الجمعة 2024/02/09

آخر تحديث: 11:12 (بيروت)

سفير إيران في دمشق...مندوبٌ سامٍ نهاراً وناشط فكري ليلاً

الجمعة 2024/02/09
سفير إيران في دمشق...مندوبٌ سامٍ نهاراً وناشط فكري ليلاً
مؤتمر صحافي
increase حجم الخط decrease
يُحبط السفير الإيراني، حسين أكبري، مساعينا المُلحة للوصول إلى توصيف دقيق لفعاليته في دمشق. كنا قد توصلنا إلى منحه صفة "المندوب السامي الإيراني"، أي ذلك الموظف الذي يحافظ على أملاك "الإمبراطورية في الأراضي غير الخاضعة لسيادتها" بحسب التعريف المتاح، وهو فعلياً الدور الذي شرع فيه منذ أن وطأت قدماه أرض الشام، حيث دأب على زيارة رئيس الحكومة حسين عرنوس ووزرائه، كل في مكتبه، تحت شعار متابعة المصالح المشتركة بين البلدين، في سابقة قلّ أن نرى مثيلها.

لكن أكبري أصرّ، يوم أمس، خلال مؤتمر صحافي، عقد في مقر السفارة في الذكرى الخامسة والأربعين لانتصار الثورة الإيرانية، على إضافة توصيف جديد للحالة القائمة بين البلدين، حيث قال إن: "العلاقات الإيرانية السورية ترتكز على المبادئ والقيم وليس على المصالح"! وبناء على هذا التوصيف، لن يكون في إمكان المتابعين اختصار فعاليات الرجل في الشؤون المادية "الدنيئة"، بل يجب عليهم النظر إلى قيم عليا، يمضي على إيقاعها مسار العلاقات البينية، وبالتالي إعادة الحديث عن سعادة السفير بوصفه رجل قيم ومُثل، وربما كداعية أخلاقي.

متابعةُ جدول أعمال أكبري، خلال الأيام السابقة، تُظهر أنه كان نجم الفعاليات الدمشقية بلا منازع. وباستثناء مناسبة واحدة فقط، يمكن رؤية أنه سجل حضوره في كل الشؤون والأمور. ولا نتحدث عن تلك المرتبطة بشؤون بلاده فحسب، بل حتى تلك التي لا تخصّها، كمثل تصريحه الفاقع عن عملية التسوية السياسية السورية، فقال في حديث لموقع "أثر برس" المُوالي: "إن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، طرح مبدأ خطوة بخطوة، قبل عودة النظام للجامعة العربية، ثم طرحه الأردن بعد عودة النظام للجامعة (...) لكن حتى الآن لم يقم أحد بتوضيح خطواته، ومَن الذي يجب أن يقوم بالخطوة الأولى". وأضاف قائلاً: "حتى أنا نفسي، حين سألت بيدرسون عندما زارني هنا في السفارة مرات عديدة، أخبرني أنه حتى الآن، لا برنامج واضحاً للعمل بهذا الاقتراح".


غير أن الحضور الأكبري، تركز في مناسبات تتصل مباشرة بقصة المبادئ التي يروج لها. فقد جلس قبل أيام على منصة المشاركين في ندوة بحثية بعنوان "طوفان الأقصى والتحولات الإستراتيجية"، أقامها كل من مركز اللغات والترجمة في حركة "الجهاد الإسلامي الفلسطيني" واتحاد الكتّاب العرب، وأعطى الحاضرين دفعة معنوية كبيرة، فأشار "إلى نفاد صبر محور المقاومة والشعب الفلسطيني الذي أجبر العدو على الاستسلام ففشل في فلسطين، وأمام محور المقاومة في العراق الذي رد على اعتدائهم بشكل قوي".

ثم عاد إلى القاعة ذاتها بعد يومين ليشارك في ندوة في اتحاد الكتّاب العرب بعنوان "خمسة وأربعون عاماً من الإنجازات والفعل المقاوم"، بقراءات في "ثقافة ودعم المقاومة في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية والإرهاب المدعوم غربياً"، فتحدث باسم بلاده وباسم سوريا، مؤكداً وقوف البلدين إلى "جانب الشعب الفلسطيني لأن مطالبه محقة في إقامة دولته على أرضه".



وفي حضور السفير، قام باسل الدنيا، مدير مؤسسة أرض الشام الممولة من إيران، بإهداء الحضور كتاب "الحاج قاسم سليماني" للدكتورة صفاء قدور والدكتور سليم حربا، وكتاب "سورية وإيران.. وحدة الهدف والمصير" لزُبير قدوري.

ويبدو أن كومة الانشغالات المبدئية، منعت السفير من حضور مناسبة مماثلة لجهة أخرى، مدعومة من الجمهورية الإسلامية، تسير أعمالها من حي السيدة زينب جنوبي دمشق، هي "مؤسسة صباء بيت الفن والأدب". فبعدما شرعت منذ شهور بالعمل كأداة ثقافية، تستهدف الجيل السوري الشاب، وعلى وجه الخصوص الكتّاب والشعراء والفنانين والموسيقيين، أثمر عملها عن إطلاق سلسلة روايات بعنوان "يقيناً كله خير"، تتحدّث عن "قيمة الشهادة والشهداء في الوجدان السوري، وأن الشهادة هي استمرار لنهج المقاومة في تحرير الأرض"، وذلك خلال فعالية أقيمت قبل ثلاثة أيام في "مكتبة الأسد".



لا يُخفي الإيرانيون، وعبر ما سبق ذكره، أن حضورهم في سوريا لا يتوقف عند الحفاظ عسكرياً على بقاء نظام الأسد، ولا عند السيطرة الاقتصادية، ولا الحضور الديني الذي بات مسيطراً في شوارع دمشق القديمة. بل يتصل وبشكل حثيث، بالثقافة وما ينطوي تحتها من شؤون وقضايا، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الرسمية السورية ذات الصلة، أي وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب. كما أنهم يتعمدون ألا يُنقل مما يجري هنا من أحداث، سوى تلك الفعاليات المرتبطة بهم، حيث تبدو التغطيات الخبرية تحت سيطرتهم الإعلامية الواضحة. فسوى قناةٍ سورية وأخرى فنزويلية، تُظهر شعارات القنوات والوسائل الإعلامية التي غطت البارحة حديث أكبري للصحافة، أنها إيرانية، أو تتلقى تمويلاً من طهران.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها