الإثنين 2024/03/04

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

حكايات سورية من غابة البنادق

الإثنين 2024/03/04
حكايات سورية من غابة البنادق
فتاة الرقة
increase حجم الخط decrease
هبة حاج عارف، ناشطة سورية، عُثر عليها مشنوقة في بيتها الاسبوع الماضي. وعلى الفور توجهت أصابع الاتهام إلى فصيل "الحمزات" العسكري، الذي يحكم بلدة "بزاعة" في ريف مدينة الباب-محافظة حلب. الأسباب تتجاوز ترهيب الناشطين، إلى مكافحة نشر الأفكار الليبرالية والنسوية. والحادثة ليست الأولى التي يتم نسب مسؤوليتها إلى هذه الجماعة، حيث سبقها اغتيال إعلاميين وناشطين مثال محمد أبو غنوم وزوجته، وخطف آخرين، على مدى أعوام سيطرة هذا الفصيل على المنطقة. لكن التجاوزات ليست حكراً عليه وحده، بل تتشارك فيها غالبية الفصائل المنتمية إلى ما يسمى "الجيش الوطني"، و"هيئة تحرير الشام".

مثال آخر على الفوضى، وغياب القانون: انتشر فيديو لأشخاص يتناوبون على ضرب فتاة وسط الطريق في قرية "تل السمن" بريف محافظة الرقة في شمال شرقي سوريا، من دون أن يتدخل أحد لمساعدتها، في منطقة تخضع لسلطة "قوات سوريا الديموقراطية". التهمة هي "الشرف". وقال ناشطون في وسائل التواصل، أن هذا التصرف، هو من باب حماية العَرْض، وليشكل "رادعاً لأي فتاة أو امرأة تفكر في الغلط أو الخروج على طاعة أهلها وأسرتها". وسبق لمنظمات حقوقية أن وثقت حوالى 200 حادث اعتداء مشابه على النساء في هذه المنطقة.

غير بعيد، وفي محافظة أخرى خارج سيطرة النظام، حصل حادث آخر يستحق التوقف أمامه. منذ أسابيع، سرى خبر سريع في مدينة ادلب، أن ساحرة تدعى "أم علي" سحرت العشرات، وأدخلت الجن إلى أجسادهم. وتمت الاستعانة بعدد من مشايخ الدين في المنطقة من أجل طرده من أجسادهم، بعدما صاروا يتمرغون بتراب الأرض. وعندما لم يفلح هؤلاء في معالجة الحالات، جرى اللجوء إلى وسائل أخرى، وتم الكشف عن أصل الداء، وهو أن "أم علي" ليست ساحرة، بل مروجة حبوب "كبتاغون"، توزعها مجاناً، كي يبدأ الناس الإدمان عليها، وصودف أنها وزعت كمية كبيرة في المرة الأخيرة، قبل أن يتم اعتقالها من قبل فصيل عسكري محلي، تبين له أن حبوب الكبتاغون تصل المنطقة عن طريق مناطق فصائل الجيش الوطني، وهناك من يقوم بتنظيم جلسات سمر للمراهقين، الذين لم يدخلوا المدارس، يتم خلالها تعاطي الحبة مجاناً، كأسلوب لتسهيل الإدمان والانتشار.

هذه مجرد عينات من الجرائم والتجاوزات التي تحرض، كل يوم، على طرح الأسئلة، وتسلّط الضوء على وجوه مختلفة من معاناة سكان المناطق التي خرجت عن سلطة النظام في شمال غربي وشرقي سوريا، وباتت تحت سلطات أمراء الحرب والأمر الواقع، يتبع من يديرونها إلى القوى الأجنبية التي يخدم مصالحها تعفن الأوضاع في هذه المناطق، وتشرذمها، وإغراقها في صراعات محلية بين المكونات، كي يسهل عليها حكمها في نهاية الأمر. وتدرك القوى الأجنبية أن أي وضع صحي، سواء كان اجتماعياً او سياسيا او اقتصادياً، لا يخدم مصالحها، بل يعرضها للخطر.

الحكايات كثيرة عن سوء الأوضاع في مناطق سيطرة الفصائل العسكرية، الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام. وهذا لا يعني أن السوريين يعيشون حياة أفضل في ظل سلطات النظام، أو تحت حكم الإدارة الذاتية الكردية. صار الحال من بعضه، وباتت الرداء تحصيل حاصل، وهو ما انتهى إليه تفكك البلد إلى مناطق نفوذ، تسيطر على قرارها قوى دولية، تركيا، روسيا، الولايات المتحدة، وإيران، تستخدمها في حروب الوكالة، بينما لا يملك أهلها من قرارهم شيئاً.

لم يعد سكان المناطق التي تحمل اسم الأراضي المحررة من النظام، يأمنون على حياتهم وأراضيهم وممتلكاتهم. وفي ظل سيطرة أمراء الحرب، باتت الفوضى هي القانون، وأصبح أمير الحرب بمثابة الحاكم الفعلي للمنطقة يتحكم بها على هواه ووفق مصالحه. ومن أجل ترسيخ سلطات الأمر الواقع، بات لكل من هذه الفصائل جهازه القضائي الخاص وشرطته وسجونه، كما يقوم بتحصيل الأتاوات من المزارعين والتجار وأصحاب الدكاكين والحِرَف الصغيرة.

أوساط سورية في اسطنبول لا تعفي تركيا من مسؤولية تنامي ظاهرة أمراء الحرب، ويقول هؤلاء، إن الأجهزة التركية التي تعمل داخل سوريا، تغض النظر عن تجاوزات الفصائل المحسوبة عليها، لأنها تستخدمها كجيش رديف في حروبها بالوكالة داخل سوريا وخارجها. وهناك من يؤكد أن أنقرة أرسلت مجموعات من هذه الفصائل للقتال في ليبيا واذربيجان وافريقيا. وعلى الضفة الأخرى، تقوم روسيا، كذلك، بتجنيد سوريين مرتزقة للعمل كمقاتلين ضمن قوات فاغنر، وقد تم نقل بعضهم للقتال في أوكرانيا وليبيا وإفريقيا.

أعلام أجنبية ترفرف في السماء السورية. التركي والروسي والأميركي والإيراني، وجيوش هذه الدول تحتفظ بقوات داخل سوريا، وبعضها استقدم ميليشيات أجنبية، كما هو حال إيران، التي تعتمد على حزب الله، وفصائل شيعية عراقية وأفغانية وباكستانية. ولا يقتصر انتهاك السيادة على الأرض. بل هي سارية المفعول بحراً وجواً، ويسيطر على السماء السورية طيران دول عديدة، بما فيها اسرائيل، التي تضرب متى تشاء، وحيثما تشاء، من دون أن يمنعها أحد أو يرد عليها ولو بالكلام، وهي تعمل وفق قواعد اشتباك بينها وبين الاحتلالات الأخرى.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها