الإثنين 2024/01/01

آخر تحديث: 10:20 (بيروت)

عام جديد: شجرة شاحبة تظلل حياتنا

الإثنين 2024/01/01
عام جديد: شجرة شاحبة تظلل حياتنا
كفّت الثقافة عن أن تكون غذاء روحياً للمجتمع بعد غياب الأمن
increase حجم الخط decrease
سبب عزوف الكاتب عن تشبثه بطباعة منتجه لا يكمن في الرقابة الرسمية تحديداً، ومصدّاتها ومحرماتها وقيودها المعروفة. فالرقابة صارت شبه معدومة في بعض البلدان، كالعراق على سبيل المثال. ومع وجود دور نشر عربية، عابرة للحدود، يسهل على كاتب الرواية في وقتنا الحاضر، طبع جديده بيسر وسلاسة. إن ما يدفع للتقاعس عن كتابة الرواية الجديدة، أو التخطيط المريح لها، أمر بعيد نسبياً عن مفهوم الرقابة، سواء كانت حكومية أو مجتمعية. ولعل التحوّلات الكارثية في محيط الكاتب، وانتشار العنف المجتمعي والسياسي، ليصبح ظاهرة عالمية، واحد من جذور شجرة الإحباط التي تنمو كل ساعة، وتظلّل أي مشروع يرتسم في رأس الكاتب. 
الكاتب حساس أكثر من غيره ربما، وهو يرى المجاعات، والهجرات القاريّة، والحروب، بنقل بصريّ ثلاثي الأبعاد. الجفاف، والتلوث، واليأس من تغيير النمط الفكري للقوى العظمى المتحكمة بمصير الكائنات البشرية. كل ما سلف هي ظواهر تلفّ وتدور حول كرتنا الأرضية مثل عاصفة هوجاء. 

المجتمعات التي نكتب إليها، كروائيين عرب، تمضي في اتجاهات معاكسة لجماليات الثقافة وجدواها، للحدّ الذي رهنها لفضاء تهميش دور الإبداع ثم الوصول إلى مستوى انتفاء الحاجة للأدب أصلا. كفّت الثقافة عن أن تكون غذاء روحياً للمجتمع بعد غياب الأمن، والغذاء المادي، والاستقرار. ولنتخيّل المدن المهدّمة، وخريطتها. فكر بليبيا، والعراق، وسورية، واليمن، وفلسطين، والصومال، والسودان. ملايين المهجرين والهاربين واللاجئين، ممن لم تعد تتوفر لديهم جرعة ماء نظيفة، أو رغيف خبز لأطفالهم، أو سقف ينامون تحته. هل يمكنهم الاحتفاء بخروج رواية جديدة إلى منصات النشر والتسويق؟ وهل لديهم الوقت للجلوس، وتأمّل الحاجة الروحية للأدب؟ 

وإذا ما فكر الكاتب بتقاعس النقد تجاه ما ينشر من روايات، والمحاباة السائدة حول المنجز، والشللية المستحكمة في وسائل الإعلام، ومافيوية لجان التحكيم ومسؤولي الدعوات للمهرجانات الثقافية، وتسييسها، عندئذ يصبح من الخيال امتلاك الكاتب الدافع المطلوب لتقديم روحه على مذبح المنجز الجديد. مع غض البصر عن معاناته في البحث عن ناشر يستسيغ منجزه الجاد، والعميق، الذي يسائل هموم الناس الذين يكتب عنهم. كل ذلك وسط ضوضاء النصوص الساذجة، السطحية، الملائمة لقارئ مهزوم، ضيق الأفق، ومؤسسات متخلفة منغلقة، ولا علاقة لها بالثقافة الحقيقية.

 ويرافق ذلك كلّه طبعا، يأس المبدع من تحسين شروط حياته المادية عبر إصدار كتاب جديد. هذا إن لم نقل مزيدا من الكارهين، والحاسدين، والنافرين، والمتنمرين. إذ في كثير من الأحيان، نشهد انفصالاً واسعاً بين حياة الكاتب اليومية ومنجزه الإبداعي. ذلك وغيره من أجواء محبطة، وهزّات حضارية وفكرية متتالية، ومتسلسلة، تجعل الروائي يتردّد كثيراً قبل البدء في التخطيط، ومواصلة مشروعه الخاص. ما عليه سوى امتلاك محرّك داخلي هائل، يرعاه هو نفسه، كي يندفع بيسر للجلوس على آلة الكتابة، واستدراج الخيال من أجل وليد قادم. يطمح إلى أن يأتي جميلا، متفردا، يضيف لبنة إلى تاريخ الرواية. أجل، يوماً بعد يوم، وسنة عقب أخرى، تتحول الكتابة إلى متعة شخصية للكاتب، بعدما راح يرفل باللاجدوى، ويتنفس اليأس، وينظر إلى نجوم غريبة في أفق مظلم، وإلى علاج روحي يقيه من الجنون مما يجري في عالم فظ، دموي، لا يلتفت إليه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها