الخميس 2023/07/13

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

"إنديانا جونز" في جزئه الخامس.. نهاية أم بداية؟

الخميس 2023/07/13
"إنديانا جونز" في جزئه الخامس.. نهاية أم بداية؟
ربما تُمرّر العصا إلى وريثة شابّة (والر بريدج) تملك أسلوباً يشبه أسلوب فورد/جونز الساخر
increase حجم الخط decrease
منذ 15 عاماً، نسمع أخباراً عن فيلم إنديانا جونز الخامس، "إنديانا جونز ونداء القدر". الآن يصل الفيلم إلى الصالات، بعد رحلة إنتاجية كلّفت أكثر من 300 مليون دولار. فهل استحقت المغامرة كل هذه الأموال؟

عودة إنديانا جونز إلى السينما ليست مجرد عودة، لأنها أولاً وقبل كل شيء تشير إلى نهاية مرحلة. وداع، ربما يكون نهائياً (ليس كما حدث في العام 2008 مع "إنديانا جونز ومملكة الجمجمة الكريستالية"، حين كانت لا تزال الأرقام تلعب لصالحه). لكن مع بلوغ بطل السلسة هاريسون فورد، 81 عاماً، لم يعد هناك مجال لقيامه بالمغامرات المرهقة مستقبلاً. على الرغم من أنه مع هذا الممثل، الذي تقمّص لأكثر من أربعة عقود جسد وروح العديد من الشخصيات البارزة، لا يستطيع المرء الجزم أبداً. وفي حين يكون الوداع دائماً مدعاة للحزن، فإن إطلاق "إنديانا جونز ونداء القدر" يبدو أيضاً وكأنه حفلة دُعي إليها الجميع.

الجزء الخامس من السلسلة الناجحة يحتوي كذلك عنصرين آخرين يؤشّران أن هذا الفيلم سيكتب نهاية المغامرات. فهو الفيلم الأول من السلسلة الذي لم يكتبه جورج لوكاس ويخرجه ستيفن سبيلبرغ. بالطبع، كلاهما جزء من لائحة المنتجين، جنباً إلى جانب كاثلين كينيدي وفرانك مارشال، لكن الوزن الرمزي وراء قرارهما البقاء بعيداً من الإخراج الفني ضخم حقاً. ليس فقط لوقوفهما وراء واحدة من أنجح سلاسل أفلام المغامرات في التاريخ، وإنما أيضاً لكونهما من تلك الأسماء المفصلية والمفتاحية في العصر الحديث للسينما.

رغم هذا، لم يكن المزيج موعودًا فحسب، بل بدا مثالياً أيضاً. فيلم جديد من ملحمة إنديانا جونز، مع هاريسون فورد الثمانيني، من إخراج جيمس مانغولد، الرجل الذي أنجز أحد أفضل أفلام الأبطال الخارقين على الإطلاق، "لوغان" (2017)، ويتعامل هنا مع الموقف ذاته تقريباً: كيف يتصرّف بطل محبوب خلال سنواته الأخيرة، حيث لا يزال الشخص الذي كان عليه لكنه لم يعد موجوداً، حين يصبح في منتصف الطريق بين الوداع والموت. لكن هذه المرة لا ينجح مانغولد في رهانه.

الأسباب معقدة لتحليلها وربما تتعلق بضرورات تجارية أكثر من أي شيء آخر، لكن الحقيقة أن الفيلم الخامس في ملحمة إنديانا جونز بالكاد يفي بمهمة الترفيه والتسلية، ولا يملك ذلك العنصر المُضاف الذي يتوقع المتفرج وجوده في مثل هذه الأفلام الجماهيرية.


ربما شعر جورج لوكاس والمنتجون الآخرون للملحمة أنه يتعيّن عليهم "بيع" الشخصية للأجيال الجديدة التي لم تكبر مع الثمانينيات أو مع الفيلم إياه من العام 2008، وهو فيلم ربما نُسي الآن لكنه حقق نجاحاً تجارياً كبيراً. وبعد ذلك قرروا رواية "قصة أخرى" عن البطل المحبوب بالاعتماد فقط على الإمكانات الرقمية للحاضر، وهو الشيء الذي يستحوذ على جورج لوكاس والذي دمّر - لا توجد طريقة أخرى لقول ذلك - مسيرة روبرت زيميكيس. وهذه السلسلة الجديدة من المغامرات تعمل بشكل جيد إلى حد ما بأسلوب رجعي، إذا تجاهل المرء أن العديد من هذه التأثيرات الرقمية غير مريحة أبداً أثناء المشاهدة. لكن لا شيء عاطفياً أو سحرياً في الفيلم، لا شيء يتجاوز الآلية التي نعرف مسبقاً أن السلسلة تتقنها عبر إنشاء أجواء ملحمية، بصرف النظر عن كليشيهاتها وأخطائها وعنصريتها واستشراقها.

يُنفق ما يقرب من نصف ساعة من الفيلم في ما يبدو أفضل مشاهده، والذي ينذر بأنه لن يكون فيلم "إندي" الذي توقّعناه. ُجدّد شباب هاريسون فورد رقمياً ليبدو مثل نسخته في الفيلم الأول من العام 1981 (الذي تدور أحداثه في الأربعينيات)، ويظهر مرة أخرى شاباً ومغامراً في خضم نهاية الحرب العالمية الثانية، ويكافح أولاً للحصول على سلاح أسطوري استخدمه يسوع المسيح، ثم يستمر في الاحتفاظ بكنزٍ آخر قد يكون مهماً وحاسماً في المستقبل. آلة تسمّى الأنتيكيثيرا، اخترعها عالم الرياضيات اليوناني أرخميدس، يمكنها التحكم في الوقت وتمكين الناس من السفر عبر الزمن. المشكلة هي أن لديه نصفها فقط، ويتعيّن عليه إيجاد النصف الآخر لتفعيلها. لكن قبل ذلك، عليه العثور على الخريطة!

تنتقل الأحداث من الأربعينيات إلى العام 1969، مع تقدُّم جونز في السنّ (لا تزال هناك لمسات رقمية تخفّض من سنّ فورد من 80 إلى 65 تقريباً) وتقاعده الوشيك من عمله كأستاذ جامعي، بعد طلاقه من زوجته ماريون (كارين ألين)، عقب وفاة ابنهما الوحيد في حرب فيتنام. ولكن هناك طالبة تدعى هيلينا شو (فيبي والر بريدج، فكرة اختيارها للدور رائعة ولكن في النهاية يتضح عدم مناسبتها) لديها خطط أخرى. إنها تريد الحصول على ما تبقى من الأنتيكيثيرا، وهي أداة كان والدها، وهو صديق مقرّب لإندي، مهووساً بها؛ لكن اهتمامها الأساسي هو جني الأموال منها. إندي لا يريد التورّط في هذا الأمر (يعتقد أن السيطرة على الوقت وعد زائف)، لكن النازيين، أسوأ أعدائه، يظهرون، ويمثّلهم الشرير يورغن فولر (مادس ميكيلسن)، ومشاهدو السلسلة يعرفون ما يحدث عندما يوضع الدكتور جونز بمواجهة النازيين.

يهيّئ الفيلم هذا الموقف ويمدّده إلى أكثر من ستة مشاهد من الحركة والتشويق والمطاردة التي تحدث في مواقع هي بالفعل كلاسيكيات في عالم إنديانا جونز (الدار البيضاء وطنجة في المغرب، لكن أيضاً صقلية واليونان)، وفيها يهرب بطلنا، و"صديقته" (ابنته الروحية في الواقع)، وشخصيات أخرى (تظهر أو تعود) بمعجزة من مطاردة النازيين المغيرين. كل هذا يعمل بشكل جيد نسبياً من الناحية السردية، لكنه يحتوي عدداً من التأثيرات والخدع الرقمية الواضحة والمُكلفة بإمكانها سداد ديون عدد من دول العالم الثالث. لا تكمن المشكلة في التأثيرات نفسها، بل في استخدامها السيئ والتخطيطي إلى حد ما.

إجمالاً، الفيلم مُسلٍّ لأن مانغولد راوي قصص كلاسيكي جيد ويعرف أين تذهب الأشياء وكيف توضع على السبورة السردية، لكن نادراً ما يقدّم سيناريو الفيلم أي شيء أكثر من ذلك. ربما يملك المنتجون فيلماً آخر في خزانتهم لإغلاق ملحمة إنديانا جونز، لكن بمشاهدة "نداء القدر" يحصل المرء على انطباع بأنه محاولة فاشلة لتمديد القصة وإطالة عمرها، ربما لتمرير العصا إلى وريثة شابّة (والر بريدج) تملك أسلوباً يشبه أسلوب فورد/جونز الساخر، وترك الأبواب مفتوحة للمزيد والمزيد من الأجزاء المكمّلة. ربما يتخيّلون الآن هاريسون فورد حاضراً على الشاشة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي في جزءٍ قادم من السلسلة، فيصير الرجل (وشخصيته) خالدين إلى الأبد. ربما، دون أن يدرك هذا، حاول الفيلم تدشين طريقة جديدة للتفكير في السلاسل والأفلام المكمّلة التي لا تقتصر حتى على عمر أبطالها. إذا كان الأمر كذلك، سيكون لدينا نسخ رقمية من إنديانا جونز حتى عندما لا يصبح أحدنا موجوداً على هذا الكوكب! 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها