السبت 2024/03/16

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

زوكيسوا وانر عن غزة: التصفيق ابرتهايد صغير

السبت 2024/03/16
زوكيسوا وانر عن غزة: التصفيق ابرتهايد صغير
لا يحتاج المرء إلى أن يكون من بلد له تاريخ من الفصل العنصري ليرى المظالم اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون
increase حجم الخط decrease
"في مايو 2023، أثناء حضوري مهرجان فلسطين للأدب وقبل أشهر من 7 أكتوبر، كنت في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسافرت إلى رام الله والنبي صالح والقدس الشرقية والخليل واللد. ككاتبة قادمة من بلد له تاريخ من الفصل العنصري، صدمني ما مررت به ودفعني إلى كتابة مقال طويل بعنوان "مقالات قصيرة عن شعب في دولة فصل عنصري". لا يحتاج المرء إلى أن يكون من بلد له تاريخ من الفصل العنصري ليرى المظالم اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون من الطرق المنفصلة ولوحات السيارات إلى وصول غرباء من الولايات المتحدة أو جنوب أفريقيا من البيض الذين يشعرون بالحنين إلى الفصل العنصري، ومعهم الأسلحة وحماية جيش الدفاع الإسرائيلي، وذلك للاستقرار في منازلهم. في الواقع، على عكس معظم المهرجانات الأدبية، يأخذ معرض فلسطين الكتاب إلى مدن متعددة لأن الفلسطينيين غير قادرين على السفر دون تصريح من إسرائيل، تمامًا مثل قوانين المرور في جنوب إفريقيا أثناء الفصل العنصري، ولكنها أكثر قسوة. ولهذا السبب سأتخلى عن وسام غوته".

ليس الفنان التشكيلي المصري، محمد عبلة، الوحيد الذي تنازل عن وسامه على خلفية موقف الحكومة الألمانية من الحرب في غزة. في المقتطف أعلاه من رسالة مفتوحة، نشرت في السادس من الشهر الجاري، تعرف زوكيسوا وانر نفسها بأنها كاتبة ومحررة وناشرة وقيمة متحف من جنوب أفريقيا، وفي العام 2020 أصبحت أول امرأة من القارة الأفريقية تحصل على وسام غوته. وربما كان هذا توقيتاً متأخراً جداً حتى تحظى امرأة من القارة المنسية على هذا الاعتراف. نالت وانر التكريم الألماني الرسمي قبل عامين من منح عبلة الوسام نفسه، لكن وبسبب وباء الكوفيد، تأجلت مراسم تكريمها في ألمانيا، عامين، ليتم تقليدها الوسام لاحقاً في التوقيت نفسه مع زميلها المصري، وبالصدفة يتنازل كلاهما عنه بعد عامين آخرين وفي نفس الأسبوع.

"كمواطنة أفريقية، كنت أتمنى لو تظهر الحكومة الألمانية الأسف نفسه على تاريخها في ناميبيا مع الإبادة الجماعية للهيريرو ناما والإبادة الجماعية في تنزانيا خلال تمرد ماجي ماجي. وعلى القدر نفسه من الأهمية، كنت أتمنى لو تعترف الحكومة الألمانية، في قولها "لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدًا"، بأن ذلك لا ينبغي أن يحدث أبدًا مرة أخرى لأي شخص".

تصوغ وانر موقفها بشكل مفصل وبليغ، لا يكتفي بالإحالة إلى المذبحة في غزة، بل إلى السياق الأوسع للذنب الألماني، والغربي عموماً، تجاه الإبادة الجماعية، والمقتصر كما يبدو على المحرقة اليهودية. وبهذا تشير، من دون حاجة للكثير من الشرح، إلى التصنيف غير المعلن للضحايا، والتراتبية التي بحسبها تصبح فئات منهم أجدر من غيرها بالاعتراف حين يتعلق الأمر بالماضي، وكذا أحق بالحماية في الحاضر. بالإضافة إلى ذلك، تقتبس وانر في بيانها مقالاً لرئيسة معهد غوته كارولا لينتز في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، وبيانا لفرع معهد غوته في جوهانسبورغ، لتقرّ بأن موقف معهد غوته بشأن غزة، مختلف عن موقف الحكومة الألمانية، ويرفض أن يكون الذراع الممتدة للحكومة. ثم تعود وانر لتوضح أن تخيلها عن الوسام ليس نقداً للمؤسسة الثقافية بل للحكومة الألمانية.

"وفي الآونة الأخيرة، خلال مهرجان برلين السينمائي، فاز المخرج الفلسطيني باسل عدرا والصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام بجائزة أفضل فيلم وثائقي عن فيلمهما "لا توجد أراض أخرى" الذي يعرض اقتلاع القرى الفلسطينية في الضفة الغربية. ويقال إن وزيرة الثقافة الألمانية صرحت بأن تصفيقها كان فقط للطرف الإسرائيلي من ثنائي إخراج الفيلم. تاريخ جنوب أفريقيا لديه عبارة لهذا الفعل: الابرتهايد الصغير. وهكذا أجد نفسي غير قادرة على التزام الصمت أو الاحتفاظ بوسام رسمي من حكومة بهذه القسوة تجاه المعاناة الإنسانية".

بشكل موجز، تشير وانر إلى سياسة الإلغاء المنهجية في الحقل الثقافي الألماني ضد أي موقف نقدي تجاه إسرائيل. وبنظرتها الحادة والثاقبة، المدربة على رصد التمييز العنصري بفعل الخبرة الشخصية والتاريخ الطويل للمعاناة الجماعية في جنوب أفريقيا، تفتح وانر عيوننا على التسمية الواجبة لتلك الممارسات كالامتناع عن التصفيق للفلسطيني والتصفيق للآخر، وإلغاء الدعوات والفعاليات للعاملين في الوسط الثقافي من الفلسطينيين والمتعاطفين معهم، وتأجيل مراسم تسليم جوائزهم أو إلغائها أو سحبها، تسمي هذا كله "الابرتهايد الصغير".

لكن لعل ممارسات إلغاء الفلسطيني ثقافياً وهي الأقرب إلى الإبادة المعنوية تستحق تسمية إضافية أكثر دقة: الجينوسايد الصغير.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها