الإثنين 2024/02/05

آخر تحديث: 10:51 (بيروت)

ثقافة الكذب حسب بوتين ونتنياهو

الإثنين 2024/02/05
ثقافة الكذب حسب بوتين ونتنياهو
increase حجم الخط decrease
هناك قنوات فضائية ومواقع الكترونية وحسابات في وسائل التواصل، متخصصة في تدبيج وترويج الأخبار الكاذبة، التي باتت أحد أسلحة الحرب الحديثة، تستخدمها الدول والجماعات والأفراد من أجل تضليل الرأي العام وتشويه الحقائق وهز صورة الخصوم. وحسب تقديرات خبراء متخصصين في الميديا الحديثة، فإن الموازنات المخصصة لهذا النمط من الدعاية تفوق تلك التي يتم إنفاقها على وسائل عادية تقدم المعلومات وتغطي الأحداث وتعكس الآراء على اختلافها.

يرى الكثير من الدراسات إن نشر الأكاذيب له تكلفة ديموقراطية عالية جداً. وفقًا لدراسة نشرتها العام 2019 جامعة بالتيمور، فإن الأخبار المزيفة تكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 78 مليار دولار سنويًا، غير أن العواقب لا تتوقف عند هذا الحد. وأظهر باحثون من جامعة إيست أنجليا في بريطانيا، أن المعلومات الكاذبة حول كوفيد-19 انتشرت بسرعة أكبر من المعلومات الحقيقية، وأدت إلى تفاقم الوباء، من خلال توليد سلوكيات محفوفة بالمخاطر. وفي خطاب ألقاه في آذار 2020، أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قلقه بشأن هذه الظاهرة "عدونا المشترك هو كوفيد-19، لكن عدونا هو أيضا "وباء معلوماتي"، وكان يقصد بذلك المعلومات المضللة.

لا يقتصر هذا النشاط على منطقة أو جهة معينة من العالم، هو دارج في أوروبا والولايات المتحدة والعالم العربي وأميركا اللاتينية وافريقيا والهند والصين، غير أن هناك جهات متخصصة ومحترفة وأخرى أقل مستوى، وتبرز روسيا والصين وإيران من الأطراف التي تشكل مرجعيات في هذا النشاط الذي لا يقل ضرره عن استخدام السلحة التدميرية في الحروب.

وباتت الحرب الروسية على أوكرانيا مسرحاً مفتوحاً، أمام القيادات الروسية، التي جربت هذا السلاح على نحو فعال في سوريا من أجل تثبيت سلطة رئيس النظام بشار الأسد، وتشويه صورة المعارضة من خلال ترويج اتهامات ونشر أخبار كاذبة حول الارهاب. وقد وصلت صناعة الكذب من طرف الدولة في روسيا إلى ذروتها. وصار تشويه الواقع وازدراء الحقائق من السمات المميزة لفلاديمير بوتين، الذي يعد مخضرماً في ممارسة شمولية موروثة من الحقبة السوفياتية، سمّمت المجتمع الروسي بأكمله لزمن طويل.

ومن بين أبرز من سلط الضوء على أكاذيب بوتين في أوكرانيا، الممثلة الكوميدية الروسية دانيلا بوبريشني، التي صورت بمفردها مشهداً معبراً في تشرين الثاني الماضي، ونشرته في قناتها في "يوتيوب": "سبونتامر". تقف الممثلة على خشبة المسرح، مغمورة باللونين الأزرق والأحمر، وتربط الجمل معًا، بلا كلمة انتقالية. "لن أغير الدستور"؛ "نحن نتعامل مع أوكرانيا باعتبارها دولة ذات سيادة"؛ "ليس لدينا أي خطط لشبه جزيرة القرم"؛ "جنودنا ليسوا هناك ولم يكونوا موجودين قط"؛ "لن تكون هناك حرب"؛ "إنها ليست حربًا، إنها عملية خاصة"؛ "إنهم يقصفون أنفسهم"؛ "نحن ننفذ ضربات دقيقة"؛ "لن تكون هناك تعبئة".

الفنانة تركت بلدها، مثل الكثير من الفنانين والصحافيين، لأن أحداً لا يستطيع أن يقول رأيه من دون أن يتعرض للترهيب والمنع والسجن، لكن ما أخطر من ذلك هو أن هناك الكثير من الأكاذيب التي بدأ الروس يصدقونها. والرأي الرائج: "حسنًا، لا يمكن أن تكون كلها أكاذيب"، مما يشجع على استمرار بروباغندا بوتين، التي يرتفع منسوبها منذ أن أعلن في 24 شباط 2022، عندما كانت الدبابات الروسية تعبر حدود أوكرانيا، في خطاب إلى الأمة "هذه ليست خطتنا لاحتلال الأراضي الأوكرانية. ولا ننوي فرض أي شيء على أحد بالقوة". وقبل ذلك بأيام، سمع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الدفاع البريطاني، خطاباً مختلفاً من بوتين ووزيري دفاعه وخارجيته سيرغي شويغو وسيرجي لافروف، والفارق الوحيد هو أن المسؤولَين الفرنسي والبريطاني، شعرا بأن بوتين ووزيريه يكذبون عليهم، وقد فات الأوان لمنع حربه على أوكرانيا.

من بين أكبر أكاذيب بوتين، التي روجت لها وسائل الإعلام الروسية والشبكات المحلية والخارجية التابعة لها، مسألة "الإبادة الجماعية"، التي وردت في ذلك الخطاب. ووجه التهمة إلى أوكرانيا، التي قال إنها تقوم بالتمييز ضد السكان الناطقين بالروسية في دونباس منذ العام 2014. وبالتالي خلق ذريعة للحاجة المفترضة إلى "حماية شعبنا".

وقامت مجموعة من وسائل الإعلام المستقلة، وخبراء مكافحة التضليل، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية متعددة الأطراف، بالتحقيق في هذه الرواية. وأكد فريق تقصي الحقائق في "بي بي سي": "لا دليل على الإبادة الجماعية". وكشفت مواقع إعلامية أن بوتين ومسؤولين آخرين في الاتحاد الروسي "استخدموا بحرية مصطلح الإبادة الجماعية" ضد جورجيا أثناء الغزو الروسي لأراضيها في العام 2008. وأشار موقع Polygraph.info إلى أنه "ربما كانت أقرب حادثة للإبادة الجماعية هي التي ارتكبتها القوات الروسية في العام 2014 في سلوفيانسك، حيث عثرت القوات الأوكرانية التي استعادت السيطرة على المدينة، على مقبرة جماعية تحتوي على 20 جثة. وخلص مجلس أوروبا ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، وبعثة الخبراء المنشأة في إطار آلية موسكو التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بشكل مستقل، إلى أنه لا يوجد أي دليل على تعرض الأشخاص من أصل روسي أو الناطقين بالروسية للاضطهاد على أيدي الأوكرانيين.

لو استبدلنا بوتين، برئيس الوزراء الاسرائيلي، لن يتغير الأمر. سنقع على الخلاصات ذاتها مع اختلاف الوقائع حسب الحالة في كل من روسيا واسرائيل واوكرانيا وغزة، ومنذ السابع من اكتوبر يتكرر الوضع ذاته، ماكينة دولية تعمل على مدار الوقت لتصدير الأكاذيب، وخاصة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها