الجمعة 2024/03/15

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

آغنيشكا هولاند لـ"المدن": لنغيّر تعاملنا مع اللاجئين..وإلا فالعنف المرير

الجمعة 2024/03/15
آغنيشكا هولاند لـ"المدن": لنغيّر تعاملنا مع اللاجئين..وإلا فالعنف المرير
آغنيشكا هولاند.. أحد الأركان الأساسية لجمالياتها هو الحقيقة وكشفها
increase حجم الخط decrease
تعدّ المخرجة البولندية آغنيشكا هولاند، أحد الأسماء المحافظة على سُمعة السينما البولندية. بعد عملها كمساعدة للمخرجين الرائدين كرزيستوف زانوسي وأندريه فايدا، اختطت لنفسها مساراً سينمائياً، أسهم في ترشّحها مرتين لجائزة الأوسكار (بفيلميها "حصاد مرير"1985) و"أوروبا أوروبا"1990)، وفازت بجائزة النقّاد في مهرجان كانّ مع فيلمها "ممثلون إقليميون" (1979)، وفي "كسوف كلّي" (1995) أدارت ممثلين من عيار ليوناردو دي كابريو. أحد الأركان الأساسية لجمالياتها هو الحقيقة وكشفها. وهذا، مع مرور الوقت، خلق لها العديد من المشاكل. بعد إعلان الأحكام العرفية من قبل النظام الشيوعي، اضطرت المخرجة إلى مغادرة بلدها بداية الثمانينيات.

أحدث أفلامها "الحدود الخضراء"، المخصّص لموضوع الهجرة، حصل على جائزة في مهرجان البندقية، وكلّفها هجوماً عنيفاً للغاية من قبل وزير العدل السابق زبيغنيو زيوبرو، الذي وصفه بأنه "دعاية نازية"، بينما دعا أندريه دودا، الرئيس المعيّن من قبل حزب القانون والعدالة، إلى مقاطعة الفيلم، فيما سارع المتصيّدون عبر الإنترنت للتلاعب بمراجعات المستخدمين على أكبر موقع سينمائي بولندي حتى قبل إصدار الفيلم داخل البلاد. قبل أسابيع قليلة من الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ضربت دراما اللاجئين على وتر حسّاس في المجتمع البولندي، الذي لم يعد يرغب في دعم المسار القومي الشعبوي لحكومة حزب القانون والعدالة.


يتكون "الحدود الخضراء" من أربعة فصول، تجري أحداثها في تشرين الأول 2021، بالإضافة إلى خاتمة نهائية تدور أحداثها بعد عامين. في الحدود المشجرة والمستنقعات التي تفصل بيلاروسيا عن بولندا، يجد المهاجرون القادمون من الشرق الأوسط وأفريقيا أنفسهم (وما زالوا) في وضعٍ قاس، يبدو عصياً على التصديق لولا أنه، حقيقة واقعة. فالأزمة الجيوسياسية التي دبّرها البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في محاولته استفزاز أوروبا، عبر إطلاقه وترويجه دعايات تغري المهاجرين بالتوجّه إلى حدود بلاده وتعدهم بعبورٍ سهل إلى جنّة الاتحاد الأوروبي؛ تتجسّد في آلاف الأشخاص الذين تنتهي حياتهم في ذلك اللامكان، عند تلك الحدود حيث ترى بولندا وبيلاروسيا كيفية التخلص من "المشكلة" من خلال تمرير الأرواح على جانبي الخطّ الذي يفصل البلدين.

يُظهر الفيلم عمليات الإعادة والترحيل الوحشيتين للاجئين على الحدود البولندية البيلاروسية والتي يتحوَّل فيها اللاجئون إلى بيادق للقوى السياسية، الأمر الذي من الواضح أنه أغضب بولندا المحافظة، حتى أن المخرجة اضطرت إلى تعيين حرّاس شخصيين ومغادرة بولندا قبل الانتخابات. عن دافعها لإنجاز مثل هذا الفيلم تقول المخرجة: "أردت أن أصنع الفيلم لأن الواقع الذي أصفه موجود. لقد وقعت هذه الأحداث على الحدود وما زالت تحدث. سلوكنا والقرارات التي نتخذها بشأن كيفية التعامل مع اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الجزء الأفضل من العالم ليست مجرد مقياس لإنسانيتنا. بل إنها ستحدد أيضاً نغمة المستقبل السياسي والأخلاقي لقارّتنا. لذا فهي قضية أساسية تماماً. لقد قمت بالفعل بإخراج أفلام عن أشخاص كانوا متورطين في مواقف مستحيلة يمليها التاريخ؛  ثلاثة أفلام عن المحرقة وواحد عن هولودومور، جريمة ستالين في أوكرانيا. اليوم، عندما يقف العالم على مفترق طرق، أعتقد أن موضوعات النزوح والهجرة يمكن أن تحدّد إلى أين نتجه".



تتناول هولاند البُعد الدولي لأزمة اللاجئين، من دون إهمال الوضع في بولندا والتصرفات الوحشية التي يقوم بها حرس الحدود أحياناً. حين سؤالها عن رأيها في ما ستكون عليه الأوضاع وسلوك السياسيين والسلطات في دولة مثل ألمانيا أو النمسا إذا كانت هذه الدول، وليس بولندا، موجودة على حدود بيلاروسيا، تجيب: "من المؤكد أنها ليست ظاهرة بولندية على وجه التحديد. وإذا نظرنا إلى التاريخ والحاضر، فلا توجد أمّة محصنة ضد قبول الأنظمة الإجرامية. كما أنها ليست محصنة ضد إخضاع نفسها لأيديولوجية تخاطب أدنى الغرائز. كل هذا يتوقف إلى حد ما على الوضع. وبطبيعة الحال، فإن الحجج التي تستخدمها السلطات لإقناع الناس بالتصرف بطريقة أو بأخرى تخصّ كل موقف على حدة. في بعض البلدان يشيرون إلى الدين، وفي بلدان أخرى إلى التاريخ، وفي بلدان أخرى إلى التقاليد العسكرية. إذا كان هناك، في لحظة معينة، إذن أو تشجيع أو أمر من السلطات - سواء كانت حكومية أو عسكرية أو دينية - للوصم والتجريد من الإنسانية والترحيل وربما الإبادة في نهاية المطاف، فسيكون أشخاص في كل دولة على استعداد للقيام بذلك".

يُظهر الفيلم الوضع في بولندا، لكن القضية تؤثّر في الاتحاد الأوروبي بأكمله. وقد أدخلتْ الدول الأعضاء مؤخراً مزيداً من التشديد على سياسة اللجوء إلى أراضيها. تدابير تراها هولاند غير مجدية ولا إنسانية في التعامل مع أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم. "ثبت أن كل هذه التدابير غير فعالة على المدى الطويل. ولهذا السبب أقول إننا على مفترق طرق: إذا لم نغيّر موقفنا بالكامل في التعامل مع هذا التحدّي العالمي، فستندلع أعمال عنف لا يمكن تصوّرها. إذا لم تكن هناك أفكار إيجابية أخرى، فالنتيجة الطبيعية على الأرجح ستكون القتل الجماعي. وكما يفعل السعوديون على حدودهم، سننصب مدافع رشاشة على الحدود البيلاروسية، على حدود البلقان، ونطلق النار على أي شخص يقترب. لن نقوم بعد الآن بدفع القوارب في البحر الأبيض المتوسط بعيداً من الشاطئ أو عدم السماح لها بالدخول إلى الموانئ، بل سنقصفها. إن دفع أموال للديكتاتوريين ليس له أي تأثير لأنه يفتح الباب لمزيد من الابتزاز وحسب. لن نرسّخ أنفسنا بالكامل في حصننا، لأن السياج البولندي على الحدود مع بيلاروسيا، والذي تفتخر به سلطاتنا، يسمح بدخول العدد نفسه من الوافدين مثلما قبله، والفساد يزدهر هناك. من الممكن السيطرة على الوضع الذي نتعامل فيه مع بضعة ملايين، وربما حتى عشرة أو عشرين مليون مهاجر، خصوصاً في أوروبا التي تتقلّص سكانياً. ومن خلال سياسة الهجرة المناسبة، سيكون ممكناً استقبال عدد كبير من الأشخاص في قارّتنا. لكننا لا نتحدث فقط عن بضعة أو عشرة ملايين شخص. نحن نتحدث عن مئات الملايين".



إشارة المخرجة البولندية إلى السعودية تستدعي تقريراً صدر عن "هيومن رايتس ووتش"، في آب/أغسطس2023، يلقي باللوم على حرس الحدود السعوديين في مئات من عمليات إطلاق النار المستهدفة للاجئين الإثيوبيين. مأساة تراها هولاند قادمة لأوروبا أيضاً، ولديها ما يكفي من الأسباب والاتهامات لاعتقادها: "يرجع هذا أساساً إلى كارثة المناخ. لم نفعل ما كان بوسعنا أن نفعله. فمن ناحية، استخدمنا موارد دول العالم الثالث بطريقة غير مسؤولة على الإطلاق، كما تلاعبنا بالوضع السياسي لصالحنا، سواء تحدثنا عن الفرنسيين أو البلجيكيين أو الأميركيين. ومن ناحية أخرى، قمنا في السنوات الأخيرة بتدمير الشرق الأوسط بشكل فعّال وتسبّبنا في انهيار هذه الدول بحجة إسقاط الديكتاتوريين. هذه الدول الآن دول فاشلة: العراق وسوريا وجزئياً أفغانستان، وبالطبع ليبيا. وهكذا خلقنا منطقة كاملة يجب على الناس الفرار منها وسوف يهربون منها. لقد خلقنا كارثة مناخية إلى الحد الذي أصبحت فيه مساحات كاملة من الأرض مستبعدة بالفعل من إمكانية الحياة، بفعل احترارها القاتل. فعلنا كل هذا، والآن نتفاجأ بوجود لاجئين".

بتوسيع دائرة المشتبه فيهم، تجدر الإشارة إلى أن المناقشات الدائرة حول الهجرة تدفع أوروبا حالياً نحو اليمين. وفي بولندا يمكننا ملاحظة بعض السمات مثل تجريد مجموعة ما من إنسانيتها لتبرير إبادتهم أو كفّ يد العون عنهم. سياق كهذا لا يبدو مواتياً لفنّانة مثل هولاند تنحاز لفئات يجري المتاجرة بهم في سوق الألعاب السياسية الأوروبية، إلا إنها رغم ذلك تتوخّى رمي ساسة الحزب البولندي الحاكم: "لدي عدد من القضايا أمام المحكمة، بعضها مرفوع ضدي وبعضها أديره بنفسي. أفضّل عدم إضافة المزيد لأنني لا أستطيع دفع أجور هذا العدد الكبير من المحامين ولأن أولئك الذين يعملون لصالحي مجاناً لا ينبغي أن يحصلوا على المزيد من العمل الذي لا يحصلون على مقابل له. ولذلك، لن أستخدم مصطلح الفاشية في ما يتعلق بحكومتنا. ومع ذلك، وعلى خلفية ما وصفه أمبرتو إيكو أو تيموثي سنايدر أو مادلين أولبرايت وآخرون، في محاولة لفهم ما يعنيه مصطلح الفاشية بما يتجاوز قيمته التاريخية، يمكن للمرء أن يقول بالفعل: إن العديد من جوانب الحياة السياسية في بولندا تتخللها الفاشية. بعض المنظمات الممولّة بسخاء من قبل أولئك الموجودين في السلطة، يرتبط حالياً ارتباطاً مباشراً بتقاليد ما قبل الحرب، التي كانت فاشية بشكل واضح".

وتقوم الحكومة البولندية ووسائل الإعلام المرتبطة بها دائماً بتصوير اللاجئين على أنهم كتلة تهددهم. في الفيلم تعطيهم هولاند وجوهاً. وهذا ما يخشاه أصحاب السلطة كثيراً، أن يصبح الشخص الذي يقف وراء ما يسمّى بـ"المهاجر غير الشرعي" مرئياً: "بالنسبة إلينا، كان الأهم أن يكون لشخصيات الفيلم مصير وشخصية متكاملة. لقد جرّب العديد من الممثلين رحلة اللجوء بأنفسهم. جلال الطويل ومحمد الراشي، على سبيل المثال، ممثلان سوريان اضطرا إلى الفرار (من سوريا) بعد العام 2011. لقد جلبا ثروة من الخبرة والمعرفة إلى السيناريو. قضى جلال ثلاث سنوات في مخيم للاجئين وعمل هناك كمدرس أو معالج بالفن للأطفال. كما ساهم هو وآخرون بتفاصيل صغيرة مختلفة. كنت حريصة جداً على صقل الفيلم معهم، وبفضلهم نجحتْ. أردتُ أن أظهر الحقيقة الإنسانية والأخلاقية، بحيث يمكننا، عندما نتعرَّف تدريجياً على هؤلاء الأشخاص، أن ندخل معهم إلى دوائر الجحيم المختلفة، لأن هذا هو الجزء الأول من الفيلم. والأطفال اللاجئون في فيلمنا هم أطفال سوريون وصلوا أخيراً إلى تركيا بعد ست عمليات صدّ وإعادة، وهم الآن مواطنون أتراك آمنون وسعداء".

في الفيلم، يسمح أحد حرس الحدود البولنديين للناجين من عائلة سورية بالفرار سراً، ويُنقَذ ثلاثة شباب أفارقة، ويظهر تضامن نساء بولنديات مع اللاجئين الأوكرانيين. إشارات يمكن اعتبارها بوادر أمل في السياق الأوسع، لكن المخرجة تتحفّظ على إعلانها صراحةً تخوّفاً من إيصال صورة أكبر أشدّ سواداً، رغم تمنّيها عالماً مختلفاً يسوده التلاقي والتلاقح: "إذا قلت ذلك، سيصبح القرّاء أكثر خوفاً. لأنه في رأيي، روما يجب أن تسقط، سيأتي "البرابرة" ويخلقون حضارة جديدة نأمل أن تستمد من الأفضل أو الأسوأ، حسب الحالة. ستظهر نوعية جديدة وعالم جديد. الأمل الذي أعرضه في الفيلم يشير إلى حقيقة أننا جميعاً متشابهون؛ أن المراهقين من دولة أفريقية يستمعون إلى موسيقى مماثلة لأقرانهم من بولندا أو بلجيكا، وأننا يمكننا أن نتلاقى بسهولة نسبياً إذا نظرنا إلى بعضنا البعض كبشر وليس كمقذوفات هجينة".

يظهر في الفيلم أيضاً متطوعون ونشطاء بولنديون يقدّمون المساعدة للاجئين على الحدود. إحدى الناشطات، اعتقلتها السلطات قبل عرض الفيلم بفترة قصيرة وتعرّضت للسخرية في وسائل الإعلام. عن هذا تقول المخرجة: "أعرف هذه المرأة المسجونة ولم تأخذ أي مال مقابل أي شيء. وهي ناشطة وتساعد اللاجئين في مخيمات المهاجرين منذ البداية. قد تكون هذه أماكن جميلة في ألمانيا، لكن بعضها في بولندا يشبه غوانتانامو، وفي ليتوانيا يبدو الأمر مشابهاً للأسف. أرادت الحكومة أن تجعل من هذه الناشطة كبش فداء. آمل ألا ينجحوا. على أية حال، قررت المحكمة مؤخراً إطلاق سراحها من الحجز. لم أتحدث إلى جميع الناشطين ومنظمات الإغاثة، لكن أولئك الذين تحدثت إليهم يأملون أن يساعد الفيلم أكثر. لكنهم يدركون بالطبع أن السلطات يمكن أن تستخدمه لجعل حياتهم أصعب. إذا فاز حزب القانون والعدالة في الانتخابات (لم يفز الحزب بالغالبية - المحرّر)، فلن تكون هناك حياة آمنة لأولئك الذين لا يخضعون لمَن هم في السلطة. لأنه في الوقت الحالي، في رأيي، نتعامل مع ديموقراطية هجينة ذات لمسة استبدادية قوية في بولندا. لكنها ستسير في اتجاه الأنظمة التي نعرفها بالفعل، وهي في الأساس أنظمة شمولية".

في أحد المشاهد الدالّة، يبحث أحد حرس الحدود عن اللاجئين، عند نقطة تفتيش للسيارات، ويطلب من ناشطة في السيارة أن تقول شيئاً باللغة البولندية لأن بشرتها داكنة، وهو يريد التأكد من بولنديتها. فردّت عليه الناشطة بصلاة "أبانا". للمخرجة نفسها جذور يهودية، وهذا المشهد يتضمّن علاقة تاريخية وشخصية حسب رأيها: "عندما وصف لي أحد الناشطين هذه الحادثة، أصابتني رعشة في عمودي الفقري. لأن هذا بالضبط ما حدث لأقاربي أثناء المحرقة. كان هذا صحيحاً بشكل خاص بالنسبة للأطفال والنساء المختبئين، لأنه بالنسبة للرجال اليهود كانت هناك طرق أسهل للتحقق منهم: ما عليك سوى أن تُنزل سروالك. لكن بالنسبة للنساء والأطفال اليهود، كان من الضروري معرفة كيفية صلاة الصلوات الكاثوليكية من أجل إنقاذ أنفسهم. عندما عملتُ مع الممثلين الشباب وأيضاً مع المخرجين المشاركين، أدركت أنهم لم يربطوا ذلك على الإطلاق بما حدث سابقاً. وكما لا يعرف مسؤولو الحدود أنهم عندما يخبرون اللاجئين الذين يحملونهم إلى الشاحنات أنهم سيأخذونهم إلى ألمانيا، لاسترضائهم، فإنهم يستخدمون أسلوباً مشابهاً لذلك الذي استخدمه النازيون حين كذبوا على اليهود قبل إبادتهم. لقد أوضحت كثيراً حين سؤالي: لماذا فيلم آخر عن الهولوكوست؟ لأنها لم تمُتْ، إنها نائمة فحسب. يمكنها أن تستيقظ في أي وقت، وأعتقد أنها تستيقظ عالمياً الآن بطريقة ما".

في سياق كهذا، يبدو مفهوماً اتهام الحكومة البولندية للمخرجة بأنها مناهضة لبولندا. رغم أن الأخيرة تؤكّد أن دافعها لإنجاز الفيلم كان حبّ بلدها الأصلي: "كما أن هناك وجهين لأوروبا، هناك أيضاً وجهان لبولندا. أحدهما هو مبدأ "من أجل حريتنا وحريتكم"، وهو تقليد الانفتاح والضيافة وحقوق الإنسان والثقافة الرفيعة. لكن هناك أيضاً وجه للقمع والقومية والعنصرية والمذابح. من الواضح أن حكومتنا تتعاطف مع هذا الأخير، ولهذا السبب صدمهم فيلمي بشدة. ومع ذلك، فإنني أقدّر وجه بولندا، التي تجمعت بأعداد كبيرة على الحدود الأوكرانية في شباط/فبراير 2022. كان هناك تضامن ورحمة وهذا الاحترام المسيحي الأساسي للآخرين، بغض النظر عما إذا كان هذا الاحترام متجذراً في الإيمان أو الأخلاق العلمانية".

أخيراً ولدى سؤالها عن اعتقادها بأن فيلمها كان له تأثير في نتائج الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تجيب: "من الصعب القول بشيء كهذا. أمر واحد أكيد أثاره الفيلم: فجأة بدأ الناس يتحدثون عن قضية اللاجئين. لكن ليست لدي أية أوهام بأن شيئاً سيتغير بشكل جذري بعد تغيير الحكومة، وذلك فقط لأن المحافظين الليبراليين هم الذين وصلوا إلى السلطة الآن بدلاً من القوميين اليمينيين. السياسيون يقودون من خلال الخوف. والناس يتفاعلون مع هذا المناخ، ويشعرون أنهم يعيشون في مكان خطير للغاية. والسؤال هو: ما دور الفن والسينما في ذلك؟ مهمتنا هي خلق أعمال تنتقد ما يجري. لكن هذا ليس كافياً للأسف. مثلما ليس كافياً ما يقوم به الاتحاد الأوروبي. يُفترض به فرض عقوبات، لكنه لا يفعل. هناك حديث عن حقوق الإنسان، لكن بولندا مسموح لها أن تفعل ما تفعله. وكذلك في البحر الأبيض المتوسط. الوضع يزداد سوءاً، والقسوة تستمر في التزايد. معظم الناس لا يستطيعون حتى تخيّل ما يحدث على الحدود. وهذا أحد الأسباب التي جعلتنا نصنع الفيلم".

(*) آغنيشكا هولاند (76 عاماً):  مخرجة وكاتبة سيناريو ولدت في وارسو العام 1948 وهي ابنة لصحافيَين، وقد شهدت ربيع براغ العام 1968 بنفسها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها