الإثنين 2024/01/29

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

دولة فلسطينية على جزيرة عائمة

الإثنين 2024/01/29
دولة فلسطينية على جزيرة عائمة
بحر غزة
increase حجم الخط decrease
دولة فلسطينية فوق جزيرة اصطناعية. ليست نكتة أطلقها صاحب خيال واسع، بل هو مشروع اسرائيلي رسمي، طرحه يسرائيل كاتس، وزير خارجية إسرائيل، خلال الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، يوم 22 كانون الثاني الحالي، وخصصه لبحث مسألة إنشاء دولة فلسطينية، ودعا لحضوره وزراء خارجية كل من فلسطين، الأردن، مصر، وأمين عام جامعة الدول العربية.

وبحسب وسائل الإعلام التي واكبت الاجتماع، قدم كاتس هذا المقترح إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الـ27، كبديل لحل الدولتين. وقال إن المقترح هو خطة تم وضعها قبل سنوات عندما كان وزيراً للنقل. وجاء في التفاصيل إن الجزيرة ستكون على بُعد 5 كيلومترات من ساحل غزة، ويمكن إنشاء ميناء ومطار عليها لتكون مركزاً تجارياً على غرار سنغافورة، وفق تعبير كاتس، الذي أكد أن إسرائيل هي التي ستتحكم في ما يدخل ويخرج من الجزيرة وتربطها بالبر بجسرَين. وكشف الوزير الإسرائيلي أنه طرح الفكرة للمرة الأولى في آذار 2011. وقال فيها إن إسرائيل تدرس بناء جزيرة اصطناعية فيها موانئ بحرية وجوية قبالة قطاع غزة المحاصر، كحل طويل الأجل لشحن البضائع إلى القطاع. واقترح حينذاك تشكيل قوة دولية للسيطرة على الجزيرة "لمدة لا تقل عن 100 عام" ونقل البضائع إلى غزة عبر جسر يبلغ طوله 4.5 كيلومترات مع نقطة تفتيش أمنية لمنع تهريب الأسلحة.

تقديم المقترح إلى اجتماع رسمي على مستوى وزراء خارجية أكثر من ثلاثين دولة، يعني أنه مشروع إسرائيلي رسمي، يمثل رداً على المطالب الدولية بضرورة قيام دولة فلسطينية. وهو بالتالي يمثل تصورات الطرف الإسرائيلي عن مستقبل الكيان الفلسطيني. وأول نقطة مهمة في هذا الصدد هي أن اسرائيل حاسمة في رفض قيام دولة فلسطينية حسب القرارات الدولية، وتوافق على إنشائها على ظهر جزيرة عائمة في البحر، لكن بشروط. من بينها أن الجزيرة لن تكون مستقلة، وستكون مسؤولية أمنها من اختصاص إسرائيل، وربما هذا ما يفسر أنها تريد بناءها على بعد خمسة كيلومترات فقط عن الشاطئ كي يسهل التحكم فيها.

النقطة الثانية الجديرة بالاهتمام هي خوف إسرائيل من الفلسطيني، حتى لو أقام وطنه على ظهر جزيرة، وترك أرضه كاملة لإسرائيل. ستظل تشعر بالتهديد تجاهه. لذلك، هو ممنوع ليس من دولة على أرضه، بل حتى من بناء جزيرة مستقلة في عرض البحر. ويبدو أن السبب هو وجود قناعة لا تتزحزح بأن الفلسطيني سيعود، في أي لحظة، إلى للمقاومة. ولذلك يخترع كاتس دوراً للمجتمع الدولي، فيكلفه بالاشراف على الجزيرة لمدة لا تقل عن 100 عام، وهذا زمن كفيل في تقديره كي ينسى الفلسطينيون فلسطين، ويسترسلوا في زمن العزلة حسب رواية غابرييل غارسيا ماركيز "100 عام من العزلة".

من الواضح أن اقتراح كاتس، ليس من بنات الخيال، بل هو تصور اسرائيلي موجود قبل هجمات "حماس" على اسرائيل في 7 اكتوبر، وهو يحيل إلى موقف اسرائيل الفعلي من الدولة الفلسطينية، التي تجد إجماعاً إسرائيلياً على رفضها، وهو على صلة بما تخطط له اسرائيل في اليوم التالي للقضاء على المقاومة الفلسطينية، والسيطرة على قطاع غزة. وطالما أنهم فشلوا حتى الآن في تهجير الفلسطيين إلى مصر، فليكن إذن رميهم في البحر، على ظهر جزيرة يسهل إغراقها في أي لحظة، هذه هي الوسيلة الوحيدة لنهاية كابوس إسرائيل الذي لا ينتهي، طالما أن الفلسطيني قادر على التكيف، واختراع أشكال من المقاومة، ولو من تحت الأرض.

طالما أن الخيال الاسرائيلي بارع إلى هذا الحد، لماذا لا يجري توظيفه في حل مشكلة إسرائيل نفسها، خصوصاً أن مقاومة الفلسطينيين الطويلة تقدم البرهان تلو الآخر على أن أهل هذه الأرض لن يتخلوا عنها. وما يشغلهم ليس بناء كيان بأي ثمن، حتى لو بنى لهم العالم كوكباً مستقلاً، أو أعطاهم وطناً بديلاً في مكان آخر، لن يرحلوا من ديارهم ولن تسقط حقوقهم بمرور الزمن.

قالت وسائل إعلام أوروبية إن الاقتراح أثار استياء وزراء الخارجية الأوروبيين. لكنه، في حقيقة الأمرن لم يجد من يرد عليه مباشرة، وإن كان بعض المسؤولين الأوروبيين، قد عبّر عن حالة عامة من الإحباط تجاه الرفض الإسرائيلي لفكرة الدولة الفلسطينية من الأساس. والغريب في الأمر هو أن الاجتماع الأوروبي لبحث المسألة، جاء بعد ايام قليلة من تبادل التصريحات حول القضية نفسها، بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي. ورغم أن الطرفين على نقيض تام، فإن بايدن عبّر عن تفاؤل بتذليل رفض نتنياهو، وقال أن هناك أنماطاً عديدة من الدول، وربما كان يقصد من ذلك دولة فلسطينية على ظهر جزيرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها