الإثنين 2024/02/19

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

تحليل المشاعر الفلسطينية بين اسرائيل و"غوغل"

الإثنين 2024/02/19
تحليل المشاعر الفلسطينية بين اسرائيل و"غوغل"
increase حجم الخط decrease
ترد في أحد المشاريع بين شركة "غوغل" وإسرائيل، والمعروف باسم "نيمبوس"، خدمات تحليل مشاعر الفلسطينيين. وذلك في إطار تنمية قدرات متقدمة للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، من بينها التعرّف إلى الوجه، وتتبُّع الأشياء، والتصنيف التلقائي للصور. وهي خدمات من شأنها أن تقوي الرقابة الإسرائيلية على الفلسطينيين.

وكشفت حرب اسرائيل على غزة، أن هذا البرنامج ليس الوحيد، على مستوى التكنولوجيا المتطورة، التي توظفها اسرائيل من أجل إدامة الاحتلال. ورغم أنها متقدّمة على صعيد انتاج وتصدير تكنولوجيا المعلومات والمعلوماتية، فهي تقيم شراكات مهمة مع كبرى الشركات العالمية، بما يفيد تفوقها، ليس في المجالات العسكرية والأمنية فحسب، بل بما يذهب بعيداً، إلى قضايا لا تخطر في بال أحد، مثل مسألة تحليل مشاعر الفلسطينيين.

المعلومات التي كشف عنها موقع "ذي إنترسبت"، كانت قد أثارت احتجاجات واسعة داخل المؤسسة، عندما اكتُشفت، منذ أكثر من عامين. وجاءت لتعيد التذكير بالرسالة المفتوحة، التي نشرها أكثر من 500 عامل في "أمازون" و"غوغل" في صحيفة "ذا غارديان" في تشرين الأول 2021، تدين "نيمبوس". وجاء فيها إن البرنامج "يسمح بمزيد من المراقبة وجمع البيانات غير القانونية عن الفلسطينيين، ويسهّل توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية". وقد أثارت الرسالة حركة احتجاجية تجاوزت العاملين في المؤسستين، إلى تنظيم ائتلاف مجموعات شعبية، حملة، تشتمل على حركة المقاطعة، وحركة الصوت اليهودي من أجل السلام، تحت شعار "لا لتكنولوجيا الفصل العنصري".

حركت الحرب على غزة القضية من جديد، ونقلتها إلى مدى أوسع، ونظّم عاملون في "غوغل" في سان فرانسيسكو، وقفة احتجاجية ضد البرنامج، انضم إليها عدد من العاملين في الشركة على الأراضي البريطانية. وأثارت التحركات مسألة التزام الشركة بالقيم والخطوط الحمر، حول استخدام التكنولوجيا الخاصة بالشركة، للأغراض العسكرية والمراقبة من قبل الأنظمة غير الأخلاقية، وجرى الحديث علناً ضد مشروع "نيمبوس". ولم يتردد عدد من الموظفين في التصريح بأن هناك ثقافة خوف داخل الشركة، "لكننا نملك القوة معاً، حتى ضد غوغل". وتحدث متظاهرون إلى وسائل الإعلام عن التحولات في الشركة، التي كان شعارها الأصلي "لا تكن شريراً"، وبعدما أعيدت هيكلتها لتنضوي تحت شركة "ألفابت"، أصبح "إفعل الشيء الصحيح".

ما جرى داخل الشركة منذ عامين لم يصل بصورة كبيرة إلى وسائل الإعلام، وتعامل عدد محدود من المنصات الإعلامية مع العرائض الاحتجاجية، بسبب سطوة اللوبيات المؤيدة لإسرائيل. وظلت تفاصيل المشروع، مثل نوع البيانات وتخزينها وكيفية استخدامها، غامضة لا تُفصح عنها اسرائيل ولا متعاقدوها، منذ الاتفاق في نيسان 2021، عندما حلّت "أمازون" و"غوغل" محل "مايكروسوفت" و"أوراكل" كمزودين مفضلين من قبل إسرائيل للخدمات السحابية. ولولا الحرب الاسرائيلية على غزة، لما تحركت المسألة من جديد، وأدت إلى بروز معارضة داخلية تطالب الشركة بإنهاء مشروع "نيمبوس"، وهو عقد بقيمة 1.22 مليار دولار بين إسرائيل و"غوغل" و"أمازون" لتوفير خدمات الحوسبة السحابية لدولة الاحتلال.

موقع "بي بي سي" عربي، ينقل عن الصحافي الاستقصائي الاسرائيلي يوفال أبراهام، الذي ينقل بدوره عن ضابط في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، بأن قادة الجيش الآن "نفذوا ضربات غير متكافئة بالمرة، لأنهم يركزون الآن على عدد الأهداف وليس نوعيتها"، وهذا عائد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة. في السابق، قال يوفال مرتكزاً إلى مصادره: "قد يقتلون عشرات من المدنيين في استهداف قيادي في حماس، أما الآن فعدد المدنيين المسموح بقتلهم في هذه العمليات، يصل إلى ما بين عشرة أضعاف وعشرين ضعف الأعداد السابقة". وهذا نتيجة لاستخدام "غوسبل"، والذي هو عبارة عن برنامج معلوماتية يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يسميه الجيش الاسرائيلي "مصنع أهداف يعمل على مدار الساعة"، وسمّاه الصحافي الاستقصائي "مصنع اغتيالات جماعية"، كونه يتيح استخدام أدوات آلية لخلق الأهداف بنسق سريع، ما يضاعف عدد الأهداف مرات عديدة، لأنه لا يفرق بين الأهداف العسكرية الفعلية، والأهداف القائمة على الاحتمالات والتي تخص كل ما هو مدني.

يصل اهتمام اسرائيل بالتكنولوجيا حد الهوس المرضي. لا أحد كان يتصوّر أنها ستشتغل على استغلال طاقة الذكاء الاصطناعي، من أجل تحليل مشاعر الفلسطينيين. حتى توظيف علم النفس، لم يخطر في بال أحد انه سيتحول إلى سلاح بيدَي المؤسستين العسكرية والأمنية في اسرائيل. وارد جداً أن تقوم مراكز أبحاث اجتماعية بدراسة مؤشرات حول تطور مشاعر الفلسطينين تجاه الاحتلال، لكن أن يصبح هذا الأمر بنداً في اتفاق للذكاء الاصطناعي يكلف مئات ملايين الدولارات، فإنه يستدعي التوقف أمامه ودراسة أبعاده وخلفياته والأهداف التي يتوخى الوصول إليها. ومن المؤكد أن تحليل المشاعر لا ينتهي عند معرفة الموقف من الاحتلال، ويتجاوز أمراض التجسس على أحلام الآخرين. لا بد أنه عمل ذو طبيعة عنصرية، في سياق ما تخطط له القوى الاستعمارية لتطوير منظومتها التقليدية، من أجل اختراع أسلحة وأساليب حديثة، لتدمير أحد أهم مقومات المقاومة، وهو الوعي بالاحتلال، وتنفيذ مشروع الاستعمار الإحلالي، وكسب أكبر مساحة ممكنة من فائض "الأرض من دون سكان".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها