الثلاثاء 2024/04/30

آخر تحديث: 12:07 (بيروت)

لا تتركوا باسم خندقجي وحيداً

الثلاثاء 2024/04/30
لا تتركوا باسم خندقجي وحيداً
increase حجم الخط decrease
وأخيراً وصل صوته إلينا ووصل إلى العالم. انزع قيودك والأغلال ما أنت بالأسير إنما نحن جوقة الأسرى. وإذا لم نتحرر فطريقك إلى الحرية ملاى بالأحجار والأشواك ودونها أهوال.

تستحق رواية باسم خندقجي الفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، وفي هذا الموقف نحن أمام قضية الرواية وقضية الروائي. عبّر باسم خندقجي في روايته عن الصراع المستمر بين الأصل والقناع، أو قُل بين نور الشهدي واور شابيرا. هناك وجه وقناع وكشف، وفي المآل الأخير انتصار الوجه على القناع. انتصار الحق على الباطل، انتصار فلسطين على إسرائيل.

خرج باسم خندقجي عن المألوف في روايته. لم يكتب عن السجون والسياسة ورأيه أن "الأدب يعمر أكثر من السياسة". كتب عن البلد السجين، عن ابن البلد المسجون في زنازين الاحتلال. حوّل الرواية إلى سلاح للمواجهة، عن الكل لا عن الجزء. فعل ذلك لأنه إنسان حر، حر من الداخل ومقاوم ومناضل.

يرسم باسم خندقجي في روايته ثلاثة خطوط لتطور الأحداث ويصعدها درامياً ومعرفياً. في الخط الأول يروي وقائع الأحداث التي تجري بين أمام الله والقدس ومرج بني عامر، مصوّراً بدقة الواقع الفلسطيني الراهن. أما الخط الثاني ويتعلق بالحكايةة المزمعة روايتها ومتابعتها والتصورات والسيناريوهات والأحداث التي تجري في القرن الأول ميلادي في منطقة تل مجدو المحاذية لمرج بني عامر. ونرى في هذا الخط شخصيات وهمية ورمزية. وتكمن وظيفة هذا الخط في التأكيد على تاريخية فلسطين في مواجهة التشويه والتزييف وكل ما هو غريب عن أرضها وروحها وهويتها. أما الخط الثالث، فيتعلق برسائل صوتية مسجلة يوجهها بطل الرواية نور، إلى صديقه المعتقل مراد، بصيغتي المتكلم والمخاطب في سبيل إزاحة الشعور بالذنب عن كاهل البطل واستعادة توازنه.

رواية "قناع بلون السماء" مبدعة في تركيبها البنيوي وسردها المشوق. وفي استهداف المعنى وفي توقها المستميت إلى الحرية. ذكّرتني برواية "عائد إلى حيفا " للكبير الراحل غسان كنفاني. رواية ستعيش معنا طويلاً وسنظل نذكر بطلها الشغوف والملهم بالتاريخ والهوية والحق والحرية لفلسطين وأهلها.

أما قضية الروائي، فأمر آخر. باسم خندقجي محكوم ثلاثة مؤبدات من سلطة الاحتلال وهو في السجن منذ العام 2004. أسس في السجن صندوقاً لدعم الأسرى. تابع تعليمه ونال الماجستير وهو في السجن. باعت والدته أساورها لسداد كلفة التعليم. ويعكف حالياً على تحضير شهادة الدكتوراه. له 6 كتب بين رواية وشعر والعديد من المقالات. وكل مخطوطاته التي نشرت في بيروت ومدن العالم العربي، هُرّبت من السجن، رغم أنف السجان وعينه وأغلاله وتقنياته. منذ بروزه ككاتب واعد، وإسرائيل تحرض عليه وتنكل به وتنعته بالإرهابي.

باسم خندقجي اليوم الرمز الشاب لإرادة استمرار الصراع. أعاد اختراع الأمل وحاور الأفق. كتب مقالات عديدة في مجلة "الدراسات الفلسطينية"، وفي إحداها ردّ على ما يحدث في غزة تحت عنوان "هكذا تحتضر الإنسانية". كتب عن البوليتسايد، أي إبادة الجماعة. وكتب عن السوسيوسايد، أي تدمير مقومات الحياة للجماعة. وهو الآن في حالة حصار وفي زنزانة انفرادية.

في قصيدة "حالة حصار"، يقول محمود درويش:
لنا أخوة خلف هذا المدى
أخوة طيبون بحبوننا 
ينظرون إلينا ويبكون
ثم يقولون في سرّهم
ليت هذا الحصار هنا علني
ولا يكملون العبارة. 
لا تتركونا وحيدين....
لا تتركونا.

قرّر باسم ان يكون حارساً للرواية الفلسطينية الحديثة. فلماذا لا نساعده ونطلق الصوت عالياً أفراداً ومؤسسات واتحادات لبنانية وعربية وأجنبية، للمطالبة بجائزة الحرية للأسير المبدع باسم خندقجي؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها