الأحد 2024/02/25

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

هل الكتاب في الطريق إلى متحف التاريخ؟

الأحد 2024/02/25
هل الكتاب في الطريق إلى متحف التاريخ؟
"المكتبة" جاكوب لورانس
increase حجم الخط decrease
الثقافة البصرية تنتشر بشكل كبير في الوقت الحاضر. وهذه حقيقة تعيشها البشرية واقعاً يومياً، ولم يعد المرء بقادر على تجاهلها. ونحن نشهد قفزة هائلة في معظم الفنون، كالفيديو والأفلام والألعاب والأفلام الوثائقية، وليس انتهاء بالكتاب المسموع، ثم لاحقا الذكاء الاصطناعي الذي بدأ يغزو معظم الحقول المعرفية في الحياة، سواء كانت حقولا علمية أو ثقافية أو فنية. وكل ذلك حصل بسبب تطور العقل البشري، ومغامرته في الاكتشاف، والخلق، ومحاولة الوصول إلى آفاق كانت حتى وقت قريب لا تحضر سوى في قصص الخيال العلمي وأفلامه التي اطلعنا عليها على مدى العقود الإلكترونية الأخيرة.

 أين الكتاب المقروء، إذن، من كل ذلك؟ وهل يمكن أن تصبح قراءة الكتاب، سواء كان ورقيا أم إلكترونيا، جزءا من الماضي؟ 

هل البشرية في الطريق لوضع الكتاب في متحف التاريخ؟
 الجواب المنطقي لتلك التساؤلات هو أن الفنون البصرية، والذكاء الاصطناعي، والشرائح المزروعة في المخ، لن تلغي طقوس القراءة، ومتعتها، وضرورتها للعقل البشري. هكذا تقول لنا خريطة الإنسان ومداركه ورغباته. 

فثمة نمطان يتحكمان في الحصول على المعرفة. 
الأول هو الصورة البصرية والفيلم والذكاء الاصطناعي، وهي تضخ بشكل ما ثقافة سريعة، ومتغيرة لحظياً أحياناً، ولا تترك مجالا للعقل كي ينفذ عميقا في ما يرى. وبعض الدراسات تؤكد على أن القلق الشامل لحضارتنا المعاصرة ناتج عن تلك السرعات المذهلة في ضخ المعرفة وتواترها. عكس الكتاب تماما. 

 فمتعة القراءة يرافقها عادة لحظات تأملية في الأفكار الواردة، وفي الجمل وتراكيبها، إضافة إلى القدرة الابداعية على ابتكار آفاق معرفية تتطلب بنية تحتية لدى الفرد. بنية تحتية تشكّلت منذ الرسوم الأولى للإنسان القديم على جدران الكهوف، ثم تطورت لاحقاً إلى لغة أشكال، لتنتهي بالأبجدية التي نعرفها ونتداولها في كل لغات شعوب العالم. 

إن الفسحة التأملية التي يوفرها الكتاب بنوعيه، الورقي والالكتروني، يستطيع الشخص الحصول عليها في كل زمان ومكان. سواء كان في المكتب أو السرير أو الطائرة، وهي تمتلك القدرة على التغلغل في العقل البشري فلسفيا وروحيا وثقافيا ومعلوماتيا. ومن هنا يصبح التواشج بين المعرفة والفرد صلدا ومتشابكا، قد لا توفره الأصناف الأخرى من وسائل المعرفة. طبعا لا بدّ من القول إن من المستحيل، والغبن، عقد مقارنة تفاضل بين الحقلين، أو النظر بمنظار ذي لونين فقط.

 ليس هناك منطق في تفضيل الكتاب على اللوحة، الفيلم الوثائقي على كتاب الرحلات ومغامرات الفضاء، اللعبة الالكترونية على رواية ناجحة ومبدعة.  فوسائل الحصول على المعرفة لا بدّ لها أن تتعايش سوية، كما تقول ذلك التجربة الحضارية للبشر منذ آلاف السنين. فلكل نمط آليات اشتغال خاصة بها، ولكل نمط فوائده وسلبياته. لذا يمكن القول بأن الكتاب سيبقى لعقود قادمة، وربما لمئات السنين، واحدا من الحوامل الأساسية للمعرفة البشرية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها