الأحد 2024/01/14

آخر تحديث: 09:29 (بيروت)

وثائق اغتيال بلد عربي

الأحد 2024/01/14
وثائق اغتيال بلد عربي
تأبين قاسم سليماني قبل أيام في مكتبة الأسد
increase حجم الخط decrease

لاحظ كثيرون طيلة الفترة الماضية، وفي مجمل ما نشرته في جريدة "المدن"، أنني كنتُ ومازلت، أولي الاختراق الإيراني الثقافي والتعليمي لسوريا، الأهمية القصوى في مجمل المتابعات الواجبة لما يحدث على الأرض، خاصة وأن الخطوات التي جرت عليها لم تكن خفية أو غير ملحوظة، بل كان إعلام النظام يطنبُ بالإشادة بما كان يفعله مسؤولوه في طهران، أو ما يفعله رجالها في دمشق!

واليوم وبعد أن نشرتْ مجلة "المجلة" جزءاً من الوثائق المسربة عن مخططات إيرانية واتفاقيات مع الأسد، يظهرُ أننا لم نكن نغالي في توجهنا، فرصد الوقائع ولاسيما خلفياتها، هو في الأصل بعضٌ مما يراه المواطن السوري، ويشعر به كظل قاتمٍ يحيط به في يومياته، وفي معيشته، وإذا كان الأمر يحتاج إلى وثائق تؤكده، فإن هذا لن يكون مهماً إلا من الجهة القانونية، وهو ما تحرص عليه طهران أشد الحرص، بعد أن تقوم مؤسساتها بابتلاع ضحيتها.

التدقيق في الوثائق، يفضي بنا إلى ملاحظة تَملكِ نظام الملالي دفة السيطرة على الموارد الاقتصادية، وعلى القرار السياسي، واعتبارهما أساساً لاستكمال خطوات الإطباق التام على سوريا، بوصفها بلداً عربياً محورياً، من خلال التحكم بها إعلامياً وثقافياً ودينياً، حيث يصبح من الضرورة أن يتم فعل ذلك، من خلال مذكرات التفاهم والاتفاقيات والمعاهدات.

هنا قد يقول قائل إن كل ما يبرمه نظام الأسد من صفقات لا قيمة له، وذلك بالنظر إلى كونه نظاماً مستبداً يجب إسقاطه، غير أن وجهة النظر هذه تتضمن في ثناياها نوعاً من الاستهانة والتقليل من أهمية ما جرى ويجري، فالواقع الفعلي، وفي ظل تفاقم جوانب الكارثة السورية، يكشف عن توجه فئات تكنوقراطية من أبناء البلد إلى الاستفادة من الفرصة التي تتيحها لهم هذه التفاهمات، من أجل تحسين معيشتهم في مواجهة التردي المعيشي، وأيضاً ترميم فاقد المعرفة الذي فقدوه، بسبب الأزمة المستمرة منذ 13 سنة، وما نتج عنها من إغلاق للفضاء العربي والدولي في وجه المؤسسات العامة ومنتسبيها، الأمر الذي يعني أنه سيكون من الصعوبة على أي حكم يتولى قيادة البلاد، بعد نهاية كابوسها الأسدي، أن يتخلص من الإرث الإيراني، الذي تمت زراعته في أراضيها في غفلة عن أبنائها وعن إخوتهم العرب!

البنود التي أفصحت عنها الوثائق توضح اهتمام الجانب الإيراني بالجوانب الاقتصادية والتقنية، ويمكن بمراجعة بسيطة لأخبار السفير الإيراني في دمشق حسين أكبري، أنه لم يألوا جهداً في زيارة كل وزراء الحكومة السورية بعد تعيينه في منصبه، وقد برزت بين تفاصيل الأخبار عن جولاته عبارة "متابعة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين"! كما حرص أعضاء الحكومة السورية بدورهم على بناء أفضل العلاقات الشخصية معه، بوصفه مندوباً سامياً، لا بوصفه مجرد سفير، يجب أن تحكم تصرفاته قواعد العمل الدبلوماسي!

أداء نظام الملالي طيلة السنوات الماضية كان متوثباً، لكنه مع عودة النظام السوري إلى شغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية صار يقفز قفزات كبيرة، وكأنه يريد توجه الرسالة تلو الرسالة للآخرين، عن مدى هيمنته، وصعوبة استعادة سوريا فعلياً إلى الحضن العربي، مع وجود حاكم يبيع كل شيء لهم في سبيل البقاء على كرسيه!

الاستهانة بما فعلته وتفعله طهران بـ"قلب العروبة النابض" سيكون أهم عنوان يظهر أمام العرب، الذين لم يخذلوا أشقاءهم فقط بل خذلوا وجودهم وكينونتهم وحضورهم في سوريا! فطهران سعت ومنذ البداية إلى خلق فضاء ثقافي مهيمن، على البلد الذي عُرف عبر التاريخ بأنه أشرس المدافعين عن الثقافة واللغة العربيتين، وقد ظهرت وجوه هذا المسعى من خلال التركيز على الجوانب التعليمية والثقافية، حيث صارت الوزارات المعنية بهذين الشأنين أي (التربية والتعليم العالي والثقافة) ملعباً متاحاً يمكن من خلاله نقل الخبرات الإيرانية، التي أنتجت في غير بلد خراباً كبيراً، ذلك أنها لا تمتلك قيمة تخصصية عالية المستوى، إلا في جانب ربط كل شيء مع سلطة الولي الفقيه! فالإيراني يعمل على خلق العلاقات مع السوريين بكل أديانهم وطوائفهم، ليس بوصفه ممثلاً لبلد أجنبي مختلف، بل من زاوية كونه بلداً شيعياً! أي أن ثمة افتراضاً توحي به الوثائق ذاتها، بأن المطلوب هو بناء علاقة بين الشيعة وبين السنة، عبر الفلتر الإيراني! وسط اعتبار سبقي يجعل من طهران ممثلة حصرية للشيعة، ولا يرى أن العلاقة بين الطوائف السورية أو المشرقية عموماً قائمة وحارة، دون أن يكون لنظام الملالي وجود في الأصل.

يمكن للحديث عن هذه الوثائق أن يستمر طويلاً، لكن كل ما يمكن أن يقال، يحكي عن كارثة مديدة الأجل..

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها