الإثنين 2024/02/26

آخر تحديث: 11:40 (بيروت)

سوريا.. سيناريوهات في الأفق البعيد

الإثنين 2024/02/26
سوريا.. سيناريوهات في الأفق البعيد
دورية جوية روسية في سماء الجولان
increase حجم الخط decrease
تقادم الوضع في سوريا، وبلغ درجة كبيرة من التعفن والإهمال. وأصبحت المنطقة التي كانت مركز تأثير كوني، معزولة منسية، مستباحة للقوى الدولية الاقليمية، ومصنفة عالمياً على أنها ساحة للارهاب، وتصنيع وتوريد المخدرات. وعلى هذا باتت محاولة استشراف المستقبل معقدة. ليس بوسع أحد، مهما امتلك الخبرة والمعلومات، أن يتنبأ، ولو على نحو تقريبي، بما يمكن أن يحدث خلال الأعوام الخمسة المقبلة. ويبدو أنّ كل تشخيص للموقف، هو من قبيل طرح الاحتمالات، وتخيل السيناريوهات الممكنة، على مدى عقد من الزمن. وما يجمع بين القراءات كلها هو عدم الجزم، كون البلد أصبح أرض رمال متحركة، قابلة لأن يعاد تشكيل معطياتها، وفق حسابات الأطراف الدولية، التي تمتلك مفاتيح الجغرافية السورية المقسمة إلى أربع مناطق نفوذ دولي ومحلي.

"مركز حرمون للدراسات المعاصرة"، عقد ندوتين من أجل الإحاطة بالوضع داخل سوريا، على ضوء تشابك سياسات الفاعلين الإقليميين والدوليين الخارجية. وشارك المبادرة مع مركز "دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة"، ضمن مشروع لمناقشة التطورات المستقبلية المتوقعة للصراع الجاري في سوريا وعليها. وقام فريق من الباحثين بإعداد تقرير يشخص الأوضاع الداخلية في مناطق السيطرة الأربع، من الجوانب السياسية والاجتماعية والمعيشية والعسكرية. وشملت المبادرة تكليف عدد من الباحثين بتحضير أوراق سياسيات عن الفاعلين المباشرين في الصراع الدائر في سوريا وعليها (الولايات المتحدة – روسيا – تركيا – إيران – الدول العربية – الاتحاد الأوروبي – إسرائيل).

تمثلت المبادرة بعقد ندوة عبر شبكة الإنترنت شارك فيها عشرون باحثًا، ناقشوا السيناريوهات المحتملة للصراع الجاري في سوريا، خلال السنوات العشر المقبلة، وتلتها ندوة ثانية، حضوريًا، في إسطنبول في تشرين الثاني الماضي، شارك فيها قرابة أربعين باحثًا، ناقشوا السيناريوهات المحتملة في سوريا خلال عقد مقبل، على ضوء تشابك الأوضاع الداخلية مع سياسات الفاعلين الخارجيين في الشأن السوري، والتي تتأثر الى حد بعيد بسياسات هؤلاء الفاعلين على الساحة الدوليين. وخلص البحث والمناقشات، إلى ترجيح احتمالات لأربعة سيناريوهات، على مدى عشر سنوات مقبلة، بدرجات متباينة وآجال زمنية مختلفة. لكن العمل لم ينته بعد، ويواصل مدير "مركز حرمون"، سمير سعيفان، عقد لقاءات مع خبراء وباحثين وناشطين من داخل سوريا وخارجها، من أجل إغناء الورقة والخروج بحصيلة متكاملة، يتم اعتمادها كمرجعية.

تتلخص سيناريوهات البحث على النحو التالي. الأول، سيناريو الجمود أو اللا سيناريو. وبمقتضاه تستمرّ الأوضاع القائمة حاليًا، من دون تغيير يذكر في خرائط مناطق السيطرة الأربع، وتبقى القوات والميليشيات الأجنبية موجودة في سوريا، ومنها القوات الأميركية المتمركزة في قواعد متعددة شرقي سوريا، إلى أجَل يمتد سنوات، وقد تصل إلى عشر سنوات وأكثر، وتبقى سوريا مقسّمة، تسيطر على كل منها قوى الأمر الواقع. بينما يطرح السيناريو الثاني، احتمال انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات.

ويفترض السيناريو الثالث، التوصل إلى مبادرة تركية عربية، لاقتراح حلّ وسط مقبول من الفاعلين الخارجيين، مع احتمال بقاء رئيس النظام بشار الأسد إلى أجل محدّد، وهي فترة سلام سلبيّ يهيمن عليها النظام. ويقوم السيناريو الرابع على احتمال التغيير الديموقراطي، وتصفه الورقة بـ"سيناريو الأمل السوري"، وهو يفترض تحقيق انتقال سياسي إلى نظام ديموقراطي، يحقّق ما حلم به السوريون، وقاموا من أجله في 2011.

تعكس الورقة ما قبل النهائية جهداً كبيراً، يعبّر عن نفسه من خلال تنوع وغنى وتعدد الأفكار التي حملتها. وفي تفاصيلها، لا تترك نقطة من دون أن تسلط الضوء عليها، من زواياها كافة، وتطرح الاحتمالات المتعددة حيال كل حالة. وباعتبار أنها حملت عنوان سيناريوهات، فإنها تركت المجال مفتوحاً أمام التعديلات والإضافات. ويمكن على سبيل المثال، التنبؤ بانعكاسات لحربي روسيا على أوكرانيا، واسرائيل على غزة، بحيث تؤثر الحربان في الوضع السوري بقوة.

وفي ضوء ذلك يمكن أن تتغير مقاربة الارهاب. فالورقة ترى أن "مع استمرار جمود الأوضاع السياسية من حول الصراع في سوريا، سيستمر تركيز الولايات المتحدة على هزيمة الإرهاب أولًا"، وبالتالي، لن تضغط الإدارة الأميركية على النظام وداعميه إلى الدرجة التي تؤدي إلى سقوطه. قد لا يصمد هذا الاستنتاج كثيراً أمام مخرجات الحرب على غزة. خصوصاً أن هناك بعض المؤشرات إلى تغير زاوية النظر الأميركية والاسرائيلية إلى الإرهاب على ضوء الحرب على غزة، لتحل الفصائل المدعومة من إيران محل "داعش" في سلم الأولويات، لا سيما أن الأخيرة لا تشكل أي خطورة على اسرائيل.

نتائج الحرب على أوكرانيا مرشحة لإحداث تغيرات مهمة في وضع روسيا. ورغم أنها متقدمة ميدانياً بعد مرور عامين، فإن الفاتورة كبيرة بسبب الخسائر البشرية والاقتصادية، وفشل الحرب في تحقيق أهدافها السياسية. والأمر ذاته في حال نقلت اسرائيل الحرب إلى لبنان، لتستهدف حزب الله حليف طهران الرئيسي. وفي الحالتين، سيسهم ذلك في تحريك الموقف في سوريا، ومن المؤكد، لن يكون ذلك في صالح النظام المتهالك، الذي يستمر في في البقاء حياً، بفضل روسيا وإيران.

يطرح السيناريو الثاني احتمال الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، وحصول تقارب بين "قسد" والنظام ضد تركيا، لكن التقارب بين تركيا والنظام في المدى المنظور غير مستبعد. وهذا أقرب للتحقق، وإذا حصل، فإنه يخلط الأوراق على أكثر من صعيد، ويمكن أن يشكل تغيير الوضع في شرق سوريا مصلحة مشتركة للطرفين. وهذا يعني تقويض مشروع الإدارة الذاتية الكردية القائم على ربع مساحة الجغرافيا السورية، ويسيطر على ثلاث محافظات (الرقة، دير الزور، الحسكة)، تشكل ثروة سوريا النفطية والغازية، وهي مصدر أساسي للحبوب والقطن.

ومن شأن ذلك أن يعزز وضع النظام، ويحظى بتأييد إيراني روسي عربي، وفي حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية المرتقبة، وسيكون تنفيذ هذا السيناريو أسهل، كون ترامب غير معني بدعم "قوات سوريا الديموقراطية" بقدر الرئيس الحالي جو بايدن، وسبق لترامب أن تفاهم مع أنقرة العام 2019 على عملية "نبع السلام"، ضد قوات "قسد" في مناطق من ريفي الرقة والحسكة، في تل أبيض ورأس العين. لكن قراءة الورقة بين السطور تستبعد أي دور للنظام، لأن "الآلية الدولية غير قادرة على إعادة تأهيل نظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

الورقة غنية بالتفاصيل والمعطيات، وسيقدم نشرها مرجعاً لا غنى عنه في قراءة الوضع السوري. ومن بين النتائج التي تخلص إليها، ثمة مسألة مفزعة تتعلق ببداية "تكون أربعة مجتمعات موازية"، تبعاً لتباين توجهات قوى السيطرة في سياساتها وأيديولوجياتها ومرجعياتها ومناهج تعليمها. يزداد نفوذ إيران وأيديولوجيتها المذهبية الدينية، وكذلك تأثير الميليشيات الشيعية. في المقابل تنشر قوات "قسد" فكر عبد الله أوجلان، وتُدخله في مناهج التعليم في جزءٍ من مناطق سيطرتها في محافظة الحسكة، وتفرض سياسات وتنظيمات وأفكارًا وثقافة خاصة بها، وتترك أجزاء أخرى من مناطق سيطرتها في دير الزور والرقة لنفوذ العشائر وقيمها وثقافاتها. وتسيطر" هيئة تحرير الشام" بفكرها الديني المتشدد، على منطقة سيطرتها في إدلب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى فصائل "الجيش الوطني" بتوجهاتها الدينية على مناطق سيطرتها، في حين "برزت لدى بعضها توجهات قومية تركمانية، لم تكن موجودة في سوريا قبل 2011. وتظهر بوضوح تأثيرات السيطرة التركية والمؤسسات التركية في المناطق الثلاث".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها