الخميس 2024/03/28

آخر تحديث: 16:06 (بيروت)

ابن تيمية التاريخي والمُستعاد

الخميس 2024/03/28
ابن تيمية التاريخي والمُستعاد
increase حجم الخط decrease
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ابن تيمية التاريخي والمُستعاد: مقاربة تاريخية تحليلية في موقف ابن تيمية من المختلِف الديني، من تأليف الباحث رائد السمهوري، وهو كتاب تركّز فصوله الخمسة على مناقشة فكرة ذات جدّة عن ابن تيمية وهي مواقفه من "المختلف الديني" كما يجب أن تُفهم في عصره الذي عاش فيه لا في عصرنا الحالي. يقع الكتاب في 568 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا. 



مقاربةُ شخصيةِ ابن تيمية

يجيب الكتاب ذو الفصول الخمسة ابن تيمية التاريخي والمُستعاد عن أسئلة ملحّة وأساسية، مثل: من هو ابن تيمية؟ ما سياق عصره التاريخي والاجتماعي والسياسي؟ كيف استطاع موضعة نفسه في شبكة الصراعات السلطوية الداخلية والخارجية؟ كيف استوعب مفهومَ "السلف" وعرّفه ووظّفه؟ كيف أصَّلَ قواعد التعامل مع أبرز الطوائف الدينية في زمنه تنظيرًا، وكيف زاول ذلك تطبيقًا؟ وأي أسلوب انتهج؟ كيف تعامل مع المختلفين من المسلمين ومع غير المسلمين؟ هل في الإمكان إعادة إنتاج ابن تيمية وتمثّلُه وتخيُّلُه في زمننا؟

أما دراسة الكتاب، فإنها تمخر عباب الدين وأصوله، والشريعة وأحكامها، والقراءة التاريخية لزمان ابن تيمية بوصفها عدسةً منهجية لفهم الأحداث ومواقف الرجل وأقواله الناتجة منها فهمًا أقرب إلى الصواب، فمن يتخذ زماننا عدسةً لـ "تخيّل" ابن تيمية وأتباعه وخصومه فإنه يختزل "الشيخ الكبير"، وبخاصة حين ينزع فتاواه وتصريحاته من سياقاتها التاريخية وينزّلها على زمانه كما هي، فتخرج مشوّهة غير ناضجة ولا مكتملة، كأن يأخذ فتاوى ابن تيمية في النصيرية ويُسقطها على نصيرية اليوم وهم غير نصيرية الأمس، وسبب فتواه فيهم مختلف عن سياق حالهم اليوم، وكأن يأخذ بعضُهم فتواه ضد التتار فيُسقطها على بعض الأنظمة السياسية اليوم من منطلق مذهبي، كعبد السلام فرج في الفريضة الغائبة، من دون حتى اطلاع كافٍ على السبب الرئيس لفتوى ابن تيمية تلك في التتار، وهو غزوهم دمشق مرات، وليس مذهبهم، الذي ذُكر لديه بالعرَض لا بالذات؟ فهل هناك فرقٌ في الجنس أو النوع بين المماليك والتتار؟ هل انفرد التتار وحدهم بتطبيق الياسق أم كان المماليك أيضًا يطبّقونها؟ ولماذا لم يعامل ابن تيمية النصارى معاملة واحدة، بل تفاوتت مواقفه تجاههم بين الشدة تارةً واللين أخرى؟ كل هذه الأسئلة التاريخية شكلت صُلبَ هذه الدراسة.


العنف والتكفير

أكثر ما يُستحضر فيه ابن تيمية راهنًا مسألةُ العنف والتكفير وغيرهما، ولهذا جُعلَتْ مناقشتُها هي الأساس في قسم مهم من هذا الكتاب، وكذا لأن طرح مسألة "المختلِف دينيًّا" وكيفية التعامل معه في عالمنا العربي المتنوع طائفيًّا اليوم بات أمرًا على درجة عالية من الإلحاح، بعد علوّ صوت الطائفية والمذهبية والعقدية في البلدان العربية، بين سنّي وشيعي وإسماعيلي ودرزي وزيدي وإباضي، ومسلم ومسيحي، وأشعري وسلفي، فضلًا عن تعامل المسلم مع غير المسلمين، من اليهود واليزيديين وطوائف أخرى موجودة في المنطقة منذ مئات السنين، وكان لبعضها أحيانًا تأثير في التاريخ الإسلامي، وساهمت في التراثين الكلامي والفقهي.

ولِفِقْه منهج ابن تيمية، جمع الكتاب القولَ إلى شبيهه، والرأيَ إلى نظيره، وقارن ذلك بمواقف "شيخ الإسلام" العملية، وسجَّلَ أيَّ تناقض واضح ونبّه إليه على الطريقة التقليدية الاستقرائية، وبرغم ذلك اعترضته "فجوة" علمية تمثّلت في عدم إيجاد دراسة في المكتبة العربية تولّت هذه المهمة تحديدًا، في خضمّ دراسات يصعب إحصاؤها عنه تناولت مواقفه من "المختلف الديني عن أهل السنّة"، القريب منه كالأشعرية والمعتزلة والصوفية والشيعة وغيرهم، والبعيد كاليهود والنصارى والفلاسفة وغيرهم؛ إذ لم تتناول أي دراسة بالتفصيل رأيه في مقوّمات "المختلف"، ودرجات اختلافه، وترتيب ابن تيمية إياه من حيث قربه من "أهل السنّة" وبعده عنهم، وأسباب ذلك تاريخيًّا وسياقيًّا واجتماعيًّا، بل ركّز جُلُّ تلك الدراسات على بيان مواقفه العقائدية التي تهدف إلى بيان حقيّة مذهب أهل السنّة وبطلان المذاهب الأخرى. ومع عدم إغماض ما تحويه هذه الدراسات من فائدة، إلا أنها لا تربط ذلك بسياق عصر ابن تيمية أو تتطرق إلى الأوضاع التاريخية والسياسية فيه أو إلى العوامل السياسية والتاريخية التي جعلته يطلق فتاواه كما تتوخى دراسة الكتاب الذي بين أيدينا.


دراسات قليلة ذات صلة بموضوع الكتاب

يشير السمهوري في مقدمة كتابه ابن تيمية التاريخي والمُستعاد إلى أن من أهم الكتب وثيقة الصلة بموضوع بحثه كتاب جمال باروت حملات كسروان: في التاريخ السياسي لفتاوى ابن تيمية، الذي يقول إن له الفضل في تنبيهه إلى القراءة التاريخية، وإن له صلة شديدة بموضوع البحث وإن كان منصبًّا على هوية جبل كسروان فحسب ولم يتطرق إلى غيره، على عكس دراسة كتاب ابن تيمية التاريخي، التي تسعى لتوسيع أفق البحث لتشمل "المختلف" القريب والبعيد كليهما بجميع أطيافهما الفاعلة في عصره. وكذا كتاب في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟ لعزمي بشارة، ولا سيّما من حيث القراءة التاريخية وعدم إغفال الفروق بين السلفيات من وجهة نظر سوسيولوجية وسياسية، وإن كان كاتبه قد اهتم فيه بالسلفية في الزمن المعاصر تحديدًا.

كما يشير السمهوري إلى دراسات اقتربت من موضوع دراسته ولم تُصبها، كدراسة عائض الدوسري موقف ابن تيمية من الآخر، التي غلبت عليها نزعة المديح والدفاع غير الموضوعية والانتقائية، فانتمت بوجهٍ ما إلى المتخيَّل، وكتاب محمد أبو زهرة ابن تيمية: حياته وعصره - آراؤه وفقهه، الذي ذكر فيه أحوال عصر ابن تيمية الاجتماعية والسياسية والعلمية لكنه لم يربط فتاواه ومواقفه بتواريخها إلا في وقعة جبل كسروان، وأكثر مصادره كانت من كتاب ابن كثير. وذكر السمهوري من المصادر رسالة عبد الحكيم أجهر "التأسيس الفلسفي للتسامح في الإسلام، ابن تيمية نموذجًا"، التي وإن كانت ذات صلة بموضوع الكتاب في نواحٍ معينة، إلا أن لمؤلفها فيها شطحات فكرية ترى لابن تيمية أفكارًا مأخوذة من محيي الدين ابن عربي، وأن ابن تيمية كان يقول بمشيئة الله الكونية التي اقتضت أن يكون في العباد كفار ومؤمنون أقرّ الله دروبهم بالقدر الأول وغيرهما، وبذلك جعلت هذه الرسالة من ابن تيمية مجبرًا. ثم يزداد إغراب مؤلف الرسالة حين يقرّ بحقيقة أن ابن تيمية كان متشددًا في التكفير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها