الإثنين 2024/01/22

آخر تحديث: 11:27 (بيروت)

وائل الدحدوح بطلنا الممنوع من الحزن

الإثنين 2024/01/22
وائل الدحدوح بطلنا الممنوع من الحزن
وائل الدحدوح في المستشفى
increase حجم الخط decrease
حسناً، خرج وائل الدحدوح من غزة قبل أن تغتاله إسرائيل، التي استهدفت عائلته، على نحو خاص، منذ بداية الحرب على غزة. ولا شك أن مهمة إجلائه من غزة إلى الدوحة لم تكن سهلة، كونها مسألة سياسية. ومهما يكن من أمر، كان عليه ألا يبقى هناك، بعدما أبادت اسرائيل جزءاً من عائلته في 25 تشرين الأول الماضي، من بينهم زوجته وابنه وأحد أولاده. لكنه آثر أن يواصل عمله، رغم أنه تلقى رسالة تحذير واضحة مكتوبة بالدم، لا لبس فيها. كل شيء مقصود ومخطط، واسرائيل تعرف ماذا تفعل، لديها تكنولوجيا دقيقة من أجل عمليات من هذا القبيل.

من المؤكد أن مسألة استهداف الصحافيين الفلسطينيين، على جدول أعمال الحكومة الاسرائيلية منذ اليوم الأول للحرب، فهي أرادتها من دون صورة للخارج. وكلما أحست بأن التغطية الفلسطينية ذات تأثير، زادت من عمليات تحويل الصحافيين وعائلاتهم إلى أهداف عسكرية. وما أصاب الدحدوح، هو مما تعرض له جيش الصحافيين الفلسطينيين، الذين استشهد منهم نحو 120. ولا يقف العدوان على الصحافيين عند شخص بعينه، بل ينسحب على بقية الذين غطوا هذه الحرب، وأفسدوا خطة قادة اسرائيل، الذين كانوا يريدون أن يرتكبوا المذبحة بلا شهود.

ثمة رأي عام غير معلن، يرى أن خروج الدحدوح من غزة ليس في صالح المقاومة. وكان عليه أن يبقى هناك إلى جانب الشعب والمقاومة. فهو في نظر الناس، البطل الذي دفن عائلته وعاد إلى التغطية الإعلامية، ومن ثم سقط زميله المصور سامر أبو دقة في الخامس عشر من كانون الأول الماضي، وأصيب بجرح في يده، لكن ذلك لم يمنعه من العودة للميدان في اليوم نفسه، وواصل الظهور على الشاشة بزخم، وزاد عدد متابعيه بشكل كبير، حتى قتلت اسرائيل ابنه حمزه في السابع من الشهر الحالي، واعترفت بأنها استهدفته عمداً، على ما صدر في تصريح رسمي عن الجيش الإسرائيلي، زعم أن الدحدوح الابن عنصر في "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وأن زميله الذي سقط معه، مصطفى ثريا، عنصر في "حماس"، مدعياً أنه "عثر على وثائق بأرض القتال بغزة" تشير إلى الهياكل التنظيمية للفصائل الفلسطينية، وورد فيها إسما الصحافيَين.

وساد الظن بأن هذا المصاب الكبير سيهد عزيمة الدحدوح ويقعده على الأرض، وأقل ما يمكن سيخيفه ويمنعه من الظهور على الشاشة، لكنه أبدى صلابة استثنائية، وواصل التغطية الميدانية بعدما دفن نجله. وضرب بذلك رقماً قياسياً في الشجاعة، استحق أن يرفعه الجمهور إلى مقام الأبطال الاسطوريين. ومن دون شك فإنه تصرف على هذا النحو من باب رد التحدي لإسرائيل، التي أرادت أن تقول له هذا هو الانذار الأخير، والآن سيصلك الدور.

خروج الدحدوح من غزة لن يؤثر في صمود المقاومة والشعب بوجه الحرب، ولا في التغطية الإعلامية، بل على العكس. وبعد كل ما أصابه وعاناه، صار عليه أن يخضع للعلاج من عدد من الاصابات، وهذا ما خضع له منذ وصوله للدوحة، وبعد ذلك يرتاح لبعض الوقت. أن يجلس بعيداً من القصف والمعارك، يختلي مع نفسه، كي يحزن على ما أصاب عائلته، أن يبكي زوجته وابنه وأحفاده، وهذا حق وواجب عليه أن يقوم به كما يليق بهم، وإذا لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، ستكون هناك ضرورة للتدخل من أن أجل مساعدته على أداء هذا الواجب تجاه نفسه وأسرته وشعبه. ومثلما صمد في الميدان، عليه أن يعطي نفسه حقها لتقف أمام معاناتها الذاتية.

قد يقول قائل أن هناك حالات كثيرة مشابهة، والمصاب الذي حل بالدحدوح، أصاب آخرين في غزة، ثمة عائلات بأكملها قُتلت، وبعضها ما زال تحت الأنقاض. هذا صحيح، ولهؤلاء جميعاً، كما للدحدوح، حق الحزن والحداد. حالتة ليس فريدة، بل شائعة جداً، تصلح للقياس والتعميم، لكنها حظيت بهذا الاهتمام بسبب الخصوصية التي تتمثل في كونه صحافياً معروفاً، تم استهدافه لأنه أزعج اسرائيل، وهذا أحد أسباب التقدير الذي حظي به لدى الرأي العام، والذي لا يسقط عن بقية ضحايا هذه المجزرة من صحافيين وغير صحافيين، سواء بسواء. وما صدر من تصريحات عن بعض المسؤولين الأميركيين عن تعاطف مع حالة الدحدوح لم يكن نابعاً من مشاعر صادقة، بل هو نفاق يفضحه أصرار هؤلاء على رفض وقف إطلاق النار، غير أنه في الوقت نفسه يعني أنّ الرواية الفلسطينية فرضت نفسها، وإن كانت الكلفة عالية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها