن "الأفوكاتو" الذي يختلف بدوره عن "سمك لبن تمر هندي" و"ست الستات" و"علشان ربنا يحبك"، كذلك يختلف عادل إمام عن محمود عبد العزيز عن ماجد المصري عن أحمد رزق، كما تختلف معالي زايد عن ليلى علوي عن داليا البحيري؛ سواء من حيث مستوى التحقق الفني لكل ممثل فيهم وقت اختياره، أو بالنسبة لامتلاكهم أدواتهم الفنية وحجم موهبة كل منهم على حدة، الأمر نفسه بالنسبة للسينما والدراما التلفزيونية، حيث أخرج المسلسل الدرامي "وكالة عطية" عام 2009، لذا فإنه يصعب وصف أي من أعماله بأنه "ذروته الفنية"، فليس للتجريب عند رأفت الميهي خط بياني يصعد من عمل لآخر حتى يصل إلى ذروته قبل أن يتقهقر، وإنما قد يكون المقياس بحجم/بجدية الاختبار الذي وضع فيه رؤيته وأدواته الفنية، والتي يمكن أن تكون قد نجحت هنا وخابت هناك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها